أسعار المواد quot;الأكثر استهلاكاquot; تشهد ارتفاعا مخيفا منذ أشهر
الجزائريون يشتكون استمرار الهزات الاجتماعية

كامل الشيرازي من الجزائر
بات الجزائريون يعيشون quot;حرب أعصاب يوميةquot; مع تواصل مسلسل الارتفاع quot;الفاحشquot; وquot;المخيفquot; لأسعار المواد الأكثر استهلاكا في بلد بلغ معدّل احتياطاته من العملة الصعبة مائة مليار دولار، وتجهل الأسباب المقنعة لهذه الدوامة المستمرة التي جعلت الموظفين البسطاء في حيرة من أمرهم تبعا لمحدودية قدرتهم الشرائية، ما أنهك أرباب الأسر وأفرغ جيوبهم، فالمتطلبات كثيرة والأسعار لا ترحم، رغم كل ما تتغنى به السلطات والإعلام الحكومي من مخططات ومنجزات.
وتأتي الخضراوات في صدارة اللائحة quot;المجنونةquot;، فسعر الكيلوجرام الواحد من البطاطا بـ50 دينارا بعد أن كان 25 دينارا، مع توقعات بتضاعفه إلى حدود مائة دينار، بينما وصل سعر الطماطم والبصل إلى 70 و30 دينارا، كما أنّ الجزر والبنجر والبازلاء صارت قيمتها تناهز 160 دينارًا والفلفل الأخضر 180 دينارًا، ولم تشذ أسعار الفواكه عن القاعدة، إذ وصل سعر كيلو العنب المجفف إلى 380 دينارا، وكيلو التفاح إلى 90 دينارا للكيلو، وبقي سعر التين عاليا بـ150 دج للكيلوجرام، وجاء ارتفاع أسعار البن في الأيام الأخيرة، ليضيف عزفا آخر على أعصاب السكان المحليين، سيما وأنها مادة استهلاكية أساسية.
هذا الطارئ زاد الطين بلة، خصوصا مع إقرار زيادات كبيرة في الأسواق الجزائرية، دون إعلام المواطنين مسبقا، هؤلاء أغضبتهم المفاجأة السيئة، وراحوا يحمّلون الباعة المسؤولية، في حين يؤكد منتجوا البن في الجزائر أن هناك انخفاضا للإنتاج العالمي وزيادة في الطلب على هذه المادة، وقالوا إن الأسعار مرشحة للارتفاع خلال الفترة القادمة، ما معناه إنّ موضة الارتفاع الفاحش ستواصل إرهاق ميزانيات وكواهل العوائل الجزائرية، ما دفع بالكثير إلى مراجعة حساباتهم، واستباق الأشياء من خلال اقتناء مبكّر لبعض المواد المهمة والتي تعرف غلاء فاحشا في أسعارها كمادة الطماطم، الكوسة، واللحوم الحمراء، بغرض تجميدها.
جولة مارثونية قادت quot;إيلاف quot; عبر عدد من الأسواق الجزائرية، مكّنت من الوقوف على المنحنى الحرج للأسعار الآخذ في الالتهاب منذ منتصف الصائفة الماضية، فكل المواد الغذائية دون استثناء غالية أثمانها، حيث زادت أسعار الدجاج بنسبة 50 بالمائة عن السعر العادي، كما شهدت اللحوم وثبة مهولة إلى حدود 900 دينارا -ما يعادل 15 دولارا-، فيما صار الكيلوجرام الوحد من السمك بمستوى 120 دينار بعدما كان لا يتعدى 70 دينارا فحسب.
ولدى حديثنا مع بعض الزبائن بسوق quot;علي ملاّحquot; وسط العاصمة، أعرب معظمهم عن استيائهم من هذا الوضع، تقول ندى (32 سنة) الموظفة الحكومية بانزعاج:quot; الارتفاع الفاحش للأسعار أعتبره عشوائيا، أنا عاجزة عن توفير محتجيات أسرتي، كما ليس ليس هناك أدنى خدمة لم تصبها عدوى المغالاةquot;، بالمقابل أطلق طارق (36 سنة) المهندس في شركة خاصة، زفرة تذمرّ ولاحظ أنّ الأسعار صارت نارا بفعل جشع التجار، بينما تساءلت العجوز الطاووس التي صادفناها لدى أحد الجزارين:quot;كيف لي أن أطعم أبنائي وأحفادي؟quot;، فيما قال ناصر (29 سنة) المعلّم في الطور الابتدائي:quot; البطاطا غالية كثير، وسعرها لم ينخفض منذ عدة أشهر، لذا لم يعد في استطاعتي اقتنائها''، من جهتهنّ أبدت مجموعة من النسوة اللواتي التقيناهم بالسوق الشعبي ''مارشي12''، قلقهنّ إزاء معضلة تشغل بال المواطنين ولا تبالي بها السلطات، كلهنّ طرحنّ سؤالا واحدا:quot;أين المخرج؟، في وقت يرمي رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز بلخادم وأعضاء حكومته بالمسؤولية على (المضاربين).
ويعزو الباعة هذا التحول الرهيب إلى المضاربة وكثرة أيادي السماسرة في أسواق الجملة، بينما يردّها آخرون إلى الأطنان الهائلة من البطاطا الفاسدة التي استوردتها الجزائر من كندا، ويستفهمون عمن وقف وراء ذلك، ما دفع بالشارع الجزائري للزهد في أشياء أصبحت كماليات بمنظاره، على غرار البهارات، المخللات والمكسرات وكذا عديد الفواكه كالمشمش، والتفاح، والإجاص والزبيب والبرقوق المجفف، لأنّ لا طاقة لديه لتجمل مزيد من التكاليف.
في غضون ذلك، يتساءل الآلاف من أرباب البيوت، عن سبل تلبية حاجات أبنائهم المتزايدة، بعدما صارت تكلفة الطفل الواحد لا تنزل تحت سقف 2000 دينار شهريا في أسوأ الأحوال، ما يعني أن رب العائلة إذا كان لديه أربع أطفال ما يزالون في طور التعليم، عليه أن يخصص ما لا يقل عن 30 ألف دينار (ما يعادل خمسمائة دولار) ليضمن لهم نمطا معيشيا عاديا، وتحصي جهات غير رسمية، نحو 3 ملايين و نصف مليون طفل معوز في الجزائر، من أصل 6.7 مليون طفل متمدرس.
المستهلكون في الجزائر، يطرحون استفهامات بالجملة، عن مستقبل الأسعار في البلاد، وعن الأشخاص الذين يقفون وراء ذلك، في وقت تواصل السلطات التزامها بالصمت وتأكيدها على لسان المسؤولين الحكوميين إنّ quot;كل الأمور تمام، ولا داعي للقلقquot; (..)، ليبقى المواطن الجزائري الضحية الأولى أمام التهاب يومي لأسعار مستهلكات ضرورية أصبحت تستنزف حياته يوميا، فإلى أي وجهة سيمضي تردي الوضع الاجتماعي في الجزائر؟ خصوصا وأننا على أبواب عيد الأضحى، ولا حديث هذا العام عن السعر المعقول أو المناسب رغم كثرة الموالين، وانتشار أسواق المواشي في جميع المحافظات والأحياء، إذ تتحدث بورصة المواشي عن تراوح أسعار الأضاحي بين 14 ألف دينار إلى 20 ألف للخروف العادي ( 300 إلى 450 دولار)، بينما الأضحية الجيدة لا ينزل ثمنها عن 25 ألف دينار ( 500 دولار) ليصل عند أجود الكباش من 40 ألف دينار إلى 200 ألف دينار ( بين 800 دولار و1200 دولار) وقد يزيد على ذلك، ما يعني ببساطة أنّ الكيلوجرام الواحد من اللحم يتجاوز الألف دينار (13.5 دولارا) وإذا ما اقتنى المواطن البسيط الذي لا يتجاوز راتبه المائة دولار، كبشا يزن 18 كيلوجراما، فإنّه (سيشوى بالسعر قبل شيّ اللحم)، اعتبارا لغلاء المعيشة التي أضحت صعبة للغاية.
ويرى الخبير الاقتصادي الجزائري quot;مسعود كسريquot; في مقابلة مع quot;إيلافquot;، إنّ quot;ارتفاع الأسعار أزمة مفتعلة توجّه بسياسة تلفيقيةquot;، مرجعا ارتفاع أسعار المواد الأساسية إلى عدم صرامة بلاده في تطبيق الرقابة على تنفيذ القوانين، ونفى كسري ما تروّجه أوساط عن quot;خضوع السوق الجزائرية لحركة الأسعار الدوليةquot;، قائلا إنّها تخضع عكس ذلك لـquot;مجموعة من المتحكمين داخلياquot;، وانتهى كسري إلى دعوة السلطات لإقرار تغييرات اقتصادية جذرية، وتنظيم السوق المحلية عبر توضيح أطر العلاقة بين المنتج والمستهلك، ويدعم قاطرة الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده الجزائر حاليا.
من جانبها، تحذر قوى المعارضة من اتجاه الجبهة الاجتماعية نحو الانفجار، وتخشى احتمال حدوث quot;غليان شعبيquot; في ظلّ quot;الأزمة المعيشية المستفحلةquot; في الجزائر، خصوصا مع تصدّي بارونات السوق وتجار السوق الموازية لكل إجراءات الحكومة، والتردي الواضح للوضع الإجتماعي وانتشار البطالة، بالتزامن مع اتساع رقعة الفقر، هذه الظاهرة تعاني منها 950 ألف عائلة، ما يمثل 22في المئة من المجتمع الجزائري البالغ تعداده 34 مليون نسمة.