تعتبر الطاقة العملة العالمية الوحيدة حاليًا، كما إنها أصل الحياة، إذ إن كوكب الأرض اعتمد على الطاقة الشمسية التي تمتصها النباتات وتحوّلها إلى غذاء، ما أدى إلى انتشار الأشجار والأخشاب في كل مكان.
إيلاف: أصدر فاكلاف سميل حتى الآن 36 كتابًا تطرق فيها إلى قضايا عديدة، معظمها يتعلق بالطاقة وعلاقتها بالاقتصاد وعلوم البيئة، وهو أحد الخبراء الذين يشار إليهم بالبنان في هذه المجالات.
قد قرأ بيل غيتس كل كتبه، وضمنها كتابه الأخير الذي يحمل عنوان "الطاقة والحضارة: تاريخ"، ثم كتب معلقًا عليه: "أنتظر كتب سميل الجديدة، كما ينتظر البعض فيلمًا جديدًا عن حرب النجوم. وهو يشرح في هذا الكتاب بطريقة متعمقة وواسعة كيف أن قدرات البشر المتجددة على تحويل الطاقة إلى حرارة وضوء وحركة كانت وراء تطورنا الثقافي وتقدمنا الاقتصادي على مدى عشرة آلاف عام".
لكن بيل غيتس يضيف: "عليّ أن أقر بأن قراءة كتاب الطاقة والحضارة ليست سهلة على الإطلاق. وفي الواقع، منذ قراءتي كتب سميل الأولى قبل سنوات، كنت أشعر دائمًا بشيء من الإحباط، وأتساءل عمّا إذا كنت سأفهم كل هذا في أحد الأيام؟".
من هو
ولد فاكلاف سميل في عام 1943 في بلدة قريبة من مدينة بلزن في جمهورية الجيك، وكان في صغره يقطع الحطب كل يوم لتدفئة منزل عائلته، وهو ما ترك في نفسه أثرًا كبيرًا على صعيد فهم العلاقة بين الإنسان والبيئة والطاقة.
أما سميل الحالي فيحمل الجنسية الكندية أيضًا، وهو عالم ومحلل سياسي وبروفسور سابق في كلية البيئة في جامعة مانيتوبا في كندا، كما هو أستاذ فخري فيها، وقد نشط في مجال البحث في قضايا منوعة، منها الطاقة والبيئة والغذاء والسكان والاقتصاد والتاريخ والسياسة العامة.
الطاقة والحضارة
كتاب سميل الأخير عبارة عن سرد تاريخي لعلاقة الإنسان بالطاقة ابتداء من فترة ما قبل الزراعة والاستقرار السكاني وانتهاء بزمننا الحالي المتميز باعتماد كامل وغير مسبوق على الطاقة السجيلة.
يرى الكاتب أن الطاقة هي العملة العالمية الوحيدة حاليًا، وأنها ضرورية لتحقيق أي شيء وهو يذكرنا بأن الحياة في الكرة الأرضية اعتمدت أساسًا على الطاقة الشمسية التي تمتصها النباتات، وتحوّلها إلى غذاء، ما أدى إلى انتشار الأشجار والمزروعات والأخشاب في كل مكان.
مع تطور حياة الإنسان وتزايد أعداد البشر ازدادت حاجتهم إلى استهلاك الطاقة، وهو ما جعلهم يعتمدون على أشجار المناطق المجاورة التي بدأت تخلو شيئًا فشيئًا من مصادر الوقود.
يقول الكاتب إن المجتمع البشري كان يعتمد على الطاقة الشمسية بشكل كامل لسد احتياجاته على صعيد التدفئة والطبخ والصناعة. وهو يصف في كتابه كل تفاصيل هذا الاعتماد بأسلوب تصويري مترابط يمنح القارئ فكرة شاملة.
ويوضح أن الإنسان هو الصنف الوحيد القادر على إنتاج الطاقة من خارج جسمه باستخدام الفكر وتشكيلة واسعة من التحويرات التي أدخلها على مصادر الطاقة للإستفادة منها في قضايا عديدة، منها الزراعة والصناعة والمواصلات والأسلحة والإتصالات والاقتصاد وخلق التجمعات السكانية الضخمة وتحسين نوعية الحياة والسياسة والبيئة.
معقد لكن يستحق
وصف النقاد كتاب سميل بأنه صعب ومعقد، لكنه يستحق الجهد، لأن كل صفحة فيه تتضمن نقاطًا مهمة وتحليلات عميقة. أما أهم ما ورد فيه فيتعلق بالوقود المستخرج من باطن الأرض، كالنفط والغاز الضروريين لتشغيل مكائن وقطارات وبواخر ولصناعة الفولاذ وأعمال البناء، وتسيير شاحنات وسيارات وتراكترات. ومن المعروف أن مشتقات النفط دخلت حتى في صناعة الأسمدة، وهو ما أدى إلى زيادة إنتاج الأغذية، وبالتالي إلى تحسين غذاء السكان.
ويبيّن الكاتب أن التحكم في استخدام الطاقة وتطويره هو ما حوّر مجتمعاتنا، وقادها إلى تطور لا يتوقف، وهو ما تمت ترجمته إلى نمو اقتصادي بمعدلات عالية، خلق فائضًا حقيقيًا كبيرًا، ورفع مستوى الحياة بالنسبة إلى غالبية سكان الكرة الأرضية، وخلق اقتصادًا جديدًا يقوم عليها.
بالاختصار الوقود السجيلي وراء كل نشاط حالي في الكرة الأرضية، ما يعني أن الطاقة تساوي مالًا، وأنها أهم عملة عالمية. وبالطبع فكلما امتلكنا منها أكثر ازدهر الاقتصاد أكثر.
لا عقلانية
وفي وقت تسير فيه عمليات التنقيب عن الغاز والنفط واستخراجهما على قدم وساق من دون اهتمام بالضوابط البيئية يعتبر الكاتب أن كل هذا التطور مرتبط بارتفاع درجات الحرارة، لكنه يلاحظ أن أي رغبة في الحد من هذا الارتفاع ستتطلب تقليص حرق الوقود السجيلي، والتحول إلى مصادر طاقة غير كربونية.
ويرى الكاتب أن إنساننا المعاصر لا يستخدم الطاقة بشكل عقلاني، وأفضل مثال على ذلك هي قيادة السيارات في المدن، لأنها تستهلك طاقة غير متناسبة مع إنتاجها النهائي، وهي أيضًا وراء تلوث البيئة وحدوث وفيات وإصابات.
من جانب آخر، يلاحظ سميل أن الإنسان الحالي ينفق ثروته على أمور تافهة لأنه يسعى إلى تحقيق أقصى ما يستطيع من تنوع وإلى الاستمتاع بوقته الزائد بطرق لم تعرف في السابق، فيما يزيد من وتيرة الاستهلاك، مع ما يرافق ذلك من جشع وحب للتملك بمستويات متعددة وبشكل غير مسبوق.
يعتقد الكاتب في النهاية أن علينا خلق وسائل عقلانية للاستهلاك، والفصل بين المركز الاجتماعي ووتيرة الاستهلاك المادي والانتقال إلى مجتمع أقل استهلاكا للطاقة، رغم شبه استحالة تحقيق ذلك، لأن هناك من يعارض أي تقليص في استخدام الطاقة لاعتقاده بأن التقدم التكنولوجي ضروري، وبأن الطلب عليه في تزايد مستمر.
ينتهي سميل إلى القول إن فهم المشكلة لا يكفي لإيجاد حل، ويلاحظ غياب أي التزام من جانب كل أنواع الحكومات أيًا كان اتجاهها ومن السياسيين والاقتصاديين بشكل عام، لأن كل هؤلاء يدركون تمامًا بأن الطاقة تعادل مالًا، وهم يريدون امتلاك مال أكثر، وليس أقل.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف نقلًا عن "تري هاغر". الأصل منشور على الرابط
https://www.treehugger.com/energy-policy/energy-and-civilization-history-book-review.html
التعليقات