لا شيء في الطبيعة قادر على إسكات بوحك العاطفي .. كالبحر .
في حضرة البحر ، يتوقف وجدانك عن البوح لينطلق العقل العاشق للإبحار نحو الغوص العميق .
كلاهما: البحر وعقلك يبحران في بعضهما البعض ، فتتجرد فجأة من نفسك ولا تدري أتكون البحر .. أم نفسك .
هنا يكمن السر الذي يجعل سكان البحر أكثر بساطة من غيرهم ، لأنهم منذ الطفولة يتعلمون من البحر التأمل العميق ، فتقل في وجدانهم العاطفة ويكون ساكنو البحر أكثر تأملاً من سكان الصحراء والجبال .
هناك من سكان البحر أو حتى زائريه من يخاف التأمل العميق فيظل عائماً فوق سطحه .. لا يرى اللآليء في جوفه.
وهناك الأعمق تأملاً.. يعشقون الغوص في أعماق البحر فتبدو لهم الحياة عكس مايراه العائمون فوق السطح والقاطنون فوق اليابسة.
هكذا يكون الناس في حياتهم :
المتأملون بعمق .. يرون الحقائق أكثر وضوحاً وبروزا .. والقابعون فوق السطح ، تتحكم فيهم عواطفهم فيكونون كالقطيع حين تسير خلف الناعق .
التأمل العميق وسيلة للتخيل الأعمق ، وبسبب التأمل والتخيل كان الفلاسفة والمفكرون .. نادري الوجود ، لكنهم صناع الحضارات وملهموها على مر التاريخ ، أما المدفونون في السطح فلم يكونوا سوى وقوداً للناعقين وضحاياهم .. تهبهم رياح البحار لكل الجهات .. يغرق أغلبهم .. وينجو الأستثناء بفعل الصدفة ليكون عبرة للقادمين نحو البحر أو اليابسة.

كونوا: كالبحر .. وتأملوا في أعماقه لتتعرفوا على أنفسكم التي لم تعرفوها من قبل .
بل كونوا بحاراً لبعضكم البعض .. كي تتذوقوا جمال الغوص المتبادل فيكم !
دبي / يناير ٢٠٢٠ .