في نص بديع كتبته عشيّة وفاته في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر 1973، كتبت الفيلسوفة الألمانية هانا آراندت &تقول :" التقيت أدون &في وقت متأخر من حياتي، في سنّ لم تعد فيها مقبولة تلك الحميمية السهلة والبدْهية، إذ أنه لم يعد هناك ما يكفي من &الوقت للحياة، أو أنه لم يتبق منه ما يمكن أن يُتَقَاسَم مع الآخرين. وهكذا كنا صديقين جديين، من دون أن نكون حميميين. بالإضافة إلى كل هذا، كان له تحفّظ يُحْبطُ التلقائية. وهذه التلقائية تأتي عن طواعية إذ أنني أعتقد أنها ضرورية للشاعر الكبير الذي فرَضَ على نفسه أن يكون منذ فترة الشباب".

وتضيف هانا آراندت قائلة أنها التقت أودن في خريف عام &عام1958، إلاّ أنها لمحته قبل ذلك، وتحديدا في نهاية الأربعينات في حفل أقامه أحد الناشرين. ورغم أنها لم تتبادل معه الكلام خلال تلك المناسبة إلاّ أنها احتفظت منه بذكرى محددة، ذكرى جنتلمان جذّاب، وأنيق جدا، وانجليزي جدا، ودود ومطمئن البال. وعقب مرور عشر سنوات على ذلك، التقت به ثانية غير أنها لم تتمكن من التعرف عليه بسهولة إذ أن وجهه العريض وُسمَ &بتلك التجاعيد &الشهيرة والعميقة. فكما لو أن الحياة نفسها رسمت نوعا من المشهد لكي تجعل الهيجانات اللامرئية للقلب أكثر جلاء ووضوحا. ولم يكن من السهل عليها أن تفهم لماذا كان بائسا وعاجزا عن معالجة الظروف اللامعقولة التي كانت تجعل حياته اليومية غير محتملة. ولا تعتقد هانا آراندت أن ذلك يعود إلى عدم الحصول على الشهرة التي لم تكن تعني له شيئا إذ أنه كان من أقل الكتاب والشعراء فخرا وزهوا بنفسه من بين جميع من كانت قد تعرفت عليهم. كما أنه كان محصّنا جدا ضدّ الغرور العادي، ليس لأنه كان متواضعا، وإنما لأنه كان شديد الثقة بنفسه. وقد ذكر لها أحدهم أنه لما كان أودن على أهبة التخرج من جامعة أكسفورد، سأله أستاذه :"وأنت ماذا تنوي أن تفعل يا سيد أودن بعد أن تغادر الجامعة؟"، فكان رده : سأكون شاعرا". فعلق الأستاذ على رده قائلا :" في هذه الحالة &سيكون من المفيد &إذن أن تدرس الأدب الانجليزي ". وكان جواب أودن على هذا التعليق :"أنت لم تفهم يا جناب الأستاذ... سأكون شاعرا كبيرا".

ويقول الناقد الكبير ستيفان سبندر الذي كان صديقا حميما له إن الحب كان السّمةَ الجوهرية في أعمال أودن. وإذا ما كان ديكارت يقول: أنا أفكر فأنا موجود، فإن أودن كان بإمكانه أن &يقول: "أنا محبوب فأنا موجود". وترى هانا آراندت أن ستيفان سبندر كان محقا في رأيه الآنف الذكر، مضيفة أن أودن كان مختصا في تلك الوجوه اللامتناهية &للحب الذي لم يُقْتَسم. وما كان يجعله شاعرا بالمعنى الحقيقي للكلمة هو حبه الخارق للكلمات، وقدرته الفائقة على استعمال كل واحدة منها &في المكان المناسب لها...