وطني ، إنّا أحببناك بعمقٍ أكثــرْ
وزرعْـنا في مسلك دربِك عشبا أخضرْ
أطعمناك الشهدَ مزيجا من بلّورات السكّر
ضَوَّعنا في أجوائك مسكاً
يحرسهُ السّلْمُ وينعشهُ العنبر
ورَكزْنا في أرضك نخلا أوفر
ومَددْنا القلب إليك بساطا
عَـبّأنا نفسَك إيمانا
فلماذا في الآخر تكفر ؟؟
أوقفنا العاصفة الهوجاءَ
وروّضنا الموج لكي تبحر
شيّدتُ قصورا
ورصفتُ بِلاطَك من أغلى المرمر
ومن السجاد العجميِّ الأنعم والأفخـر
جئت إليك بكل نفيسٍ من تبرٍ أصفر
من أصفى لبن العصفور الأندرْ
كي تنمو وأخالك في عقلي تكبر
فلماذا تقلعني من جذري
ترميني في الريح الصرصر ؟؟
من قال بأني نِـلْتُ الكوثر !! ؟
فانا في حوزة صندوقي كلّ رخيصٍ أقتر
في كلّ مواسمِ ذبحٍ رأسي يُـنحـر
في كل معارك مولانا تاج الرأسْ ..
جسَـدي يُـشطرْ
خِيطتْ شفتاي بخيطٍ مسمومٍ من إبرة عسكر
بُحّ صراخي من قول الصدق ولم أقْـدر
شلّت أقدامي ، عضَلاتي ، كَـفِّي
أصبحتُ كيانا منبوذاً أزعرْ
صرتُ من المورفين ، من الخشخاش مخدّر
في قلبي خوفٌ من قُـوّاد الدين وسمسارٍ أعور
من شيخٍ معتوهٍ رعديـدٍ صعدَ المنبر
حين تنادَى ؛ يدعو للسيف وللهيجاء وكـبّــرْ
في الحرب أعيش بما لا يعقل إذ أبصر
أطرافاً كالغصن اليانع تبتر
أجسادا من وقع رصاصاتٍ ثاقبةٍ تنخر
وبطوناً من هول نزيفٍ تـقبـر
ألسنةٌ سافلةٌ من قيح عقورٍ بل أقذر
هذا وطني للأنذال تجيّــرْ
للأسوأ والأنكى والأدنى ؛ للسوءات تغيّر
ويلي ؛ كيف يروق العيش بهذا الزمن الأغبر ؟ !
أهلي صاروا لي أعداءَ ولم أُنصرْ
أذيالٌ ، أذنابٌ للأنجاس من الأغرابِ
من الثعلب أمكر
يحكون بسيرة سيّـدنا الفاروقِ
يُشيدون بعِــفّـة حيدر
يتغنون ولو كذباً في سيفِ علِيٍّ في خيبر
قولٌ لا فعلٌ ، هذيانٌ يتكرّر
أجشعهم في مال الجوعى والتعبى استأثر
أغباهم في الحكم تجبّـرْ
لا مانع ان تطمعْ
لِـنُــزيدك سوءاتٍ أكثر
عقل هــشٌّ ممجوجٌ لا يفرق بين القشرة والجوهر
وضميرٌ مهزوزٌ نامَ ، وان قامَ الى الحانة يسكر
لم نشهدْ منهم صنديداً شيّدَ أو عَـمَّـرْ
ثرثارون وأوغادٌ جاؤوا ليُخيفوا الناس بيوم المحشر
زعموا ان الملأ المتعب لو ثار يكون أثيما مهما استغفـر
فليبقَ العقل جهولا ؛ ممنوعٌ أن يتنوّر
وليبقَ القيد شديدا وحرامٌ ان يتحرّر
والعزم كسولٌ رخو العضلات يحبذ أن يفتر
وذراع الثورة ممدودٌ
لابدّ وانْ يبتـر
زعموا ميْـناً :
هذا الشعب مضلٌ مخبولٌ ؛ في سكرتهِ يهجر
هذا الشعب خُمولٌ ومحالٌ أن يتفجّـر
قالوا : نحّوهُ بعيدا لو مات كقبرِ أبي ذرّْ
هذا الشعب صغيرٌ في الكفّ كصغر الخنصر
فلماذا نعطيه الكوثر وهو الأهون والأصغر
نحن الظلمةُ والدهماء حجابُ الصبح ولو أسفر
نمْ يا وطني ، لا تأملْ أن يأتيك مهنّد عنتر
كي تصحو ، كي تتغيّـر
نمْ ، فوسادك ريشُ نعامٍ أوثر
جئتك بالصبر المرّ شفاءً فاصبرْ
فالنائم في عسل الأوهام طويلاً لا يثأرْ

[email protected]