إيلاف من الرياض: منذ عدة سنوات كان المتظاهرون ضد العولمة يملؤون الشوارع، ويعيقون اجتماعات المنظمات المتعددة الأطراف في العالم. أما في الوقت الراهن، فيبدو أن شيئاً أكثر جدية يجري؛ فقد اختفى المحتجون ولكن المؤسسات الدولية ما تزال في فوضى. ربما تكون مناهضة العولمة قد فقدت صوتها، ولكن العولمة فقدت صوتها كذلك.

فلنبدأ مع توقف مفاوضات التجارة؛ ففي الصحوة التي كانت عقب الهجمات الإرهابية في 2001, اتفق العالم بأسره على أن الدول الغنية يجب أن تنفتح على المُصدِّرين الفقراء. أما الآن فتُعتبر محادثات التجارة في دورة الدوحة منتهية عملياً, كما أن الموعد النهائي للإنجاز في الشهر الحالي سيُفوّت, فقد رفض الاتحاد الأوروبي تقديم تخفيضات حقيقية في تعرفة المزارع, وأشارت إدارة بوش إلى أنها تستسلم بانتقال كبير خبرائها التجاريين إلى مكتب الميزانية.

ولنتناول الآن صندوق النقد الدولي بعين الاعتبار؛ فقد صرح النقاد ابتداءً من تيم آدامز الرجل الدولي الكبير في خزانة بوش إلى ميرفن كنغ محافظ بنك إنغلترا أن صندوق النقد الدولي بحاجةٍ إلى أن يثبت وجوده بمعاقبة معالجي العملة, وأولهم الصين. وهذا مساوٍ للقول بأن صندوق النقد الدولي يجب أن يغلق, نظراً لأنه ما من فرصةٍ على الإطلاق في أن يغير الصينيون سياسة عملتهم فقط لأن صندوق النقد الدولي طلب منهم ذلك. في هذه الأثناء, يعترف الآسيويون لصندوق النقد الدولي بأنهم يبنون احتياطيات من النقد الأجنبي جاعلين من خدمات صندوق النقد الدولي المتوقفة غير ضرورية. وكانت الأرجنتين والبرازيل قد أعادتا إلى صندوق النقد الدولي قروضهما باكراً, وقد أدت خسارة هؤلاء العملاء الكبار إلى أزمة ميزانية في صندوق النقد الدولي.

وثم هناك البنك الدولي؛ الذي يناضل ليجد طريقه تحت إدارة رئيسه بول وولفويتز. وليس الأمر أن مقترحات وولفويتز سيئة, إذ أن تركيزه على الفساد جاء في محله. ولكن الرئس الجديد يقدم خطابات سياسةٍ رئيسية دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن مساهمة من المحترفين إلى فريق موظفيه, كما أنه يعزل أعضاء اللجنة الذين يمثلون مساهمي البنك الوطنيين الكبار. وكنتيجة لهذا, فإن الحكومات المتبرعة غير مقتنعة تماماً بإطلاق مبادرات المساعدة مع مساعدة البنك.

وتبدو المشاكل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية متناقضة. وليس الأمر أن القوى الأساسية للعولمة أصبحت في مهب الريح, ولكن أحداً ما لا يريد استثمار رأس المال السياسي في مؤسساتٍ عالمية. التجارة تتوسع, وصفقات التجارة الثنائية تنمو كالأعشاب الضارة, ولكن الحكومات لا تجد في محادثات الدوحة متعددة الأطراف المكان المناسب الذي تقلل فيه من التعرفات. وبشكلٍ مساوٍ, تتزايد المساعدات ولكن كثيراً من الأموال تتدفق خلال قنواتٍ ثنائية غير منسقة بدلاً من أن تكون عبر البنك الدولي. وتستمر التدفقات المالية الدولية على نطاقٍ ضخم, ولكن يبدو أن الدول لم تعد مكترثة بأن يبقى صندوق النقد الدولي في دوره التاريخي كمُؤمّنٍ تجاه الأزمات.

وبذلك تَوقّف تحرر التجارة, وأصبحت المساعدة أقل تماسكاً مما يجدر بها أن تكون, والحريق المالي القادم سيسيطر عليه رجل إطفاءٍ جريح. مع أن التكاليف الكبرى لتشابه المؤسسات المتعددة الأطراف هي عسكرية وسياسية؛ فإيران منشغلة ببرنامجها النووي, والسودان تنظم لإبادةٍ جماعية, وليس لجهاز الأمم المتحدة حول له ولا قوة أمام كلتا الأزمتين, إذ أن الدول الأعضاء ليست مهتمة بالعمل معاً لكي تقدم تنازلاتٍ تجارية مشتركة.

ويصيب الخمول نفسه قطاعاتٍ أخرى من التجارة السياسية المتعددة الأطراف. فقد أثبت الناتو أنه لا يمكن أن يسيطر أحد على دارفور مثل الأمم المتحدة. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتعافى بعد أن رُفض دستوره من قبل الناخبين؛ اندماج الأعمال عبر الحدود في فرنسا, وكلٌ من إيطاليا وأسبانيا تواجه معارضةً وطنية. وفي هذه الأثناء, وبسبب ظهور الصين وبعض اللاعبين, خسرت مجموعة الثماني شرعيتها. ولا تتجه المقترحات لإعادة تصميم هذه الاجتماعات نحو أي مكان.

منذ خمسة عشر عاماً, تجددت بعض الآمال بأن انتهاء انشقاقات الحرب الباردة سيسمح للمؤسسات العالمية أن تكون أكثر تماسكاً. ولكن القوى العظمى اليوم ليست مهتمة بإنشاء نظامٍ مرِن متعدد الأطراف, فأوروبا منشغلة بالتوعك الاقتصادي وببناء اتحادها الخاص, واليابان تعمل على نقل نفوذها الاقتصادي إلى قوة عسكرية أو سياسية, ودكتاتوريو الصين يعتنون بإبقاء الغطاء مسجىً على الاضطرابات, ولا يقدمون يد العون في حل اختلال التوازن المالي العالمي أو أزمة إيران النووية, أما الهند فلديها إمكانية عظيمة كقوة ديمقراطية, ولكنها لم يمض عليها وقت طويل لكي تدرك هذا.

وتبقى الولايات المتحدة اللاعب الوسط المقبول في نظامٍ متعدد الأطراف. ولكن إدارة بوش عزلت عديداً من اللاعبين لكي تقود الفريق بكفاءة, وقد بدأت سياستها الخارجية المتشددة كاستجابةٍ واعية لاستهتار القوى الأخرى, ولكن استقلالية السياسة الخارجية أثر عكسياً بصورةٍ مأساوية, مُدمِّرةً أي فرصة بسيطة يمكنها أن تكون بديلاً عملياً متعدد الأطراف.

Washington Post
By/ Sebastian Mallaby