-1-

الحرية بقدر..الرغيف بقدر..الصحة بقدر..الثروة ...العمر..الوقت .. الطاقة..الجاذبية..الحُب كما الكُره...!

لكل شيء في الكون طاقة، كل حركة طاقة، كل فعل طاقة، كل صرخة، كلمة، صوت. طاقة..

وتلك "الطاقة" لا تفنى ولا تستهلك...!

مبدأٌ فيزيائي كلاسيكيٌ دقيقٌ غاية الدقة...!

وكل طاقة تنشط بقدر، وكما أفصح آينشتاين وبدقة رياضية عالية حين قال "لا شيء يحدث إن لم تكن هناك حركة".

الطاقة إن تحرّكت او حُرّكت استحالت الى حالة أخرى..مساوية لها في المقدار!!

وكُلَّ شيء خُلقَ بقدر...وميزان...!

-2-

في الصباح الباكر، قبيل خروج ابي من الدار الى عمله..يُطرق الباب، يُفتح، يطل فتى في التاسعة، بجلباب كالح مُتسخ، يرتجف الطفل من البرد وشعور فطري بالذلْ، يتلعثم:

-عمي.."ويبتلع ريقه مرّات عدّة"، أبي بعثني يرجو أن...!!

-يدس ابي يده في جيبه ويخرج الدينار الأزرق، ويمضي الى عمله...!

بعد سويعات، سويعات قليلة المح الجار عائداً الى بيته، يسبه كرشه، واناقة نشاز، بذلة عتيقة (يبدو أنّه ورثها من ابيه أو جدّه) ورباط احمر فاقع اللون...!

كان منحنيا قليلاً ضاغطاً على كرشه، بحكم جاذبية الأرض على الحمل الكبير الذي كانت ذراعاه تحملانه، أكياس كبيرة من الفاكهة واللحم والخبز واللبن، اللبن الذي كنّا نستعيض عنه بالشاي الرخيص، في ذلك الزمن العتيق...!!

ثلاث مرّات في الأسبوع يفعلها الفتى.. بذات الحياء والارتجاف والرأس المنسدلة على الذقن والريق المستحلب والبرد القارص...!

رغم ثراء أبي رحمه الله وهو الفلاح الذي جمع ثروته من الكدح في الحقل..رغم ثراءه، كان يصر على أن يسأل عن بقايا طعام البارحة.. "النعمة لا ينبغي أن تهدر البتة، وإلا ..انقلبت الموازين وعمَّ الخراب...!

أنتم كلوا الطازج ودعوا لي البائت.. أنا مسؤول يا ابنائي.. مسؤول في بيتي أن أضبط الموازين.. ومسؤول غداً أمام ربّي...!

-----------------------------------------------------------------------------------------------

أوسلو -العشرون من أكتوبر 2021