&صدر للشاعر خلف علي الخلف كتاباً شعرياً جديداً، عند دار جدار للثقافة والنشر التي يقع مقرها في مدينة مالمو السويدية. الكتاب صدر بمئة وعشرين صفحة من القطع المتوسط دون الفهرس، وجاء في مقدمته أن النصوص كُتبت من شتاء عام 2010 وحتى صيف 2017 وفي مدن مختلفة: الإسكندرية، القاهرة، أنطاليا، أثينا، باريس، يورن، أمستردام، برشلونة، زاراغوسا، ستوكهولم، موتالا، مالمو.
الكتاب مقسم إلى عدة فصول كل فصل يناول حاسة من الحواس الخمس، إضافة لفصول أخرى إضافية تتناول علاقة الحواس بأشياء أخرى كالحب والصبر. ويبدأ كل فصل بمقطع من سفر نشيد الإنشاد في العهد القديم، إذ يبدأ الفصل الأول بهذا المقطع "قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ. أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ. من سفر نشيد الإنشاد (7: 7-10).
جاء الكتاب بمقدمة عن الحواس تحت عنون "فاتحة لكتاب الحواس"، مهداة إلى الكاتب والمترجم السوري الراحل صخر حاج حسين. يبدأ الكتاب بعد ذلك بالفصول التي تغطي الحواس الخمس: "أرى الحياةَ عاريةً في المنام"، "أسمعُ الريح تهذي خلف أبواب مغلقة"، "أشمُّ رائحة الغائبين فأصحو"، "ألمسُ جسدي مستدركاً آثار الليل"، "أتذوقُ الأمس مستذكراً ندمي بحيادٍ شفاف". ثم تعقبها فصولا أخرى متعلقة بالحواس كـ "عن الحب أو ملتقى الحواس" وفصلا آخر بعنوان "تدريباتٌ مملة لتعتاد الحواس على الصبر". احتوى كتاب الحواس أيضاً قصائد ساخرة جاءت تحت عنوان " في العتمة تضحك الحواس وحيدةً"، بينما الفصل الذي يقترب من سوريا الآن، جاء تحت عنوان "حداد صامت لخراب الحواس". الكتاب ينتهي بفصل خاص عن مدينة الإسكندرية والشوق لها حيث أقام الشاعر لفترة طويلة فها وجاء بعنوان "الإسكندرية.. حاسة الشوق التي لا تنام"، وهو أخر فصل في الكتاب.
وتدور نصوص الكتاب حول الثيمة الأساسية للكتاب وهي الحواس وعلاقة الشاعر بها وتأملاته بمحيطه الوجودي من خلال هذه الحواس.
وكان الشاعر قد أصدر قبل ذلك، نون الرعاة - شعر- 2004، التنزيل - شعر- 2007، كحل الرغبة - شعر- 2008، نواح الغريب: حكاية لم ينقرها الطير - نص- 2008، قصائد بفردة حذاء واحدة -شعر- 2009، يوميات الحرب القائمة -شعر- 2015 الذي صدرت ترجماته إلى الإنكليزية والألمانية وترجمت منه قصائد إلى لغات أخرى.
ومن نصوص المجموعة تنشر إيلاف هذه النصوص:

شمعة تنظر للحياة بعين واحدة
إلى رين
فكر وأنت تنظر للمرآة. سترى انعكاس تلك الأفكار على ملامحك؛ عينيك أيضاً. فكر ببطءٍ؛ الأفكار السريعة تنمو سريعاً وتموتُ سريعاً. فكر كأنك الشخص الذي داخل المرآة وينظر للحياة من خارجها. تأمل هذا الشخص الذي ينظر إليك من داخل الحياة. لا تحاول أن تقلده، أو تعبس في وجهه. تصرف بشكلٍ طبيعي، كشخصٍ ينظر للحياة من خارجها، واعط هذا المتسول الذي ينظر إليك بعض الرأفة وقليلاً من التفهم..
الأشخاص الذين داخل الحياة يستحقون العطف.
7/12/2016

حياتي التي نسيت أن تنام
في داخلي حياة هرمة؛
تدخن تبغاً رديئاً، وتسعلُ بشكلٍ مستمر!
عبر مسيرها الطويل نحو نهايتها، تعلمت الحكمة من تأمل المارة، والإصغاء لأصواتهم الداخلية، وتفحص الطريق الذي تسلكه نظراتهم. أصبحتْ تخمنُ بماذا يفكر الرجل الذي يمشي ببطءٍ وحيرة كأنه أضاع الطريق، أو فقد حاسة المستقبل كليّاً!
تعرف بدقة لماذا تلتفتُ المرأة التي تزاحم نفسها في الطريق، وتذرف دمعاً صامتاً لا يستطيع إعادة الحكاية التي تهشمت قبل قليل.
في داخلي حياة صامتة طوال الوقت! تقضي نهاراتها في تقليب مصائر البشر كأنها تقرأ كتاباً بلغة قديمة، وفي الليل تحضن أيامها الميتة وتعلمها أن تتصرف كأنها على قيد الحياة!
في داخلي حياة هرمة وصامتة، تتشاجرُ بالإيماء مع نفسها، وتطعن بعضها بسكاكين المطبخ، وعندما تنهي حربها الأهلية، تجفف الدماء وتنظف المكان، وتجلس في ركنٍ قصي في داخلي تنتظر مصيرها ببطءٍ، وهي تدخن التبغ الرديء..
11/12/2015

فكر بمصير هولندا
اترك الصباح جانباً. اترك الليل يبكي أخيه الذي استشهد على هامش مجزرة «شارل إيبدو». اترك خلفك خطى متعثرة تفتش عن طريقة قانونية لتجديد جواز سفرها. اترك الأشياء التي تعنيك إلى حدٍ ما [مرحلياً ولفترة وجيزة] وفكر بمصير هولندا لساعاتٍ طويلة!
تذكر الأقواس المائية في أمستردام، التي يتسربُ البشر من شقوقها إلى مصائرهم الواطئة. فكر بجدية بالقطارات التي بلا مآخذ كهربائية لشحن الهواتف المحمولة [كما في السويد]، وابتسم بشكلٍ محدود عندما تمر بجانب النساء الضخمات بلا مبررٍ أو أسبابٍ مقنعة، ودون جمالٍ تهتز له أغصان الأشجار. فكر [بشكلٍ مشوش] بالنساء اللواتي داخل ’الفترينة‘ في شارع Red light street ولديك يقين أنّهنّ يفكرنّ بمنتهى الخفة بالحياة. تخيل نساء تعرفهن في أماكنهن، يدعين الجدية والحزم [دون عاصفة من الرغبة].
فكر باللون البرتقالي [بشكلٍ حاد كشفرة حلاقة قديمة]، أو بالملك الذي تنازلت له أمه بياتريكس عن العرش بسهولةٍ كأنها تلف له سندويشة زعتر قبل الذهاب إلى المدرسة.
اترك كل ما يعكر صباحك جانباً، بل اترك الصباح نفسه جانباً [كما مر معنا]، وبشكلٍ هادئ ومتوازن، وحينما لا يكون لديك شيء أكثر أهمية؛
فكر بمصير هولندا!
7/5/2015