مسقط ــ نورة البدوي

يعد ابن مدينة حمص الأديب السوري نور الدين الهاشمي من كتاب القصة القصيرة و الدراما و المسلسلات، تحصل أديبنا على بكالوريوس في اللغة العربية من جامعة دمشق سنة 1971، و مارس التعليم لمدة ثلاثين عاما ثم استقال في بداية التسعينات ليتفرغ للكتابة الذي أنتج منها أسلوبه الخاص في التعبير عن الواقع الإنساني بمختلف تشكيلاته.
كتب مجموعات قصصية متنوعة ثم اتجه إلى المسرح فكتب عدداً من مسرحيات الموجهة للكبار و الصغار وقدمت له عدد من المسرحيات بسوريا وخارجها لأكثر من عشرين عملاً مسرحياً، ثم بدأ كتابة مسلسلات الموجهة للكبار والأطفال حيث قدم عددا من الأعمال في معظم المحطات التلفزيونية بالوطن العربي.
تحصل الهاشمي على عدة جوائز في مسيرته أبرزها جائزة الإبداع الذهبية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون الثالث عشر عام 2007 و جائزة الدولة لمسرح الطفل بدولة قطر في دورتها الخامسة عام 2014، أهم أعماله التلفزيونية مسلسل مرايا مع الفنان ياسر العظمه.
بهذا المزيج الفني الذي يتمتع به كاتبنا السوري نورد الدين الهاشمي كان لـ" إيلاف" هذا اللقاء معه:

-لماذا قررت التخلي عن التعليم و التفرغ للكتابة " كتابة القصة القصيرة"؟
رأيت في نفسي أنني أستطيع أن أنقل شيئا للناس، أن أبدع شيئا لهم، أن أنقل لهم الجمال طبعا، اكتشفت أن لدي أشياء كثيرة تريدين قولها لهم، فوجدت أن الأدب و الإبداع قادرين على نقل هذا الشيء بشكل جمالي، و رأيت في نفسي القدرة على كتابة القصة القصيرة في البداية و من هنا انطلقت.
بالنسبة إلى القصة القصيرة فان تجربة الكاتب الذاتية تكون نبع أساسي بالنسبة إليه، إضافة إلى تجارب الآخرين ما يسمعه منهم و ما يراه، فأحيانا قد تلمح في راسك فكرة و أنت تقرئين رواية أو جملة في رواية، فتكون هذه الرواية بذرة لقصة قصيرة و تبقى الحياة بتنوعها و بجمالها بغناها قادرة لدى الكاتب المبدع أن يلتقط فيها الشيء الجوهري و الجميل في هذه الحياة.
و القصة القصيرة فيها التكثيف و الإيجاز و التركيز، و أهم شيء أن تكون البداية جميلة تشد القارئ و أن تكون النهاية مفاجئة بالنسبة إليه، يعني تفجر لديه شيء تومض في ذهنه شيء تشرح له شيء تكشف له حقائق لم تكن تخطر على باله.

- هل تأثرت بكتاب معينين في بداياتك؟
حتما، الكاتب في البدايات يكون متأثرا بعدد من الكتاب، أنا تأثرت بتشيكوف روسيا، اميل زولا الفرنسي، أرنست همنغواي فيكتور هيغو و نجيب محفوظ و محمود تيمور زكريا تامر،.. يعني هؤلاء يكونون لك الخيوط الأولى و مع الكتابة شيئا فشيئا تجدين صوتك الحقيقي و تركزين على هذا الصوت حتى ينضج و يكون هو أسلوبك الخاص بالكتابة.
فأسلوبي في الكتابة وظفته للكوميديا الساخرة المؤلمة و المفجعة، الكوميديا التي تلتقط تناقضات الحياة و تقدمها بشكل يثير الابتسامة على الوجه و لكن يثير السؤال و الجرح في القلب.

- كتبت القصص الموجهة للأطفال و الكبار ما الفرق بينهما؟
قصة الطفل يجب أن تحمل مقومات أساسية المتعة أولا و أن تشد الطفل إليها بشخصياتها الطريفة أن تحمل في مضامينها معلومات ما "قيمة فكرية قيمة علمية قيمة إنسانية" إضافة إلى اللغة الواضحة المبسطة، كما يجب أن تحمل التفاؤل و أن تغرس في الطفل شيء جميل و مبدع .
أحيانا القصة في الحياة يمكن أن تنتهي بهزيمة و مأساة لكن بالنسبة إلى الطفل يجب أن ننهيها بانتصار الخير على الشر و هذا ما يجب أن يكون في الحياة.
فيما يخص القصص الموجهة للكبار يجب التركيز فيها على الإنسان خاصة لهذه الطبقة الوسطى التي تقف على حد الخنجر بين الفقر و الغنى و بين التفاؤل و التشاؤم و بين السعادة و الشقاء، فمأساة الإنسان في هذا العصر الغربة الروحية، و محاولة الصمود في هذا الزمن الصعب.
في القصة القصيرة نكشف عن جوهر الإنسان بخيره و شره، فالإنسان بشكل عام سليم الفطرة حسن النية لكن أشواك الحياة و معاناتها قد تجبره على أشياء كثيرة.
في القصة القصيرة يجب أن نكشف عن هذه الأشياء و نتساءل : ماذا غلف هذه الروح من أخطاء و عفن حتى انحرفت؟
- كيف يختار نور الدين الهاشمي عناوينه القصصية؟
كتبت ما لا يقل عن ست مجموعات قصصية و شخصيات متنوعة منها نداء في المدينة و انتحار معلن و الدوران في قاع و ضحك كالبكاء... بالنسبة إلى العناوين اختارها غالبا بعد الكتابة أي أنجز المجموعة القصصية إما أن اختار لها عنوانا من إحدى القصص أو اختار لها عنوانا عاما يوحي بما يوجد في القصص، فمثلا عنوان ضحك كالبكاء فأنت يبدو انك أمام قصص تبدو ضاحكة في الظاهر و لكن تبكي الروح و تبكي العين و تبكي القلب.
أي أننا إزاء عنونة لكوميديا ساخرة و الكوميديا سلاح خطير و فعال و أخطر ما يخشاه المستبدون هي الكوميديا، لان الكوميديا تعريهم و تذيل الهيبة..

- تحدثت عن الكوميديا الساخرة لو تذكر لنا توظيفها و تجربتك في سلسلة مرايا مع ياسر العظمه؟
سلسلة مرايا امتدت من سنة 200 الى غاية سنة 2013، شارك في كتابتها عديد من الكتاب، أنا كتب بكل هذه المراحل أكثر من مائتي لوحة معظمها سياسي و اجتماعي و أنساني، و كما قلت لك تبقى الكوميديا الموظفة التي تعتمد على الموقف بدرجة أولى هي أساس كتابتي في هذه السلسلة.
مثلا في سلسلة مرايا عنونت لوحة بالفزاعة حيث أنني في كتابة هذه اللوحة أخرجت من السجن اثنين شرطي تعذيب و السجين و كلاهما مشوهان.
السجين أفرج عنه بعد سنوات و السجان قد تقاعد و هو كاد يجن فقد شوهته مهنته، كان السجين يجد صوبة في التواصل مع الآخرين و يملأه الخوف و انعدام الأمان، أما السجان فنقل السجن إلى بيته من خلال معاملته لزوجته و أولاده حتى كرهته الزوجة و هربت إلى المزرعة فلحق بها فهرب منه حراس المزرعة و لم يبقى فيها سوى الحيوانات فكان يريد إسكاتهم، و لكنه لم يقدر على الطيور التي كانت تأكل من تفاحه و فاكهته فجعل من نفسه فزاعة كي يطردها .
من خلال هذا المثال أردت القول انه عندما نكتب يجب أن نكتب بقوة و عمق كي تبقى الكتابة خالدة.
بالنسبة إلى تجربتي في سلسلة مرايا لا أنكر أنها كانت جميلة و صعبة في آن واحد، صعوبتها تكمن في أن الممثل ياسر العظمه قدّم ألف لوحة في هذه السلسلة و من هنا يكون السؤال ماذا سأقدم بعد هذه الكتابة؟ ماذا سأقول الآن؟ أكاد أقول أني قلت كل شيء و يجب أن لا أكرر ما قلته.
ماذا سأقول في هذا الزمن الصعب خاصة أن المسألة تتجاوز مسألة الكتابة لتتمحور حول هل يظهر للنور هذا الذي ستكتب؟ هذا الذي في عقلي، لدي أشياء كثيرة مخبأة في الدرج من مسرحيات و كتابات و أفكار و لكن لها زمنها و وقتها.

- كيف تقيم ما يكتب اليوم في الرواية العربية و ما يقدم مسرحا و مسلسلات؟
ارى، في الوقت الحاضر أن الرواية العربية قد بدأت تأخذ مكانة مهمة، فالكاتب العربي أصبح عالمياً خاصة أولئك الكتّاب الذين هاجروا حيث أصحبوا يحملون ثقافات مختلفة وظفوها في الرواية بإبداع و عمق.
أما بالنسبة إلى المسرح العربي فيتنفس في جو من الحرية بدرجة أولى، و لكن يعاني من مشكلة أن المخرج يحاول أن يقتل النص، طبعا يمكن لقتل النص أن يؤدي إلى إخراج شكل جميل و فني مبهر و لكنه يموت بعد انتهاء العروض و يبقى السؤال أين النص؟
و تجدر الإشارة إلى أن جلّ المخرجين المسرحيين أصبح تركيزهم بدرجة أولى على المشاركة بالمهرجانات و جني الجوائز التي أصبحت توزع على الجميع كحلوى من العرس.
فيما يتعلق بالمسلسلات فلقد أصبح يسيطر على الإنتاج الفني الطابع التجاري لذلك أصبحنا من النادر مشاهدة مسلسلا يخاطب لك عقلك و روحك و فكرك و فنك و لعل أصحاب المال يناسبهم هذا الشيء.

- ما هي انشغالاتك و أنت اليوم مستقر بسلطنة عمان؟
أنا الآن منشغل بكتابة مسلسلات إذاعية حيث كتبت أكثر من ست أعمال مختلفة، كما حولت روايات عمانية إلى مسلسلات إذاعية، كما كتبت مسلسلات تلفزيونية.
و الآن أقوم بتحضير لمسلسل عن رواية للكاتب يونس الأخزمي اسمها السفينة أو بر الحكمان، و أبحث أيضا عن روايات عمانية أو عالمية لتحويلها إلى مسلسلات إذاعية.