يعتبر هانس ماغنوس انسنسبرغر المولود في مقاطعة بافاريا بجنوب ألمانيا عام 1929 واحدا من أهم الكتاب في النصف الثاني من القرن العشرين. وهو من ألمع رموز جماعة47" الذين نهضوا بالأدب الألماني بعد الحرب الكونية الثانية.

وهانس ماغنوس انسنسبرغر متنوع الإنتاج. فهو يكتب المقالة الفكرية والنقدية، وأيضا الشعر والرواية. وقد سافر كثيرا عبر العالم، متنقلا بين بلدان عدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمكسيك، والبرازيل، وكوبا، والسويد، والنرويج، وفنلندا، والهند، ومصر...ومن جميع رحلاته استوحى أشعارا، ودراسات اجتماعية وسياسية، وقصصا. وفي الأدب الألماني له مكانة هاينريش هاينه، وبرتولد برخت إذ أنه يميل في كتاباته إلى التحريض على مقاومة سلبيات المجتمع، وأنظمة الحكم، واستعمال النقد الساخر لتعرية عيوب وسائل الاعلام، وفضحها. وفي الخمسينات من القرن الماضي، شنّ هجومات عنيفة ضدّ التأثير السلبي للصناعة والتكنولوجيا على الثقافة والفكر والابداع والفنون. كما انتقد الصحف والمجلات واسعة الانتشار مثل"دير شبيغل"، و"شتارن"، متهما إياها بافساد أذواق الناس، وتشويه اللغة...

وخلال الستينات، أصدر مجلة "كورس بوخ" التي اعتبرت في تلك الفترة الأكثر تأثيرا على الشبيبة اليسارية في ما كان يسمى بألمانيا الاتحادية، خصوصا عند اندلاع الثورة الطلابية في ربيع عام1968.

وقد أصدر هانس ماغنوس انسنسبرغر العديد من الدراسات حول الشعر والشعراء.، وأيضا حول فلسفة كلّ من هيغل وماركس وكانط وشوبنهاور. وقد حصلت أعماله الشعرية والنثرية على العديد من الجوائز المرموقة نذكر من بينها ، جائزة النقاد الألمان، وجائزة بوخنر، وجائزة الأكاديمية الألمانية، وجائزة بازوليني الايطالية... هنا ترجمة لثلاثة من قصائده:

-1: دفاعا عن الذئاب ضد الخرفان

هل على الطائر الكاسر أن يتغذّى من "أذن الفأر"؟

ما الذي تنتظرون من الضبع؟

أن يَنْسلخ من جلده؟ ومن الذئب؟ أن يقتلع أنيابه؟

ما الذي لا يروق لكم؟

لدى البابوات ولدى مدبّري الدسائس السياسية؟

من الذي يُخيط شرائط الدم

على بنطلونات الجنرالات؟

من الذي من مرأب يقطع الديكة المخصيّة

من الذي فخورا يُعلّقُ على سترته المتذمّرة

صليبا من الحديد الأبيض؟

من الذي يقبض البخشيش والرشوة

بفلْس الكتمان؟

كثيرون هم الذين سرقوا، وقليلون هم اللصوص

من الذي يصفّقُ لهم، من

يعلق الشارات، من

هو شره للكذب؟

انظروا في المرآة: جبناء تهابون الحقيقة القاسية

وتستنكفون معرفتها

وإلى الذئاب تُفوّضون التفكير

حلْقَة في الأنف هي حليتكم المفضلة

أبدا لن تُخْدَعُوا بكثير من السذاجة

ولا أن تطمئنوا بسهولة

أبدا لن تُبْتَرُوا بما فيه الكفاية.

-2: اقتفاء آثار المستقبل

ما الذي يدفعني غَصْبا عني إلى ما وراء الجسور،

مثل بزّاق، مثل كلب معصوب العينين، خارج نفسي

مقتفيا آثار المستقبل، نابشا المصير،

نابشا رمادنا نفسه، نابشا ذاك الذي في أعماق الزمن

لم يُبْعَثْ بعدُ إلى الحياة

وبعد لم يُنْجز دونما شفقة؟

غير أن مصابيح الشارع تصرخ باسمه الآن، وهو في الهواء البنفسجي

ينتفخ ويتورّم، وعند الغروب نتنفّسُه.

وأنا أرفض قبول ما نقترفه ببطء ببطء ببطء،

والذي مثل السحاب يتكوّمُ ويتضخّم من دون انقطاع.

لا

لا. فليطرد هذا من المنازل المسودة بالدخان، ومن السماء،

ولندركْ ولنحوّلْ اتجاه ما هو متعذّر إصلاحه بعد.

أنا، البزّاق، أروّعُ الرعد،

أنا معصوب العينين، كلب هزيل.


-3: بيت منعزل

حين أستيقظ

لا أسمع سوى الصمت الذي يعمّ البيت

وأصواتَ طيور وحيدة

ومن النافذة لا أرى أحدا.

لا طريق يمرّ من هنا

وفي السماء ليس هناك خيط

ولا خيط تحت الأرض

كلّ ما يحيا

يستريح تحت الفأس.

أسخّنُ الماء

أجهز قطعا من الخبز

ومضطرب النفس

أدير الزرّ الأحمر للترانزيستور الصغير.

لا أتناول الفأس

ولا أهشم الباب

صوت الرعب يطمئنني ويهدأ أعصابي.

إنه يقول لي: نحن مازلنا على قيد الحياة

صمت في البيت

ماذا نفعل لكي ننصب شرائك

وكي نقطع فأس الصوان

حين يُتْلف الصدأ آخر شفرة.