تختلف العمليات الجراحية من عصر إلى آخر فقبل البنج المتعارف عليه اليوم كانت عشبة الخشخاش والكحول أيضًا هما وسيلتا التخدير المعتمدتين. يرصد لنا كتاب "تحت المبضع: تاريخ الجراحة عبر 28 عملية مهمة" أسرار عن شخصيات خضعن لجراحات.

إيلاف: نعرف جميعًا أن الجراحين أشخاص يمتلكون قدرة كبيرة على التعامل بدقة مع الأجسام الحية، حيث يقومون بقطعها وتشريطها، وربما حتى استئصال أجزاء منها أو إضافة أخرى.

ويحتاج الأطباء الجراحون تكريس سنوات طويلة من حياتهم قد تصل إلى تسع سنوات كاملة لتعلم هذه المهنة وإتقانها قبل منحهم صلاحية استخدام المشرط على أناس أحياء.

منذ القدم
ومن المعروف أيضًا أن الجراحة ليست حديثة تمامًا، بل تم العثور على أدلة على ممارستها لدى المصريين القدماء والهنود والصينيين والإغريق والمسلمين، ويمكن الإطلاع على تفاصيل أنواع الجراحات لدى هذه الشعوب بالعودة إلى مصادر عديدة تشرح الطرق والأساليب التي كانت تستخدم في تلك الأزمان.

لكن هذه الشعوب لم تكن تعرف آلية التخدير المتبعة حاليًا فكانت تلجأ إلى استخدام أعشاب معينة في حالة الحاجة إلى تهدئة المريض، ومنها الخشخاش، الذي تذكر مصادر تاريخية أن السومريين كانوا أول من استخدمه لهذه الأغراض. وكانت هذه الشعوب تلجأ أيضًا إلى استخدام الكحول كمادة مخدرة.

في العصر الحديث ارتبط التعامل البسيط جراحيًا مع جسم الإنسان بالحلاقين، ثم ما لبثت هذه العلاقة أن انقطعت في بدايات القرن التاسع عشر، ثم تم اكتشاف البنج بفضل الأميركي وليم مورتون، وهو ما ساهم بشكل كبير في تطور علم الجراحة كتخصص منفصل عن الطب بشكل عام.

تحت المبضع
كل هذه المعلومات وردت في كتاب نشره الجراح والكاتب الهولندي آرنولد فان دو لار الذي درس الجراحة في جامعة لوفن ويعمل حاليًا في مستشفى سلوترفارت في أمستردام. عنوان كتابه "تحت المبضع: تاريخ الجراحة عبر 28 عملية مهمة".

استخدم الكاتب تجربته الشخصية في سرد قصص من ماضي الجراحة وحاضرها مع طرح توقعات لما سيكون عليه مستقبلها، وخصص أجزاء لرواد هذا النوع من العلوم وأولئك الذين ساهموا في تطويره بشكل عام.

إحدى القصص عن طبيب كان يعيش في أمستردام في القرن السابع عشر، وكان يعاني من آلام لا تطاق، بسبب حصى المثانة، فقام بشق مثانته، واستخرج الحصى منها.

مرضى مهمون
لكن أكثر الأجزاء إثارة للاهتمام في الكتاب تتعلق بالمرضى المهمين الذين خضعوا لعمليات جراحية أو وافقوا على أن يستخدم طبيب مبضعه لإنقاذ حياتهم مع ما يرافق ذلك من إصابة الأطباء والجراحين أنفسهم بتوتر شديد وحتى بنوع من الخوف من ارتكاب أخطاء مع شخصيات مثل هذه.

من هؤلاء الملك لويس الرابع عشر على سبيل المثال لا الحصر، وكان يعاني من ناسور شرجي. ويذكر دو لار أن الطبيب طلب من الملك مهلة ستة أشهر يقوم خلالها بإجراء العملية نفسها على 75 مريضًا لتجنب احتمال ارتكاب خطأ لا يمكن إصلاحه.

من هؤلاء أيضًا الإمبراطور سيسي، الذي تعرّض إلى طعنات، والبابا يوحنا بولس الثاني، الذي كان يعاني من مشاكل في القولون، وهوديني الذي يذكر عنه الكاتب أن زائدته الدودية الملتهبة انفجرت خلال إدائه آخر عرض له، ثم أيضًا ألبرت آينشتاين، الذي كان مصابًا بتضخم الشريان الأورطي البطني، ولا ننسى هنا بوب مارلي، الذي كان مصابًا بسرطان الجلد في إصبعه الكبير، ولكنه رفض السماح للجراحين ببتره.

أسرار إلى العلن
من الشخصيات المهمة أيضًا شاه إيران، الذي كان يعاني من مشاكل في الطحال، فتم استدعاء طبيب أميركي معروف إلى مصر لمعالجته. لم يكن هذا الطبيب على شهرته خبيرًا في عمليات استئصال الطحال، ولكنه أجرى العملية للشاه، فاستأصل مع الطحال جزءًا من البنكرياس، مما أدى إلى مضاعفات، قادت إلى وفاة الشاه، حسب ما جاء في كتاب دو لار.

اعتمد الكاتب في دراسته على مذكرات خطها أطباء على مدى التاريخ، ذكروا فيها أسرار مهنتهم أو أسرارًا تتعلق بالشخصيات التي كانوا يعالجونها. وجاء سرده بأسلوب لا يخلو من روح النكتة.

إحدى القصص التي نقرأها في الكتاب تتعلق بجراح عرف بعجالته في إجراء العمليات، وحدث في إحدى المرات أن أدت سرعته في تحريك المبضع إلى قطع أصابع مساعدته التي ماتت بسبب هذا الحادث، كما أغمي على شخص كان في حجرة العمليات بعدما شاهد ما حدث، ثم ما لبث أن مات بسبب الصدمة. ولا ننسى أن نذكر هنا أن المريض نفسه مات أيضًا في ذلك اليوم.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "سبكتاتور". الأصل منشور على الرابط أدناه:

https://www.spectator.co.uk/2018/03/from-louis-xiv-to-the-shah-of-iran-celebrities-under-the-surgeons-knife/