&
رغم انه تجاوز سّ المائة (هو ولد عام 1913)،لا يزال بوريس باهور يتمتّع بصحّة جيّدة،ويسافر إلى عواصم أوروبا ليقدّم كتبه التي يتحدثّ فيها عن أحداث كبيرة ،ومهمّة عاشها،وعاشتها القارّة العجوز في فترات مختلفة من القرن العشرين،مركزا بالخصوص على جراح كارثة الحرب الكونية الثانية.وهو من سلوفينيا غير أنه امضى الشّطر الأعظم من حياته في مدينة ترياست الأيطالية التي عاش فيها جيمس جويس حوالي عقدين من الزمن .كماأحبها البعض من مشاهير الكتاب والشعراء من أمثال ستاندال،وبول موران،وفاليري لاربو،وراينار مارياريلكه. وهي أيضا مسقط رأس كتاب كبار من أمثال إيطالو سفيفو.،وأنطونيو صابا،وكلاوديو ماغريس.. عنه كتب نقاد فرنسيّ يقول:”باهور يرغب في أن يكون ذاكرة وصوت الشعب السلوفيني.غيرأنه ضمير أوروبا أيضا،في الوقت الرّاهن.وهو يطالب بأن يقوم الإيطاليّون بتسليط الضّوء على ماضيهم الفاشي،وألاّ يكتفون بالإحتفال بذكرى الضّحايا الذين ناضلوا في ترياست عام 1945 لكي لا تصبح ترياست يوغسلافيّة".ووبعد أن قرأت أعماله التي يرسم فيها صورة مرعبة عن معسكرات الإعتقال النازية والفاشية التي حبس فيها بين عامي 1944 و1945،والتي لا تقلّ قيمة عن أعمال بريمو ليفي ،قامت المخرجة الفرنسية فابيان ايسارتال بإنجاز فيلم وثائقي بديع عن مسيرته حمل عنوان:”بوريس باهور:صورة رجل حر".وقبل أن تشرع في إنجاز الفيلم،زارته في بيته الجميل المطل على ساحل البحر الأدرياتيكي في أواخر شهر جانفي-يناير 2008.وعن ذلك كتبت تقول:”أمر آستثنائيّ أن نستمع الى بوريس باهور،وأن ننظر إليه وهو يتكلم.فهذا الرجل الذي يمكن آعتباره حارسا للذاكرة،جعل من أعماله ومن مسيرته هبة كونيّة حقيقيّة.هذا الجبليّ الصامت الذي لا يحبّ شيئا آخر غير أن يتأمّل الطبيعة من أعلى هضبة "كراست" المشرفة على ترياست،وأن يحلم بأماكن أخرى وبأيام مضت،وحيدا أمام البحر حيث تتراقص المراكب.وهو يرغب في أن يكون رسول كلّ أولئك الذين رحلوا لأنهم تجرأوا على أن يقولوا"لا" للقمع النازي والفاشي".
&
ويظهر بوريس باهور الإندهاش بسبب عدم معرفة عدد كبير من الؤرخين بمعسكرات الإعتقال في جنوب أوروبامثلما هو الحال بالنسبة لمعسكر"ياسنوفاك" المرعب في كرواتيا ، والذي لم يشرف عليه النازيّون.وهو يطالب أيضا بإعادة الإعتبار لكلّ ضحايا النّازيّة،وضحايا العنصريّة،والإعتراف بحقوق المبعدين السياسييّن.وصعود الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة يخيفه مثلما تخيفه جميع الديكتاتوريّات السياسيّة،والإقتصاديّة.وعن نشأته يقول بوريس باهور:”كان والديّ من بسطاء الناس... ولدتّ في ريف سلوفينيا.وقد جاءت والدتي إلى ترياست لتعمل طبّاخة عند عائلة.وكانت قد ذهبت الى المدرسة في عهد "الهابسبورغ" ،وآهتمّت بالشّعر.أما والدي فكان مصوّرافي الجندرمة".بعد الحرب الكونيّة الثّانية ،أصبحت ترياست إيطاليّة بعد أن كانت تابعة للإمبراطوريّة النمساويّة التي آنقرضت لتتقلّص الى ما يسمّى النمسا اليوم.وكان حرق دار الثّقافة السلوفينيّة في المدينة المذكورة في عام 1922، والذي كان من تدبير الفاشيّين أوّل حدث فاجع عاشه الطّفل بوريس باهور وهو في التاسعة من عمره.بعدها صدر قرار بمنع اللّغة السلوفينيّة في الحديث،وفي التعليم.وكانت الفتيات اللاّتي تتجرّأن على التكلّم بهذه اللّغة يُحبسن مع العاهرات.وستكون المرأة التي سيتزوّجها في ما بعد من ضمنهنّ.ويصف باهور ذلك ب"التّطهير العرقيّ" وكان الفاشيّون بقمصانهم السّوداء يرهبون السلوفينيّين يوميّا ويقولون ساخرين:”هل للبقّ والصّراصير جنسيّة؟".مع ذلك تعلّم الطفل من الكتب التي كان يقرؤها بنهم في ذلك الوقت أنه يمكن مقاومة القهر،والظلم ،والكراهيّة،وأن الفاشيّة لا يمكنها أن تدوم إلى الأبد.وفي السنتين الأخيرتين من الحرب الكونيّة الثانية ،آنضمّ بوريس باهور الى حركة المقاومة ضدّ الفاشيّة ،وشرع يتكلّم من جديد لغته الّأم متحدّيا الفاشيّين..وبتلك اللغة كان قد قرأ كبار الشعراء،والكتاب..غير أن الفاشييّن ألقوا القبض عليه،وسلّموه الى الألمان الذين أودعوه معسكرا للإعتقال.وعن تلك التجربة المريرة ،ألّف كتابه الرائع:”سائح بين الظّلال".ثمّ توالت الكتب بعد ذلك ليصبح باهور مرجعا أساسيّا لفهم خفايا فواجع الحرب العالميّة الثانية ،وما جرّته بالخصوص على الأقلّيات العرقيّة في أوروبا الشرقيّة،والوسطى.لهذا السبب رشّح لنيل الجائز نوبل للآداب وهو في الثّمانين من عمره.عند بلوغه 100 سنة من عمره، صرّح بوريس باهور لجريدة "لوموند" الفرنسيّة قائلا:”ليست حياتي هي المهمّة،وإنّما ألأسئلة التي تخترقها طولا وعرضا.ولو كانت أوروبا ذكيّة،وحكيمة وواعية بمصيرها ،وبمستقبلها لكانت أقامت فيديرالية دول ،وإلاّ كيف يمكن لبلد صغير مثل سلوفينيا أن يزاحم بلدا كبيرا مثل ألمانيا؟ليست هناك حضارات صغيرة.أوروبا منطقة لها خصوصيّتها في العالم.ومن واجبها أن تضع عولمة محترمة"...