&ابدى الادباء والمثقفون العراقيون غضبهم واستغرابهم من موقف مجموعة من اعضاء مجلس النواب العراقي لتخليهم عن قصيدة شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري وترشيحهم لاغنية (سلام عليك) للشاعر الغنائي اسعد الغريري نشيداً وطنياً لجمهورية العراق..!.
وعارض الكثير من الادباء فكرة ترشيح اغنية بسيطة بدل من قصيدة الجواهري اعتمادا على مزاج بعض النواب ،وعدوا ذلك استخفافا بأهمية النشيد الوطني ، فيما اشار البعض الى كلمات النشيد المرشح التي فيها احباط كبير ، مثلما ذهبوا الى ان لحن هذه الاغنية ليس اصيلا بل مأخوذ من النشيد الوطني العراقي عام 1958 ، واعرب البعض انه يخجل ان تكون ما اسمها (الطقطوقة) نشيدا للعراق وبديلة لقصيدة الجواهري الخالدة .
وكان رئيس كتلة الإصلاح والإعمار النيابية صباح الساعدي والقيادية في تحالف "سائرون" إنعام الخزاعي يوم الخميس 14 مارس ، اذار 2019 ، قدّما اقتراح قانون النشيد الوطني الجديد، بموافقة سبعين نائباً من مختلف الكتل السياسية إلى رئيس مجلس النواب.
وسبق &لمجلس النواب العراقي ان صوّت من حيث المبدأ، خلال جلسته الخامسة من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة التي عقدت يوم 12 يوليو / تموز عام 2012 على اعتماد مضمون قصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري ( سلام على هضبات العراق) كنشيد وطني لجمهورية العراق.

الجواهري .. صاحب موقف كبير
وما ان تناهت الاخبار عن قيام عدد من النواب ترشيح اغنية (سلام عليك) حتى اصدر الاتحاد العام للادباء والكتاب بيانا صحفيا اكد فيه رفضه لترشيح أي نشيد غير نشيد الجواهري الذي سبق ان عضدته لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب سابقا ، محذرا &من التعامل مع مفصل تخصصي خطير بأهمية النشيد الوطني، بهذه السهولة والاستخفاف، وقال بيان الاتحاد : يعبّر الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق عن استغرابه وعجبه وغضبه، من موقف مجموعة من النواب بترشيحهم أغنية (سلام عليك) نشيداً وطنياً لجمهورية العراق..!
واضاف: وهنا لا بدَّ أن نقول: إننا في اتحاد أدباء العراق قد رشّحنا قصيدة الجواهري (سلام على هضبات العراق.. وشطيّه والجرف والمنحنى) إلى لجنة الثقافة والإعلام سابقاً، وقد عضدت اللجنة ترشيحنا آنذاك..

وأوضح : وكان ترشيحنا للأسباب الآتية:
١. ان القصيدة للجواهري الذي أطلق العرب عليه لقب (شاعر العرب الأكبر)، وهو اسم قدير كبير على امتداد العراق طولا وعرضا وتاريخا.
٢. الجواهري ليس شاعراً كبيرا فقط بل هو صاحب موقف كبير وهو معارض لصدام وقد افتتح مؤتمر المعارضة العراقية عام ١٩٩١ دعما لانتفاضة آذار المجيدة ضد صدام وتم حذف قصائده من مناهج المدارس منذ الثمانينات ورحل عام ١٩٩٧ ودفن في مقبرة الغرباء في حي السيدة زينب بدمشق. أما الان وقد أثير موضوع أن يتم ترشيح أغنية (سلام عليك) كي تكون نشيدا وطنيا، فإن هذا الأمر تعدٍّ واضح على تاريخ الأدب العراقي، وتاريخ الموسيقى أيضاً، فكلمات (سلام عليك) بسيطة لا تليق بقامة الأدب العراقي الذي أنجب المتنبي والجواهري والسياب ومئات الأسماء الرنانة، كما ان لحن قصيدة (سلام عليك) مقتبس من نشيد الجمهورية الأولى للمؤلف الموسيقي العراقي لويس زنبقة.
وتابع : مع تأكيدنا بأن النشيد الوطني يمثل رمزا محاطا بهالة من القدسية فكيف نرشح كلماتٍ لشاعر كي تكون نشيداً وطنياً للعراق الجديد وهو شاعر مجّد بكلماته النظام الديكتاتوري السابق.!.
وختم بالقول : فإلى الجهات المعنية بالأمر، من رئاسات ووزارات ونوّاب، احذروا كلَّ الحذر، فالتعامل مع مفصل تخصصي خطير بأهمية النشيد الوطني، بهذه السهولة والاستخفاف أمر لن تحمد عقباه، ولن يمرَّ أبداً، إلا إذا أراد المسؤولون الجدد أن يعيدوا نفيَ الجواهري مرةً أخرى، ليدفن في الغربة دليلاً على بقاء النظام السابق حاكماً الآن.

&احباطات الماضي والحاضر
وقال الكاتب حامد المالكي : ‫الفنون العظيمة كالموسيقى، والقصائد الخالدة لا تستشعرها سوى العقول الكبيرة والروح التواقة للجمال، لا علاقة بالمزاج والعاطفة عندما تختار نشيدا وطنيا للبلد، أعرف أني أنفخ في وطن مثقوب لكني وللتاريخ، أرفض ان تتحول أغنية بسيطة تغنى في المنافي الى هوية وطن!‬
واضاف: لا نستكثر على فنان كبير مثل الموسيقار كاظم الساهر ان يكون ملحن النشيد الوطني. فهو من اشاع الفن العراقي في الوطن العربي واصقاع من العالم، وصاحب الباع الطويل بالالحان عمرا وفنا مقارنة بملحن نشيد مصر "بلادي بلادي" سيد درويش وهو الذي توفي ولم يكمل الثلاثينيات من عمره. ولكن، من ناحية فنية، ولا اريد الدخول في المزايدات السياسية، اقول إن كلمات اغنية (سلام عليك) المقترحة كنشيد وطني في بعض كلماتها، تعكس احباطات الماضي والحاضر وليس فيها تطلع الى المستقبل.
وتابع : كيف نسوغ ان طفلا في المدرسة سيردد بعد سنوات او سنين كلمات عن بلده تقول: (أصلي لأجلك فى كل حين، وامسح عنك هموم السنين ،لماذا اراك حبيبى حزين، ويعصر قلبك هذا الألم) ، اما اذا حذفنا هذا المقطع فستظل كلمات القصيدة لا ترتقي، على رغم جماليتها الى ما كتبه شعراء اخرون كبار مثل الجواهري، كما ان التساؤل يظل قائما لماذا حُذفت حتى في حال حذفها.&
وأوضح :.موسيقيا اللحن مشابه في مستهله للسلام الجمهوري في عهد عبد الكريم قاسم وهو من القالب اللحني الذي اسمه المارش وملحنه ليس عراقيا. وبحسب الباحث الموسيقي صميم الشريف في كتابه "الاغنية العربية"، فان المصريين واللبنانيين وخصوصا الاخوان فليفل ووديع صبرا ملحن النشيد الوطني اللبناني هم من برعوا في قالب المارش اللحني، ولم يذكر للعراقيين انجازات في هذا المجال.&
وختم بالقول : اعتقد أن كثيرين يوافقون ان يكون الفنان كاظم الساهر ملحنا للنشيد الوطني ولكنهم لا يحبذون هذه القصيدة ولا هذا اللحن الذي اسمه "سلام عليك".

مزاجية نواب السهو
فيما قال الشاعر حسين القاصد : فعولن فعولن ..فعولن فعولن .. فعولن ..نعم!!، سلام عليك .. على رافديك ..، أية مسخرة ؟ وأي نشيد تريدونه للعراق من شاعر لا يقرأ ولا يكتب ومن مطرب لم يجتهد في اللحن سوى ترديد موسيقى البحر المتقارب بطريقة ( محفوظات الأطفال ) ؟&
واضاف : إن عراق الشعر يستحق نشيدا بحجم ابداعه وعذاباته .. لا بحجم مراهقة كتاب الخواطر واستسهال اللحن.. خذوا ( الساهر) مطربا لحفلاتكم وخذوا كاتب طقوقة ( عراق القيم) .. ،ولكم أن تختاروا بين ( مقصورة الجواهري) او ( الشمس اجمل في بلادي .. للسياب) أو تتركوا الأمر لأصحابه..
وتابع : لن نسمح بنشيد يخضع لمزاجية نواب السهو .. كفاكم عبثا بالعراق وامنعوا عبثكم من أن يطال هوية العراق الثقافية .. لأنكم اذا اخترتم طقوقة الساهر سنطالب بالتصويت بين طقوقة (عراق القيم) وبين إحداهن (طالعة من بيت ابوها) وما زال البحث عنها جاريا .. والتحقيق مستمرا مع شخص حلو وزعلان فات وما سلم على ناظم الغزالي !!

&لحن منسوب لغير صاحبه
وقال الشاعر عمر السراي : أتخيّلُ أن النشيد الوطني للعراق، سيكون أغنية (عراق القيم)، فأغوص في خجلي من لحنٍ منسوب لغير صاحبه، فقد سرق كاظم الساهر اللحن من (لويس زنبقة) من دون إشارة، وأغوص خجلاً أكثر من صفي الدين الحلي، والرصافي والزهاوي، والعمري، والنجفي، والجواهري، والسيّاب، لأننا فرّطنا بهم لنعتمد (طقطوطة) لشاعر بسيط لا يمثّل اسماً شعرياً في تاريخ الأدب العراقي نشيداً وطنياً لنا.
واضاف : ياااااه كم ستطول القائمة، وكم سنخجل لأننا هجرنا كل القامات الشعرية العراقية، واتجهنا لغيرها شعراء لنشيدنا الذي لن يكون وطنياً إلا بهم.لقد اختار اتحادنا، اتحاد الجواهري، القصيدة الخالدة لأبي فرات: (سلامٌ على هضبات العراق ،وشطّيه والجرف والمنحنى) نشيداً وطنياً، وانتظرنا أن يكلّف ملحن كفء بتلحينها، لتُعتمد، ونرددها كل اصطفاف، وكل صباح ومساء مطرّزين بالشموخ، وفي حال إصرار أية جهة على اعتماد سوى ذلك من قصائد، سنكون مضطرين للقراع الأدبي الباشط.
وختم بالقول : أيها النوّاب.. لقد ضيّعتم الوطن بحسن أدائكم والحمد لله، فحذاري حذاري من أن تضيّعوا نشيده أيضاً.

اغنية لا تصلح نشيدا&
من جانبه قال الاعلامي حسام الحاج : النشيد المقترح "سلام عليك" متواضع جدا من الناحية الادبية ولا يصلح ان يكون نشيدا وطنيا ، ولا يليق ببلد الجواهري والسياب ان يكون نشيدهم الوطني بهذه الركة ، شعبوية سائرون وعواطفهم الزائدة يجب ان تُضبط ( هي مو لعبة )
واضاف: النشيد الذي اقترح في الدورة السابقة وهو جزء من القصيدة المقصورة للجواهري العظيم ( سلام على هضبات العراق ) افضل بمئة مرة من هذه الاغنية العاطفية المقترحة .

معلومات اخرى&
يذكر ان لجنة الثقافة في البرلمان أكدت عام 2012 &أن العديد من مثقفي العراق وشعرائه اقترحوا أن تكون قصيدة الجواهري نشيدا وطنيا، كونها توضح هوية العراق ووطنية المواطن العراقي، فضلا عن تكرار كلمة (سلام) فيها لعدة مرات في صدر جميع الأبيات، وهو ما يحتاجه العراق وما يجب أن يكون عليه، كما أن مركز الجواهري في براغ اقترح المقترح ذاته في ( 27 تموز 2008).&
ومحمد مهدي الجواهري المولود في مدينة النجف في (26 تموز 1899) والمتوفى في (1 أيار 1997) شاعر عراقي شهير، لقب بشاعر العرب الأكبر، وله قصائد كثيرة أشهرها (عينية الجواهري) و(يادجلة الخير).
ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة خلال العام 1921، ومع كل تغيير في نظام الحكم، كان النشيد الوطني العراقي بدوره يخضع للتغيير، ومع تعاقب الأنظمة المختلفة تعاقب على العراق خمسة أناشيد وطنية في خلال اقل من قرن.
وعند تولي الملك فيصل الأول الملكية في العراق كان السلام الملكي باللحن البسيط، وبعد ثورة 14 تموز 1958 كان لابد من إجراء تغيير على السلام الملكي وتحويله إلى سلام جمهوري، ليكون في هذه الحقبة لحنا أيضا بلا كلمات وكان يسمى موطني.
وبعد وصول حزب البعث إلى السلطة خلال العام 1963، تم اعتماد نشيد وطني جديد وهو (والله زمان يا سلاحي)، وهو من الحان المصري كمال الطويل وكلمات الشاعر المصري صلاح جاهين، وفي العام 1981، تم اعتماد نشيد (وطن مدّا على الأفق جناحا)، وهي من كلمات الشاعر العراقي شفيق الكمالي والحان اللبناني وليد غلمية ليكون النشيد الوطني للجمهورية العراقية.
وبعد العام 2003، تم اعتماد أنشودة (موطني) كنشيد وطني لدولة العراق وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان كتبها عام 1934، ولحنها محمد فليفل.
&