يبدأ يونغ كتابه "جدلية الأنا واللاوعي" (ترجمة: نبيل محسن)، بشرح مقتضب لنظرية فرويد حول اللاوعي؛ أي ذاك المكوّن من ميولٍ طفليةٍ. وهذه الميول، ولكونها غير متوافقة مع العوامل الواعية للأنا، تكون مكبوتة، لذلك فهي لاشعورية. اللاوعي الفرويدي - حسبما يراه يونغ- هو مجموعة عناصر من الشخصية تستطيع أن تشكّل جزءاً من الوعي، لأنها في الحقيقة ما تنحت عن الشخصية وما قُمعت إلَّا بسبب التربية.
هذا الرأي هو من جعل يونغ يوسّع مفهوم اللاوعي، لاعتقاده بوجود مكوّنات لاشعورية لم تكن في وعينا يوماً حتى نقوم بكبتها وتحويلها إلى عناصر لاواعية. لقد ميَّز يونغ بين نموذجين على الأقل من اللاوعي: الأوَّل شخصيّ يمثّل تجربة فردية لكلّ إنسان على حدة. والثاني جماعي كمناخ إنساني مشترك وصيروريّ، تمثّل الأنماط البدئية مكوّنه الأساسي. وعن عمليات تمثّل اللاوعي عند الإنسان، وتؤدي إلى تحتيم ظواهر فريدة مفرزةً نوعين من السلوك، يشرح يونغ موقف الخاضع لجلسة التحليل بقوله: "إنَّ كلّ من يخضع للتحليل يستغلّ بالدرجة الأولى المعارف الجديدة التي اكتسبها للتوّ، ويستعملها تلقائياً لخدمة موقفه العصابي الطبيعي مع رغبته السريّة بديمومة هذا الوضع الجديد. هذه المواضبة تُسهّل بشكل أساسي الظرف الذي يجعل المريض يُفسّر ويفهم ويستوعب العناصر كافةً في البدء على مستوى الموضوع من دون أن يتم تمييز الموضوع الخارجي عن الصورة الداخلية المقابلة".
وبمعنى آخر فإنه يتمّ فهم كلّ شيء في علاقة باطنية مباشرة ومن دون تدرُّجات مع الموضوع . ونحن بعد ذلك بصدد نوعين حتميين من الأفراد: الانبساطي والانطوائي. الأوَّل، الانبساطي، وبسبب النشوة الناجمة عن ثقته بنفسه، يلقي على عاتق لاوعيه مسؤوليةً تذهب بعيداً جداً متجاوزةً إمكانياته الحقيقية. في حين أنَّ الثاني، الانطوائي، يُبدي عجزاً على مستوى الأنا في مواجهة القدرة الكليّة لحتميّة فاعلة كالقدر في اللاوعي ومن خلاله. الكتاب كما يصفه يونغ "حصيلة جهود تتابعت عشرات السنين من أجل فهم ووصف الخاصة الفريدة والمسار الأصيل (للدراما الداخلية) على الأقل بملامحها الأساسية والصيرورة التي تتملك النفس اللاواعية أثناء تحولها".
لقد حاول يونغ، كما يقول، أن يصف العلاقات الموجودة بين وعي الأنا والصيرورات اللاواعية، وهذا الطرح قاده إلى دراسة الظواهر التي "يجب أن نرى فيها تجليات لردات فعل الشخصية الواعية الخاضعة لتأثيرات منبثقة من اللاوعي".

باحث سوري في علم النفس التحليلي.