لو سألني شاب جاد أو أي انسان طموح نصحية ، ماذا يقرأ ، لو كان له أن يقرأ كتابا واحدا فقط. &سوف أقول له بدون تردد: اقرأ "سمِّها تجربة" لأرسكين كالدويل.
الكتاب من سلسلة المائة كتاب ، صادر عن دار الشؤون الثقافية في بغداد عام 1990. ترجمة علي الحلي و مراجعة الدكتور عبد الستار جواد و هو سيرة ذاتية للكاتب الأمريكي المعروف أرسكين كالدويل.
الحق انني قرأت العديد من قصص كالدويل ، وجدت في نهاية المطاف أن قصة حياته هي اجمل قصصه جميعا. قرأت الكتاب حين صدوره في تسعينات القرن الماضي ، ثم أعدت قراءته مرة أخرى لأيامٍ و لم تتغير قناعتي تلك، رغم ان ما بين القراءة الأولى و الثانية اكثر من ربع قرن قرأت خلالها العشرات، إن لم اقل المئات من الكتب. الفرق الوحيد بين القراءة الأولى و الثانية إنني وجدت ملاحظات تتعلق بالترجمة و إخراج الجمل دون أن يمس ذلك بجوهر الكتاب.
أحب الناس الناجحين و خصوصا أولئك الذين شقوا طريقهم بصعوبة . إذا أراد شخص ما أن يبني حياته و لا يستسلم للمتاعب و يتعلم كيف يذللها فإنه سوف يجد في هذا الكتاب مرشدا أمينا له.
يقول المترجم في المقدمة : „ كانت حياة كالدويل صورةً أصيلة للمعاناة المأساوية في سبيل لقمة العيش و الحرف الشريف… فقد عمل نادلا في حانة و حمالا لنقل البضائع ، و خفيرا في مزرعة، و صباغا للأحذية ، و قاطفا للقطن و طباخا و عاملا في مطحنة و سائق سيارة أجرة و عاملا مساعدا على خشبة المسرح ثم مخبرا صحفيا و كاتبا" ص. 11 ـ 12
„ أما مدخولاته، فقد بدأت بأجر قدره دولار واحد .. و انتهت الى ثلاثة آلاف دولار عن الليلة الواحدة ، كما حصل مع روايته "طريق التبغ" بعد اخراجها مسرحيا" ص 12
يذكر كالدويل في الصفحة 72 انه في عام 1926 كتب ربما "اربعين أو خمسين قصة قصيرة لم تنشر أية واحدة منها".

الكتابة عنده
„افضل طريقة لتعلم الكتابة هي الكتابة" ص 302
الكتابة عنده: „رغبة لا يمكن السيطرة عليها.. تلك التي تبحث عن التنفيذ بأي ثمن . أنها رغبة ملحة لا يمكن ان تحجم عنها" ص 303.
„أولئك الذين يرغبون في معاناة المشقة… هم أولئك المرجحون.. بأن ينجحوا ككتاب مبدعين". ص 304
„إن إنسانا يمتلك الإرادة في الكتابة ، يستطيع أن يجد دائما الفرصة" ص . 305
و عن أسلوبه في الكتابة نجد انه شخّصَ أي الطرق يسلك في الكتابة افضل من اي ناقد او محلل و سار في طريقه بإصرار
إقرأ معي :
„حاولت أن أكتب ذهنيا مع نفسي فقط كقارئ ، تماما كما لو لم يكن هناك من يقرؤها ، معتقدا بأن الكاتب نفسه يجب أن يكون مسرورا من قصته قبل الآخرين".
و في الصفحة 142 يكتب: „ بدا لي أن أغلب مقومات الرواية تكمن في الناس انفسهم و ليس المخططات المحتالة و المكائد المضادة المصممة للإحتيال على كلام و أفعال البشر. هكذا استقر ذهني".

السوق هو الحكم
البعض منا يشكو من أن حظوظ النشر و الانتشار هي في الغالب من حصة اقل الناس موهبة من الانتهازيين الذين يركبون كل موجة و لكن نفس هذا البعض و لاسباب عقائدية يعترض على ان يكون النتاج الابداعي جزءا من السوق و مرتبطا ليس بالسلطة انما بالمؤسسات الخاصة على غرار ما هو عليه في دول الغرب. هذا امران لا يتمشيان.
شكى كالدويل كثيرا من النقاد غير الموضوعيين و الكثير من الاعتبارات التي حددت امكانية نشر المنتوج الابداعي غير الموهبة. لكنه في النهاية انتصر و اصبح معروفا و سارعت دور النشر و الصحف لنشر ابداعه كما تم تحويل العديد من اعماله الى افلام و مسرحيات.
ان البشر هم انفسهم هنا في اوربا كما لدينا في بلدان الشرق و هم مرضى بالحسد و الانزعاج من نجاح الغير. و يصادف المرء هنا ايضا نقادا غير موضوعيين او خاضعين للعلاقات الشخصية لكن ارتباط الابداع بالسوق و حرص دور النشر على نشر الاعمال الابداعية ذات النوعية الجيدة هو الذي يحسم هذه القضية في نهاية المطاف . فنشر الكتب الابداعية مرتبط بالمبيعات و السمعة و مؤسسات النشر حريصة على نشر نتاجات ابداع ذات مستوى عال لكي لا تخسر القارئ.
اما في البلدان التي يكون فيه النتاج الابداعي و نشره موجها و تحت سلطة و تمويل الدولة فإن نشوء بنية بيروقراطية فوقية تعتمد المحاباة او الميول السياسية او اي عتبارات اخرى غير ابداعية امر لا يمكن تجنبه.
النجاح الذي سعى اليه كالدويل كان مرتبطا بنجاحه في تسويق عمله الابداعي من خلال المثابرة و تحسين العمل باستمرار حتى شق طريقه و حصل على النجاح . اما في دول مثل العراق فإن نشر النتاجات الابداعية و كتابات النقاد عنها تكاد تكون كلها مرتبطة بالعلاقات الشخصية أو الولاءات او شكل من اشكال الرشوة.
&