إيلاف من بيروت: أن تبتكرَ وتجرّبَ في نوع فنيّ له حضوره وعراقته فأنتَ مولعٌ بالتجاوز، والبحث الدائم عما يعطي لرؤيتك الفنية هواجسها وتشكيل ملامحها وخواصها سعيًا إلى فرادةٍ إبداعية خلاقة ومتميزة.

هكذا يتسنى لنا أن نطلّ على التجربة الفنية للتشكيلية المصرية المقيمة بأستراليا الفنانة شرين محمود.

تكتسي التجربة الفنية عند شرين محمود حضورها الفني الجديد من خلال كسر الحاجز الكبير بين الأنا الإبداعية واللوحة التشكيلية، وهو كسر يغري بمحو مسألة الإيهام الصامت الذي تمثله اللوحة التشكيلية في بعدها الموروث، على اعتبار أن اللوحة ترتكز في تشكيلها وجوهرها على ما يبدعه الفنان التشكيلي من رؤى وموضوعات ودلالات في اللوحة، وما تضيئه الألوان والظلال وحركة الفرشاة التي تجسد هذه الرؤى في أشكال فنية متعددة تنتظم – أو لا تنتظم – في سياقات اتجاهات ومدارس فنية محددة كالكلاسيكية أو الكلاسيكية الجديدة المحدثة أو الرومانتيكية أو الرمزية والسوريالية أو الواقعية أو الحداثية وما بعد الحداثية.

إن الفن التشكيلي لا يتوقف عن تقديم ابتكاراته ورؤاه مستخدمًا مختلف العناصر التي تدفع باللوحة إلى إحداث تأثير ما في المشاهد، وإحداث نمذجة مختلفة تهدف إلى تقديم حضورها الفني المتميز أولا وإلى التأثير في المشاهد ثانيا وإلى إضافة نسق فني تعبيري مختلف يختص به الفنان التشكيلي في مرحلة زمنية وفنية معينة.

بيد أن التجاوز والتجريب قد يصبحان مناط عملية فنية بأكملها، خاصة إذا شكلا معا مقدرة فنية على إضافة الجديد المبهر، أو أصبحا يشكلان اتجاها فنيا جديدا.

عناصر ونقوش

وإذا كان الفن الحداثي أو ما بعد الحداثي في الأفق التشكيلي يستثمر مختلف العناصر في تكوين لوحاته، بدءا من النقوش وعناصر الرسومات الموروثة إلى الطبيعة وما تجيش به من مشاهد، إلى حركة الناس في الشوارع وتجليات التاريخ ووقائعه، إلى صورة الإنسان المتحولة عبر العصور، إلى التأمل في المهن والأعمال والأحداث والثورات واستثمار ما يجود به الفن الإنساني من رؤى حتى استخدام بعض عناصر البوب آرت والفولكلور ومن أجل تكوين لوحة تشكيلية متميزة قد تستعين أيضا بأشياء غير لونية لتعشيق اللوحة بأدوات أخرى من عناصر حديدية أو خشية أو بلاستيكية مثلا، فإن هذا كله يضفي على اللوحة أبعادا أخرى، ويضعها في قلب التعبير الإنساني بمختلف توجهاته.

في ظلال هذا الوعي فإن الاقتراب من تجربة الفنانة شرين محمود هو اقتراب يضع في الخلفية الإدراكية ما نذكره سابقًا، ذلك لأنها تنطلق في أدائها الفني الجديد من هاجس تجريبي بالأساس ينزع إلى ملامسة العالم الفني برؤية مختلفة تتشكل من العلاقة بين الذات المبدعة هي هنا نفسها بوصفها صورة للجسد الإنساني، واللوحة التشكيلية. فثمة علاقة وشيجة عضوية فيما بين ( مشكّل اللوحة وصانعها) ( شرين محمود) واللوحة ذاتها، بحيث يتجاوران معا، أو يتماهيان من أجل تقديم عمل فني تجريبي متكامل.

تكوين مبدئي

نحن هنا حيال تكوين مبدئي ( الجسد + اللوحة) تنبثق منه جملة من المكونات الجزئية أو الكلية التي تتصل به تتمثل في:

- أولا: اختيار الموضوع التشكيلي، وهوهنا لا يتم بشكل مباشر كما في التوجهات الفنية الكلاسيكية المعروفة كاختيار البحر أو الطبيعة أو الحدائق – مثلا – كمجال للتعبير الفني، ولكن الموضوع لدى شيرين محمود قد يرتبط بهواجس سيكولوجية وأبعاد رمزية تحددها ماهية العلاقة بين الجسد واللوحة.

- ثانيا: التماثل اللوني العام بين الألوان المستخدمة في اللوحة والألوان الظاهرة على الجسد بوصفه قطع من اللوحة أو العكس أن اللوحة قطعة من الجد.

- ثالثا: كسر الإيهام بين الذات المبدعة واللوحة، وبالتالي كسره لدى المتلقي أيضا الذي سيتبصر في العمل الفني المشترك الممتزج والمتماهي أحيانا صورة فنية حيوية جديدة.

- رابعًا: استثمار فعالية الكاميرا الناقلة للعمل الفنية في زاوية اللقطة، والاقتراب والابتعاد، والتكبير والتصغير، وتشغيل فاعلية الزووم للتركيز على بعد معين في اللوحة المشتركة وتكويناتها الفنية.

إن شرين محمود تقدم هنا وعيا تجريبيا لنمط جديد من الفن التشكيلي ربما يكون حاضرا في الرؤى الفنية الغربية، لكنه ما يزال يتلمس سبله في الذهنية الفنية العربية، لكنه يرتكز في جوهره على ترويض الفن الرقمي، والتصوير الفوتوغرافي، وأيضا استثمار الجسد الإنساني في التشكيل الفني، وتقديم فن يعتمد على الأداء والحركة والتعبير اللوني بالجسد، وهي في ذلك تصبو إلى تحويل الجسد الإنساني نفسه إلى لوحة فنية متحركة تعبر وترمّز وتشير إلى آفاق إبداعية وفنية وفلسفية.

الذات المشاركة في اللوحة

تنهض اللوحة الفنية لدى شرين محمود على تشكيل علاقة فنية بين الأنا والعناصر اللونية ومضمون اللوحة، وهي تقدم ذلك بوعي تجريبي خلاق، وهي تقدم عملها الفني في عدة مستويات تعتمد على اللوحة التقليدية المعهودة المرسومة حينا، أو اللوحة التي ترسم فيها شخصيتها بشكل ما، أو اللوحة التي ترتكز على التصوير بالكاميرا بحيث تحضر الشخصية داخل اللوحة وتحضر خارجها هي هي بالملابس نفسها وبالألوان نفسها وذلك من أجل صنع مقارنة بصرية بين اللوحة وخارجها.

ففي لوحة مترعة بالتجاور المفارق بين شكل تعبيري يمثل فستانا معروضا على (ستاند) وله شكل غرائبي استدمت فيه الفنانة أنواعا من الورق ورق الصحف، مع ضبطه بحزام من أعلى ثم قامت بتلوينه بالأزرق فيما قامت هي بارتداء الفستان نفسه ولكن بمعادل لوني آخر يتشكل من الأسود والأحمر والأبيض، والتقطت الصورة لتعبر عن هذا الحوار الفني الضمني المخايل والمفارق معا، فيما ازدحمت اللوحة بأشياء أخرى، جذع شجرة، وكراسي وطاولة في الخلفية الأولى، وفي الخلفية البعيدة تمثال وبنايات، وفي أمامية اللوحة ( أو الصورة الملتقطة) دوائر بلاستيكية ملونة وضع عليها الاستاند وبعض صفحات المجلات الملونة وضعت بطريقة فنية، ومنها ما غطى الجانب السفلي من الشجرة.. المشهد مزدحم بدلالات كثيرة، فيما يغري البصر بتأمل هذه الكثافة والتوازنات اللونية والورقية.

وفي لقطة فنية مصورة لعمل فني آخر هناك حوارية ما بين صورة الفنانة المرسومة داخل اللوحة وهي تمسك بالموبايل، وحولها يتكسر الأفق وكأنه لوح زجاجي وبين الفنانة نفسها الحاضرة بالزيّ نفسه وقصة الشعر نفسها، ولكن مع تعديل وضعية النظرة ففيما هي متكسرة في اللوحة ولها درجة ميل معينة، وامتداد متتابع متكرر متكسر للوجه، تأتي في الصورة خارج اللوحة بوجه جاد ومتأمل.

ربما هذه الطريقة تحدث نوعا من الجدل السوريالي والرمزي والفني معا، ربما تحدث قدرا من التطوير في الرؤية التشكيلية التي كانت تجرب أحيانا بخروج شخصية اللوحة وإطلالها خارج اللوحة.

حواريات

إن الحوارية بين الجسد واللوحة سواء كانت رقمية أم لونية مرسومة لا تتوقف، وهي تقلّ هواجسها التجريبية إلى المشاهد نفسه، كأن الجسد يستنسخ اللوحة أو أن اللوحة تستنسخ الجسد مع وجود بعض الفوارق الفنية التي تجعل اللوحة هي الجسد الصامت للرؤية، وتجعل الجسد الإنساني هو اللوحة الناطقة المتحركة.

والفنانة البصرية شرين محمود تعيش وتعمل بمدينة بريزبن في أستراليا، حاصلة علي بكالوريوس الفنون الجميلة قسم النحت من جامعة حلوان بالقاهرة، مصرعام 2000، حاصلة علي شهادة علم السعادة من جامعة بيركلي كاليفورنيا بأمريكا عام2015.أقامت الفنانة شرين العديد من المعارض الفردية وشاركت في العديد من المعارض الجماعية والمهرجانات الفنية علي مستوي العالم، دائما ما نري في معارضها حالة مسرحية فريدة ويتميز كل معرض من معارضها بان له حالته الخاصة ورسالتة الإنسانية.

قامت بالعديد من التجارب الفنية المتنوعة فهي تعشق التعبير عن رؤيتها بإستخدام وسائط عديدة تمزج بينهم وتدمجهم في كيان واحد بطرق غير تقليدية، وتشمل هذه الوسائط حتي الآن: النحت، التصوير، الرسم، التصويرالفوتغرافي، فن الجسد، فن الفيديو، فن الأداء، الفن الرقمي، الفن القابل للإرتداء، والفن التركيبي، وكذلك الرقص المعاصر وفنون الأداء الحركي.وقد قدمت العديد من الورش الفنية المتنوعة والتي تتناول بعض من تجاربها في الوسائط المختلفة من خلال برامج تليفزيونية علي العديد من القنوات المصرية والفضائية من ضمنها: القناة الأولي، القناة الفضائية المصرية، قناة OTV، قناة النيل الثقافية، قناة الغد العربي، قناة نايل لايف.

معارض ومشاركات

ومن أهم معارضها الفردية :معرض "عرض بلا معرض" بريزبن أستراليا عام 2021- معرض"دولاب الفن للأرتداء فقط" بريزبن أستراليا عام 2019- معرض"حالة ألم" بريزبن أستراليا عام 2018- معرض"حياة بالألوان " بريزبن، استراليا عام 2018- معرض"الكرسي" القاهرة، مصرعام 2013- معرض"الدوامة" القاهرة، مصرعام 2012- معرض"تمرد، فن قابل للارتداء" القاهرة، مصرعام2011- معرض"عرض المسوخ" القاهرة، مصرعام 2010- معرض"القلادة" القاهرة، مصر2008.

ومن أهم مشاركتها في المعارض الجماعية :معرض"ليثبردج 10000 عمل فني" بريزبن أستراليا 2021- معرض"قف بلا حركة" بريزبن، استراليا 2021- معرض"جائزة كلايتون يوتز" بريزبن أستراليا 2020- معرض"اتجاهات شائعة" بريزبن، استراليا 2020- معرض"الحقيقة العارية" بريزبن، استراليا 2019- معرض"قدم مربع" بريزبن، استراليا 2019- معرض"أنوثة ورجولة" بريزبن، استراليا 2019- معرض"جائزة الفن المعاصرالاسترالي" بريزبن أستراليا 2019- معرض"قطع صغيرة" بريزبن استراليا 2019- معرض"عرض ليندن" بريزبن، استراليا 2018- معرض"مونوكروم وبوليكروم" بريزبن، استراليا 2018- معرض"بينالي كوينزلاند فيجوراتيف" بريزبن، استراليا 2018- معرض"اهتزازات فنية" بريزبن، استراليا 2018- معرض"عالم صناعي" بريزبن، استراليا 2018- معرض" قطعة الفن 30*30" مالامبيمبي، استراليا 2017- معرض"أعمال صغيرة" ميلبورن، استراليا 2017- معرض"كوليكتيف بوب أرت" لندن، بريزبن استراليا 2017- معرض"عرض ليندن طابع بريد" ميلبورن، استراليا 2017.