في أزمة الكورونا الكونية صار لدى الفرد فائض من الوقت ومقدرة على الرجوع إلى مشاريع ورغبات مؤجلة منذ زمن بعيد. حان الوقت أن تكتشف مواهب أخرى وتطلق طاقاتك الكامنة في البحث عن جماليات أنت وحدك تعرف أنها في داخلك. واذا راقت لك الفكرة وأردت أن تقتل بطلة القصة بدلا من تعنيف المرأة، أو انك ترغب أن تخلص العالم من وباء الكورونا الذي يتربص لنا جميعا، فستجد الكثير من الكتب التي تلقنك بعض الأسرار وتضعك على الدرب. لربما بعدها تفوز بجائزة أو على الأقل تكون قد قتلت الوقت بطريقة ممتعة وسلمية.
لاشك أن هناك استعداد روحي وفطري لدى كل شخص للنجاح في "صنعة" دون أخرى. فهذا ينجح في التأليف الموسيقي والعزف، وذاك في الرسم، وآخر في الكتابة واخر في نقد ونبذ كل ماسبق. ولانستغرب إن وجدنا أن الموسيقي يحتاج إلى دروس في تعلم "النوتة" ويحتاج إلى دروس للعزف على البيانو أو العود، وكذلك الفنان يحتاج إلى دراسة الفن والنحت والتعرف على المدارس المختلفة وتقنياتها. فهل نستثني الكتابة من أن تكون مادة للتدريس في الجامعات؟
وهناك بالطبع إبداع عربي وعالمي "سماعي وفطري" ومكتمل الأركان من غير أن يتأتى لصاحبه أن يدخل مدرسة سوى مدرسة الحياة بكل مراحلها وتجاربها.

دورات تعليمية وعملية للكتابة الابداعية
في ورشات الكتابة الإبداعية، غالباً ما يسأل الأستاذ طلابه عن أسماء الكتب والمجلات والكتاب الذي يتابعهم ليأخذ فكرة عامة عن اهتمامات الطلبة، توجهاتهم وتجربتهم في خانة القراءة والكتابة. وقد لايكون لبعض الطلبة تجربة في الكتابة، ولكن من البديهي أن يكون الطالب قارئاَ مجتهداً. أوهذا ماكان يفترضه الأستاذ حين وجه السؤال لطلابه في إحدى حلقات النقاش. ولم يخف دهشته حين أجاب أحد الطلبة بأنه لايقرأ مجلة معينة. يسأله عن الكتب الروائية أو القصصية أو الشعرية التي يقرأها، فيكون الجواب أيضاً بأنه لم يقرأ وليس لديه قائمة مفضلة. يبتسم الأستاذ في هذه الحالة ويتوقع أن الطالب لن يعود ثانية، ولكن الطالب يواظب على أخذ الدروس.
فإن كان يراودك الحلم بأن تصير كابتاً وكنت تعيش في امريكا ماعليك إلا الانخراط في ورشات الكتابة الإبداعية أو المحاولة الفردية بالثقيف الذاي والعودة الى المصادر المتوفرة في شبكات الانترنيت.
ولكن فهل يمكننا القول في النهاية بأن الكتابة "صنعة" يمكن تلقينها؟
تختلف الإجابات من قبل الأساتذة وتختلف أيضا توقعات الطلاب كما نلاحظ عبر تصفحنا لهذا الكتابك كمحصلة خبرة مداها 15 عاما. الكتاب بعنوان The Portable MFA in Creative Writing في 280 صفحة من القطع الكبير. هناك نتعرف على دقائق مختلفة الأهمية، من حيث توجهها إلى المبتدئين، أو المخضرمين في حقل الكتابة. إنه كتاب أكاديمي تعليمي يقدم الخطوات الأساسية والتوصيات حين الإقدام على الكتابة في الحقول التالية: القصة والرواية، المقالة، والسيرة الذاتية، الكتابة للمجلات، الشعر، الكتابة المسرحية، والحوارات.
هناك بعض النقاط أو النصائح ترد في مقدمة الكتاب ويجدر بالطالب أو مقتني الكتاب أن يقف عندها وهي:
1- اكتب ما تعرف، لا تكتب مالا تعرفه.
2- الأسلوب البراق والبهرجة اللغوية بدون قصة، تكون كحال من يتأنق في لباسه ولا يجد مكاناً يذهب إليه.
3- الكتابة لا يمكن تلقينها.
4- احذف كل "الظروف" وفي مواقع أخرى ينصح بحذف الصفات أيضا.
5- لاتستخدم أبداً كلمة "دائماً"
6- لا تكتب سيناريو للتلفزيون، هذا يخرب مقدرتك على كتابة السرد.
7- هناك أشكال شتى من القصص.
*
بالتوقف عند هذه الملاحظات الأساسية، وبينما كنت أقرأ قصائد للشاعرة المعروفة إيميلي ديكنسون، لفت انتباهي أنها استخدمت مفردة "دائما" مرات عديدة في قصائدها. أما البند الثاني من القائمة، فكثيراً ما يصدفنا في الكتابات العربية التي تعتمد على التنميق اللفظي والبهرجة، من غير أن تصل إلى مرفأ. وهذا يذكرنا أيضا بنسق من الكتابة ساد في الغرب وانتقل إلى الشرق هو "الكتابة اللغوية"- الافراط في اللغو.
أما في باب كتابة المقال، فيعرض خطوات عملية مهمة تسهل الطريق للمبتدئين، منذ كتابة المسودة الأولى وإلى تفصيلات التنقيح والتسويق.
يرد في هذا السياق، أن استهلال المقال بسؤال لهو دليل على تقاعس الكاتب، وهو أسلوب غير ناجح في أغلب حالاته. حين كنت أطالع في نفس اليوم مقالات الثقافة في بعض الصحف العربية، وجدت أكثر من ثلاث مقالات، تبدأ بسؤال.
ومن التوصيات في خانة كتابة المذكرات، فيذكر بأن الحذر الأكبر في مثل هذه الحالات، هو خوف الكاتب من إيذاء مشاعر أحد أفراد الأسرة، الزوج/ة، أو الأصدقاء. لكنه يقترح بأن الكتابة الناجحة هي الصادقة والتي تذهب للحفر في الطبقات المعتمة من روح الفرد ومجتمعه. ويعطي أمثلة عن كتّاب قارعوا خوفهم وكتبوا عن أسرهم، ونجحوا في النهاية في كسب الثقة وإعادة العلاقة إلى مجراها الطبيعي. وهنا نجد أن خيار وحرية الكتابة والتطرق للشخصي محفوف بقيود داخلية ومجتمعية في الغرب كما في الشرق مع تفاوت واضح.

شغف القراءة يدلك على الكتابة
القراءة كما نعلم وكما يشير هذا الكتاب، جزء هام وأساسي في حياة الكاتب وتطور أدواته ولغته وأسلوبه. في كل فصل من فصول الكتاب نجد لائحة بأهم الكتب التي ينصح بقرائتها لتحسين مهارات الكاتب. ويقدم في فصوله الأخيرة كل الوسائل الممكنة لتسويق المادة والوصول إلى الناشر المناسب.
يقولون أن "الشيطان في التفاصيل" ولكنني وجدت أن ثمة تركيز كبير على أهمية التفاصيل في جميع الحقول الأدبية وغيرها. ويرد ذلك في أمثلة يذكرها الكتاب من شعر "إزرا باوند" . هذا ونجد في جميع الفقرات شواهد كتابية ومقولات لكبار الكتاب تدعم الفكرة النظرية المقترحة.
قد يكون تدريس "الكتابة الإبداعية" غير مطروق في الجامعات العربية، لكنها مسألة يجدر النظر فيها. فهناك مواهب لدى البعض ودراسة هذا الكتاب او "الكورس" قد تختصر على الكاتب مراحل طويلة من التجربة.
شخصيا حضرت مؤخراً إحدى "الكورسات" في جامعة رايرسون في تورنتو، ولم تكن تجربة سيئة، بل تعلمت وأجبرت نفسي على الكتابة بالانكليزية في حينه. صدف أن كانت معنا امرأة في السبعينات وتعشق القراءة والكتابة. حين كتبت إحدى القصص نصحتها المعلمة أن ترسلها إلى صحيفة للنشر، بعد أن أعطتها بعض الملاحظات لإغناء النص. وفعلاً نشرت المقالة في صحيفة مهمة وقبضت الكاتبة/الجدّة ثمن مقالتها الأولى.
قد يختلف أضحاب الشأن معي في أن الكتابة إلهام ووحي، ولكنني أعرف شخصيا أن الموهبة مضاف إليها البحث والسعي والاجتهاد والدراسة والانفتاح على الثقافات الاخرى، سيرفع من قيمة النص المكتوب. الرواية والقصة والشعر، عمل دؤوب ومثابرة على الحفر في التاريخ وبواطن النفس البشرية المعقدة.

لديك ما يكفي من الوقت لتجرب بناء قصة في هذا العصر، وإذا شعرت بالغضب لعدم مقدرتك على تحريك الشخوص كما تريد، أو الخروج معهم في نزهة برية اقتلهم جميعا –على الورق- واترك اهل بيتك بخير وروحك في فضاء التخيل والتحليق.

جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا
Facebook: Jackleen Sama Hanna