الإصلاح الإقتصادي الإماراتي خلال 2007
الحكومة نقلت أعباء الخدمات للقطاع الخاص وأبقت سيطرتها مطلقة على النفط
تاج الدين عبد الحق من أبوظبي
قد لا يكون مصطلح الإصلاح الإقتصادي هو التوصيف الصحيح للخطوات التي إتخذتها الإمارات في الفترة الأخيرة، على صعيد السياسة الاقتصادية. فهذا المصطلح إرتبط في الدول الأخرى بعملية التحوّل من الاقتصاد المملوك للقطاع العام والمحكوم بالبيروقراطية واللوائح الحكومية إلى اقتصاد السوق، في حين أن السياسة الاقتصادية للإمارات احترمت على الدوام المبادرة الفردية، وأفسحت في المجال للقطاع الخاص الذي نما خلال العقود الثلاثة الماضية، بشكل وضعه في مركز متقدم بالنسبة إلى عملية التنمية.
وقد شهد الدور الذي يلعبه القطاع الخاص الإماراتي في السنة الأخيرة عملية تحول كبرى ونقلة نوعية تمثلت في تخلي الدولة تدريجيًا عن إدارة المرافق الخدمية العامة التي كانت ضمن الواجبات والمسؤوليات التي تقوم بها الحكومة تجاه المواطنين والمقيمين. وقد ساعد على هذا التحول مجموعة من العوامل من أبرزها تحسن مستوى الحياة الاجتماعية بالشكل الذي لم تعد فيه الدولة دولة رعاية اجتماعية كما كانت عند قيامها بحكم الظرف التاريخي والواقع الاقتصادي والاجتماعي والمستوى التعليمي والثقافي في تلك الفترة، والذي لم يكن يتيح للدولة إشراك المواطنين في تحمل أعباء الخدمات أو حتى جزءًا منها.
وبخلاف انه لم يكن لدى المواطنين المدخرات المالية والدخل الكافي للمشاركة الحقيقية في إدارة المرافق الخدمية، ممّا حمل الدولة هذا العبء طوال العقود الثلاثة الماضية. فإن الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية كانت وسيلة وآلية لإعادة توزيع عوائد الثروة النفطية من خلال دعم السلع وتقديم الخدمات المجانية. بل إن الدولة ساهمت في كثير من الأحيان في بناء مدخرات للمواطنين من خلال الدخول في استثمارات معهم أو من خلال تقديم قروض ومنح ساهمت في النهاية بظهور قطاع خاص يتمتع بالقدرة والملاءة المالية.
أما العامل الثاني الذي ساهم في عملية التحول فهو تزايد كلفة الخدمات المجانية التي تقدم للناس، إما بسبب الزيادة السكانية أو بسبب الارتفاع الطبيعي في كلفة إنشاء وإدارة المرافق. وكانت النتيجة أن الخدمات المشار إليها واجهت صعوبة عامًا بعد عام في توفير الموارد المالية اللازمة لإدارتها وصيانتها وهو ما انعكس على مستوى الخدمات التي تراجعت بشكل كبير سواء على صعيد الحجم أو على صعيد النوعية. وهذا التراجع لم يكن إصلاحه ممكنًا، إلا من خلال إعادة النظر في طريقة إدارة المرافق الخدمية وتوزيع أعباء تشغيلها بشكل يخفف حجم الموارد اللازمة لعملية التشغيل ويساعد على ترشيد استخدامها .
إلى ذلك، فإن الخطاب العالمي الذي كان ينادي بتقليص الدعم الحكومي للخدمات والسلع ضمانًا لترشيد استخدام الموارد وتحسينًا لأسلوب إدارتها وصلت أصداؤه للإمارات من خلال تقارير الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي عن حالة الاقتصاد الإماراتي، والذي ظل لسنوات عديدة يتعرض للانتقاد بسبب الأعباء التي تثقل الميزانيات الحكومية للوفاء بمتطلبات الدعم من جهة وبسبب الهدر الناتج عن سوء إدارة المرافق الخدمية من جهة ثانية. كما أن تلك التقارير كانت تنتقد الدور الحكومي بالنظر إلى انه يقف أمام نمو القطاع الخاص الذي كان محرومًا من إدارة المرافق باعتبارها مهام تتولاها الحكومة ولا يحق للقطاع الخاص الاقتراب منها.
ويمكن القول إن رياح التغيير باتجاه إعادة توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص بدأت على فترات متباينة، وكانت في بعض الأحيان صدى لتغيير سياسي. ففي دبي بدأ توسيع دور القطاع الخاص يأخذ مدى أوسع مع استلام الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقاليد منصبه كولي للعهد، ومن ثم كحاكم لإمارة دبي. وقد أدى الشيخ محمد دورًا محوريًا في عملية التحول في إمارة دبي، وكان يقول دائمًا إن لا شيء باستثناء الدفاع والأمن يمكن أن يكون صعبًا على القطاع الخاص. وقد تمت ترجمة هذه المقولة في العديد من المسؤوليات التي أصبحت تدار من قبل القطاع الخاص أو بالآليات نفسها التي يعمل بها هذا القطاع.
وحدث الأمر ذاته في أبوظبي مع تولي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مسؤوليته كرئيس لدولة الإمارات وحاكم لإمارة أبوظبي. فبدأت جملة من الخطوات لخصخصة بعض المرافق مثل الماء والكهرباء ثم ما لبثت السبحة أن كرت لتصل للخدمات التعليمية والصحية بل والخدمات البلدية.
ورافق عمليات الخصخصة تلك ارتفاع في أسعار ورسوم الخدمات التي تتقاضاها المرافق المشار إليها. وكنتيجة لتقاضي أسعار معقولة مقابل الخدمات التي تقدمها المؤسسات الجديدة، فإن الدولة لم تعد مطالبة بتوفير الموارد اللازمة لتشغيل وصيانة هذه المرافق بعد أن أصبحت الشركات العالمية والبنوك ومؤسسات الاستثمار تتسابق على هذه المرافق بهدف تمويلها مقابل حصة من العوائد المجزية التي تعود على الشركات والمؤسسات التي يقع عليها الاختيار لإدارتها.
وقد اقتضى تراجع الدور الذي تقوم به الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية كمنفق على الخدمات أو مدير لها إعادة النظر في العديد من التشريعات التي قلصت الدور التنفيذي للحكومات وحصرته في رسم السياسات العامة، دون التدخل في تفاصيل النشاط اليومي للمؤسسات الاقتصادية المختلفة .
كما ساهم تراجع الدور في ظهور شركات خاصة ومساهمة كبيرة بشكل ساعد على نمو الأسواق المالية وتحولها إلى أحد محركات النشاط الاقتصادي في الدولة.
وقد لاحظت الإستراتيجية الحكومية التي أعلنت في آذار/مارس الماضي من قبل الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي هذه التطورات فأفردت فقرات كاملة في هذه الإستراتيجية للحديث عن الدور المنتظر من القطاع الخاص، واعتبار دورة من الأدوار الأساسية في عملية التنمية.
(الأسواق المالية)...
ومن ابرز مظاهر الإصلاح التي شهدتها دولة الإمارات تحسن مستوى الرقابة والإفصاح في الأسواق المالية وتحسن مستوى الانضباط في القطاع المالي من خلال تعزيز الرقابة على القطاع المصرفي بما في ذلك شركات الوساطة المالية والصيرفة. ومن أبرز ما تم اتخاذه في هذا المجال قرار رفع رؤؤس أموال شركات الوساطة من 10 ملايين درهم إلى 40 مليون درهم. وقد ساهم ذلك في تحسين مستوى الخدمة المقدمة للمستثمرين والمتعاملين وتوفير معلومات أكثر شمولاً تحسن قدرة المتعاملين على إدارة محافظهم من الأسهم وعدم البقاء في مقاعد المتفرجين على حركة المستثمرين الكبار ومن ثم إتباع خطاهم.
ورافق ذلك أيضًا جهدًا توعويًا هدفه تحسين قدرة المستثمرين على قراءة وتحليل البيانات المالية ، وهو ما انعكس بوضوح على الحركة اليومية للأسهم والتي باتت أكثر رشدًا وأقل تذبذبًا. وكنتيجة لهذا التطور الذي شهدته الأسواق المالية، فإن التحسن امتد ليطال التدفق الاستثماري الأجنبي الذي بات أكثر إقدامًا وأكثر حماسًا. وتقدر الأوساط الاقتصادية الإماراتية حجم الاستثمار الأجنبي في الأسواق المالية الإماراتية بحوالى 60 مليار درهم وهو مبلغ كبير في أسواق ناشئة كالأسواق الإماراتية.
(القطاع العقاري)...
وكانت للقطاع العقاري حصة كبيرة في عملية الإصلاح التي جعلته من أكثر القطاعات جاذبية من حيث حجم الاستثمار الموظف فيه ومن حيث حجم العوائد الناتجة عن هذا الاستثمار. فقد استفاد هذا القطاع من قرار السماح للأجانب بتملك العقارات الأمر الذي سمح بتطوير مناطق ضخمة كتجمعات سكنية ومرافق سياحية، فضلاً عن بناء مدن وحواضر جديدة.
وحسب التقديرات التي تتداولها الأوساط الإماراتية فإن إجمالي الاستثمارات الموظفة في المشاريع العقارية دخلت في قائمة التريلونات وهي في أبوظبي وحدها تقرب من نصف تريليون .
ونظرًا لأن القطاع العقاري هو قطاع محرك لمختلف مناحي النشاط الاقتصادي في البلاد، فقد انعكس هذا النشاط على نشاط القطاع المصرفي ومؤسسات التمويل وشركات المقاولات ومواد البناء وحركة النقل بكافة أنواعه، فضلاً عن القطاعات الخدماتية اللازمة لمواجهة أعباء الأعداد الإضافية من العمال والكوادر الهندسية والفنية والإدارية التي تتدفق على البلاد والتي رفعت إجمالي عدد السكان إلى ما يزيد عن أربع ملايين نسمة.
على أن التوسع الحالي في الإنشاءات العقارية لا يزال يواجه مشكلة في مدى وضوح القوانين التي تنظم ملكية الأجانب للعقارات. ولعل هذا الغموض هو الذي يحول دون إقدام بعض شركات التطوير العقاري العريقة بدخول الأسواق العقارية الجديدة في الإمارات ويحول دون وجود معادلة تمويل عادلة للراغبين في شراء العقارات.
فطبقًا لما يقوله بعض العاملين في قطاع التمويل العقاري، فإن عدم وضوح القوانين يدفع شركات التمويل إلى رفع كلف التمويل تحسبًا لأي عمليات تمويل قد لا يكون القانون الحالي كافيًا لحمايتها.
(قطاع الاتصالات)...
ومن ابرز ما شهدته السوق الإماراتية في العام الذي نودعه بدء نشاط شركة اتصالات ثانية هي، شركة دو وهو ما أعطى المجتمع الإماراتي خيارات خدمة اتصالات إضافية انعكست على الأسعار من جهة، وعلى نوعية الخدمات من جهة ثانية. ويبدو أن الشركة الجديدة التي لم يمض على إدراج سهمها في سوق دبي المالي أكثر من عام تحمل وعدًا لنشاطها المستقبلي. ولعل ارتفاع سعر سالمحلية. ما يقرب من 7 دراهم خلال فترة وجيزة يعكس التحسن المنتظر من وراء دخول مزود جديد لخدمات الاتصالات للسوق المحلية.
ومع أن عملية الإصلاح الاقتصادي أو إعادة توزيع الأدوار بين القطاعين الخاص والعام قطعت شوطًا كبيرًا الفترة الأخيرة، فإن هذه العملية لا تزال في بدايتها كما يعتقد الكثيرون. فهناك عشرات من الشركات والمؤسسات التي لا تزال مملوكة كليًا أو جزئيًا للحكومات، فضلاً عن أن السلطات الحكومية لا تزال تسيطر على قطاعات تتعارض كليًا مع فكرة حرية السوق مثل قطاع الصحافة والإعلام، كما أن هناك قطاعات مغلقة كليًا أمام القطاع الخاص في بعض الإمارات مثل قطاع النفط الذي لا تزال الحكومية المحلية تسيطر عليه كليًا، إما كمالك منفرد أو كشريك وحيد للشركات الأجنبية. والغريب أن هذه السيطرة تصل إلى حد الانفراد بملكية محطات توزيع المشتقات البترولية وليس الحقول النفطية ومناطق استكشاف مكامن النفط الخام والغاز فقط.
وإذا وضعت هذه المؤسسات في مرمى التخصيص منذ الآن، فإنها ولا شك قد تحتاج إلى عقود طويلة قبل أن يكون القطاع الخاص شريكًا معتبرًا فيها.
- آخر تحديث :
التعليقات