حاوره عبر الهاتف طلال سلامة من روما

كان العام 2007، بالنسبة الى النفط، عام تألق بأرقام قياسية. فبرميل النفط يحوم مراراً وتكراراً حول عتبة المائة دولار. بالرغم من ذلك، وللمرة الأولى في تاريخ الصناعة النفطية، تراجع إنتاج النفط. رقمياً، تراجع هذا الإنتاج في الشهور العشرة، من 84.8 مليون برميل يومي، في نهاية عام 2006، الى 84.6 مليون برميل، في نهاية شهر أكتوبر(تشرين الأول) الماضي. وشكل هذا التراجع صفعة مؤلمة في وجه خبراء النفط، الذين طالما تعودوا على مواكبة النمو المستمر للإنتاج النفطي. لذلك، بدأ العديد منهم يتساءل ان وصل إنتاج النفط بالفعل الى أقصى وتيرته التاريخية أم لا.

منذ بضع سنوات، يتمسك الباحث quot;ليستير براونquot; (Lester Brown)، الذي أسس قبل 30 عاماً معهد (WorldWatch Institute ) ويدير اليوم معهد (Earth Policy Institute) بواشنطن، بنظرية وصول الإنتاج النفطي العالمي الى ذروته. لغاية يوم الأمس لم تأخذ الصناعة الطاقوية ومؤسسات الاقتصاد العالمي الكبرى هذه النظرية على محمل الجد. أما اليوم، فيؤمن الخبراء بأن الصناعة الطاقوية على وشك الدخول الى منعطف هام. من جانب آخر، أكد quot;جيمس مولفاquot;، رئيس شركة quot;كونوكو فيليبسquot;، وquot;كريستوف دي مارغيريquot;، رئيس شركة quot;توتالquot; الفرنسية، أن نمو الإنتاج النفطي وصل الى آخر النفق، وفي أي حال لن يتجاوز إنتاجه أبداً سقف ال100 مليون برميل يومياً. كما أعرب الرقم واحد في الصناعة النفطية الليبية عن اقتناعه بما يقوله رؤساء هاتين الشركتين. ويعود سبب هذا التشاؤم الى أن حقول النفط الكبيرة، التي غذٌت معظم الإنتاج النفطي العالمي والتي تم اكتشافها في ستينات القرن الماضي، يتراجع أداءها شيئاً فشيئاً. ومن النادر اليوم اكتشاف حقول نفطية كبيرة الحجم.

مؤخراً، نشر quot;ليستير براونquot; كتاباً عنوانه (Plan B 3.0, Mobilizing to Save Civilization) يعرض من خلاله مشروعاً لتخطي الأزمة الطاقوية المستقبلية. ونجحت صحيفة quot;ايلافquot; الإلكترونية في الاتصال هاتفياً بالباحث quot;ليستير براونquot;، الموجود حالياً بالعاصمة واشنطن، لطرح مجموعة من الأسئلة المختارة.

سمعنا عن نهاية عصر البترول عدة مرات في السابق. ماذا يختلف اليوم في جرس الإنذار هذا؟

تغيرت اليوم عدة أشياء. أولاً، يحوم سعر النفط اليوم حول 100 دولار. ثانياً، تراجع الإنتاج النفطي في المملكة العربية السعودية للمرة الأولى في تاريخها. لا نعرف بالضبط لماذا يُعزى هذا التراجع. هل هو لأسباب سياسية أم جيولوجية. لكن ان كان الإنتاج النفطي السعودي يتراجع، كما أؤمن شخصياً، عندئذ لن يكون وضع الاقتصاد العالمي كما كانت الحال عليه في السابق. ثالثاً، اكتشف أكبر عشرين حقل نفطي، في العالم، بين عامي 1914 و1979. بعد ذلك، مر ثلاثون عاماً تقريباً دون اكتشاف حقل نفطي جديد، حجمه كحجم هذه الحقول العشرين. الحقل الوحيد اليوم هو quot;كاشاغانquot; بكازاخستان، وبالرغم من ضخامته إلا أنه خارج القائمة التي تحتضن أكبر عشرين حقل نفطي في العالم.

ما هي حالة الحقول النفطية القديمة؟


وصلت حقول بحر الشمال الى وتيرتها الإنتاجية القصوى في عام 1999. اليوم، هبط أداءها بنسبة 50 في المئة. كما وصلت الحقول النفطية بالنرويج الى أبعد سقف إنتاجي لها في عام 2000. اليوم، تراجع أداءها بنسبة 20 في المئة. بالنسبة الى هاتين المنطقتين لدينا نتائج شفافة أما بالنسبة الى منطقة الشرق الأوسط فنعرف القليل عنها.

منظمة (Eia) أي (Energy Information Administration) هي كيان في الحكومة الأميركية، كما تعلم شخصياً. ويتوقع خبراء هذه المنظمة أن يقفز الإنتاج النفطي العالمي الى 118 مليون برميل يومياً في عام 2030. لماذا تتناقض هذه التوقعات التفاؤلية مع نظرتكم المشؤومة حول مستقبل النفط؟

تستخدم منظمة (Eia) بيانات ينتجها خبراء اقتصاديين. وتنحصر توقعات هؤلاء الخبراء حول كيف سيصبح الطلب على النفط. بالنسبة إليهم، فان التجهيزات التي ستلبي كامل الطلب quot;نتيجة محتومةquot; كما حصل دوماً في السابق. بيد أن العديد من الخبراء والعلماء، ومعظمهم يعمل في قطاع دراسة الجيولوجيا، يفيدون أن الإنتاج النفطي قد وصل الى ذروته. أذكر هنا quot;مات سيمونزquot; (Matt Simmons)، وهو رجل أعمال مصرفي مشهور في تكساس ومتخصص في التجارة النفطية. حديثاً، نشر هذا التاجر كتاباً توقع فيه ما يحصل تماماً في الواقع. بما أن السعوديين غير مستعدين لاعطاء المعلومات، انكب quot;مات سيمونزquot; على قراءة 123 مقالاً كتبها عدد من علماء الجيولوجيا الذين درسوا حقول النفط في تلك المنطقة. اعتماداً على هذه الدراسات، استنتج quot;مات سيمونزquot; أن إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية سيبدأ بالتراجع. ويبدو أنه على حق!

يقول quot;ريكس تيليرسونquot;، رئيس شركة quot;اكسون موبيلquot; انه لو تمكنت الشركات النفطية من الوصول بسهولة أكبر الى حقول النفط لتراجعت الأسعار. ماذا تعتقد؟

نعم،إن كلامه صحيح. إنما ينبغي التوضيح هنا. اليوم، وقعت الدول المنتجة للنفط ضحية quot;متلازمة النقص النفطيquot;. وتعلم هذه الدول جيداً أنه ينبغي عليها الاحتفاظ بمستودعاتها النفطية لأطول وقت ممكن. فتسريع استهلاك هذه المستودعات لا يقع في صالحها. ولا شك في أن وجهة نظر هذه الدول تختلف عن سياسة الشركات النفطية التي تريد جني أكبر قدر ممكن من الأرباح القصيرة المدى دون المبالاة بما سيحصل مستقبلاً. صحيح أن الشركات النفطية، لا سيما quot;اكسون موبيلquot;، طورت تقنيات تسمح باستخراج كمية أكبر من النفط. أنا شخصياً أشكك في أن تقوم الدول المنتجة للنفط في تكليف هذه الشركات إدارة آبارها النفطية.

هل حاولتم احتساب الى أين يمكن أن يرتفع سعر النفط إذا باشر الإنتاج النفطي تراجعه؟

لا أحد يستطيع التنبؤ بسعر برميل النفط. أنا أعتقد أنه يمكن أن يصل بسهولة الى 200 دولار، وهذا سعر سيدمر اقتصادات دولية بأكملها. اليوم، يتعلق القمح بالنفط. عندما يرتفع سعر برميل النفط، يرتفع معه أيضاً سعر القمح. وترتبط سوق السلع الغذائية أكثر فأكثر بسوق الطاقة. وهذا وضع عالمي، جديد الملامح، لم يدرس تفاصيله بعد الكثير من خبراء الاقتصاد. فارتفاع الأسعار يتعلق، اعتباراً من الآن، بالضغط المتأتي من سوق الطاقة.

في حال هبط الإنتاج النفطي حول العالم، ما هي القطاعات الصناعية الأكثر تأثراً؟

نجد في المقام الأول قطاع النقل الجوي. فالوقود محرك استهلاكي أساسي في الأكلاف الصناعية لهذا القطاع. وهناك صناعة أخرى ليس أقل هشاشة، هي الصناعة الغذائية.

على الصعيد الشخصي، كيف تخطط للتحرك بالولايات المتحدة الأميركية أطلقت حملة الادخار الطاقوي؟


تستهلك الولايات المتحدة الأميركية وحدها كمية بنزين تستهلكها عشرين دولة معاً. كما أن أميركا تحتضن 30 في المئة من السيارات المتحركة في العالم، وتحرق 40 في المئة من كمية البنزين العالمية. هناك مساحة واسعة لزيادة فاعلية النظام الاستهلاكي الطاقوي المحلي، بما فيه إعادة هيكلة شبكة النقل.


هل يعني ذلك اللجوء إلى السيارات الكهربائية؟

يبرز على السطح إمكان استعمال السيارات الهجينة. في هذا الصدد، تعتبر سيارة quot;تويوتا بريوسquot; نموذجاً بديلاً جيداً. فبطارية التغذية قوية. ان أضفنا إليها بطارية ثانية، يمكن إعادة تعبئتها، يمكننا على الأثر قطع المسافات القصيرة بالطاقة الكهربائية. وان كان صحيح أن الإنتاج النفطي العالمي بلغ ذروته سيكون عالم الغد مختلفاً عن تكهنات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فخبراء هذين الكيانين الماليين يتوقعون نمواً اقتصادياً عظيماً أعلى بمرتين أو ثلاث مرات من النمو الحالي. أنا أعبر عن تشاؤمي حيال هذه التوقعات. بالطبع، قد يجلب المستقبل معه نمواً اقتصادياً إنما على حساب تغيير جذري في الاقتصاد العالمي والاستهلاك الطاقوي والنقل. على سبيل المثال، ستضطر الولايات المتحدة الأميركية الى نقل استثماراتها من الشوارع والطرق السريعة الى السكك الحديدية. بسبب الصدمة الاقتصادية المستقبلية، ينبغي علينا معرفة ان سيواصل عدد سكان الأرض ارتفاعه أم لا.