أعلن "بيت الشعر" في المغرب عن فوز الشاعر المغربي محمد بنطلحة بـجائزة "الأركانة" العالمية للشعر، في دورتها الحادية عشرة.
إيلاف من الرباط: سبق أن فاز بهذه الجائزة، التي تبلغ قيمتها المادية إثني عشر ألف دولار، والتي أحدثها "بيت الشعر" في المغرب، عام 2002، ويمنحها بشراكة مع مؤسّسة الرّعاية لصندوق الإيداع والتدبير وتعاوُن مع وزارة الثقافة، شاعران مغربيان آخران، هما الطاهر بن جلون ومحمد السرغيني، علاوة على ثمانية من الشعراء العرب والعالميين: الألماني فولكر براون والبرتغالي نونو جوديس والفرنسي إيف بونفوا والصيني بي داو والفلسطيني محمود درويش والعراقي سعدي يوسف والإسباني أنطونيو غامونيدا والأميركية مارلين هاكر.
ضمت لجنة تحكيم الجائزة، في دورة هذه السنة، الشاعر محمد الأشعري (رئيسًا)، والشاعر رشيد المومني والشاعر حسن نجمي والشاعر نجيب خداري والناقد عبد الرحمن طنكول والناقد خالد بلقاسم، أعضاء.
رُؤية حداثيّة تنتصرُ للخيال والجَمال
نقرأ في بيان لـ"بيت الشعر"، أصدره بالمناسبة، أن محمد بنطلحة "فتحَ، بتجربَتِه الشعريّة، أفقًا كتابيًا ارتقى باللغة العربيّة إلى مَدَارجَ عُليا في التركيب والتخييل والمعنى، وأسْهمَ في تَمْكينها من مُحاوَرَة شعريّات عالميّة، برُؤية حداثيّة تنتصرُ للخيال والجَمال والحُلم والمُستقبل"، وأنه "يَكتبُ قصيدتَهُ بكامل التأنّي الذي يُوجبُهُ الصّبرُ الشعريّ. وفي هذا الصّبر الشاقّ والنّتوج، يَمحو الشاعر في كتابَته الشعريّة أكثر مِمّا يُبقي، أو على الأصحّ، فهو يُبقي ما يُبقيه من كتابتهِ ممحوًا. ليس المَحوُ والإثبات فِعليْن مُنفصليْن في شعره. إنّهما مُتشابكان، على نحو شديد التعقيد".
ألَم الحَفر عن المُنفلت واللانهائيّ
لاحظ بيان "بيت الشعر" أن "الكتابة عند الشاعر محمد بنطلحة لا تستقيم إلاّ بالمَحو. منه تأتي. وما يَتحقّقُ منها هو أيضًا انتسابٌ في ذاته إلى المَحو، بحُكم سَرَيان الصّمت في هذا التحقّق"، مشيرًا إلى أن منجزه "يحمل، في تركيبه وإيقاعه وتخييله، آثارَ مَحو كتابيٍّ ومعرفيٍّ عنيد لا يَتساهلُ في العمل على اللغة، حذفًا وتشطيبًا وتعديلًا وتكثيفًا، بغاية التّوَغّل باللغة الشعريّة نحو المجهول، الذي يَحتاجُ بلوغُ مَشارفه اختراقَ العديد من التراكيب والتخلّي الصّارم عن كلِّ صوْغ جاهز وعن كلِّ معنى مُسبّق.
لا شيءَ مَعروضٌ في الطريق نحو الشعر، التي اختارَها الشاعر محمد بنطلحة، وسَلكها عبر محطّات يَشهدُ عليها كلُّ عَمَل شعريّ من أعماله".
أبرز البيان أنه "في هذا التّوَغّل نحو المَجهول، يكونُ الشعرُ مَنذورًا لأن يَمحوَ أكثر مِمّا يُثبت. الطريق إلى الشعر، التي اختارَها الشاعر محمد بنطلحة، هي عينُها التصوّر الذي يُضمرهُ الشاعر عن الكتابة الشعريّه. إنّها طريقٌ وَعرة، لا تجودُ بشذورها الخبيئة إلاّ باتخاذ المَحو دليلًا إلى ما تقودُ إليه. وما تقودُ إليه هو أساساً كثيفٌ، ولا يُمكنُ أن يكونَ إلاّ كثيفاً، لأنّه نادر. والنادر لا يكون كثيرًا، لأنّه يَبني لذاته معنى آخَرَ خارج المعنى الكمّيّ والعامّ للقلّة والكثرة.
لذلك أعلنَ الشاعر، في تسميةِ مجموعةٍ شعريّة كاملة، شَغفَهُ بالاستزادة من القليل، وشغفَهُ بالإقامة في القليل لمّا صرّحَ في عنوان هذه المجموعة قائلًا: "قليلاً أكثر". كأنّه يقول: إليّ أيّها القليل النادر. الطريقُ إلى هذا القليل الهائل مَوشومةٌ في المَسار الكتابيّ للشاعر محمد بنطلحة لا بما احتفظَ به في أعماله الشعريّة وحسب، بل بالصَّمت الذي تَسَرَّبَ إلى بنائه الشعريّ، شاهداً على ألَمِ الحَفر عن المُنفلت واللانهائيّ. فالرّهانُ على المُنفلت واللانهائيّ لا يُمكنُ أن يَجود إلاّ بالقليل، لكنّه القليلُ الهائلُ، الشبيهُ بشذور الذهب، القليلُ المَنذور لأهله وحُرّاسه وأصفيائه".
خلخلةِ الطرق التقليديّة في تحقّق المعنى
رأى بيان "بيت الشعر" أن تجربة بنطلحة الشعرية "تنطوي على معرفة خصيبة، لا لأنّها تَبني نصوصَها بالإصغاء إلى التجارب العالميّة الشعريّة وحسب، بل أيضًا لأنّها تبني تصوّرًا عن المعنى الشعريّ ظلَّ دوماً حاملاً لدمغة الشاعر".
كما شدد البيان على أنّ "الجهدَ الكبير، الذي يَبذلهُ الشاعر محمد بنطلحة في بناء المعنى الشعريّ، لا يطرحُ فقط سؤالَ كيف نقرأ المعنى في أعماله، بل يَطرحُ أساساً تصوّراً خصيباً عن المعنى الشعريّ ذاته، عبْر خلخلةِ الطرق التقليديّة في تحقّق المعنى. تصوّرٌ يقومُ على تعارُض مع تصوّرات أخرى، لأنّه يَصلُ المعنى الشعريّ بمَجهُول لا حَدَّ له، فيه يَستضيفُ الشعرُ الغامضَ والمُتملّصَ، على نحو جَعلَ المعنى مُتملّصاً دَوماً من التصنيفات. لا ضِفافَ للمجهُول الذي فتَحَتْهُ تجربة الشاعر محمد بنطلحة للمعنى الشعريّ وهي تُقيمُ هذا المعنى على مشارف الغامض، الذي يُسائلُ اللغة والكائن".
أخسر السماء وأربحُ الأرض
استعرض بيان "بيت الشعر" تجربة محمد بنطلحة الشعرية، فقال إنه لم يكف مُنذ "نشيد البجع"، المجموعة الشعريّة الأولى، عن "صَون المجهول الشعريّ واكتشاف أراض شعريّة جديدة والتوغّل باللغة نحو كثافتها العُليا". وأن ذلك ما رَسَّخَهُ في "غيمة أو حجر"، و"سدوم"، و"بعكس الماء"، و"قليلاً أكثر"، و"أخسر السماء وأربحُ الأرض"، و"رؤى في موسم العوسج" و"تحت أيّ سُلَّم عبَرْتُ؟" وهي الأعمال التي تَوَجَّه من خلالها الشاعر إلى "ابتكار تركيب شعريّ مُختلف يَحتفي بالقدرات الكامنة في اللغة عندما تقتاتُ من اللعب والتجريد والمُغامَرة لتضعَ الجُملة الشعريّة دوماً في الحُدود القصوى للمعنى أو للا معنى".
تفاعُل خلاّق مع الشعريّات العالميّة
انتهى بيان "بيت الشعر" إلى أنّ التجربة الشعريّة للشاعر الفائز تشكل "لحظة مُضيئة في الشعريّة العربيّة المُعاصرة"، من منطلق أنها "اِنبَنت على تفاعُل خلاّق لا مع الشعريّة العربيّة وحسب، بل أيضاً مع الشعريّات العالميّة، وتمكنّت من أن تنحِتَ لذاتها ملمَحَها الخاصّ، الذي يَحملُ دمغة الشاعر في بناء رُؤية شعريّة مُركَّبة، وفي النزوع الدائم إلى اكتشاف أشكال جديدة، وفي الانتصار الجماليّ للغة العربيّة".
التعليقات