د. جانا بوريسوفنا

مازالت آفاق أحد أهم مصادر الدخل القومي الروسي غامضة، وغير واضحة المعالم، ليس فقط بسبب تذبذب أسعار النفط في السواق العالمية، وتوقعات العديد من الخبراء بأن يشهد عام 2008 انخفاضا في أسعار الذهب الأسود، وان أيضا بسبب الأوضاع التي تعيشها صناعة النفط ومشتقاته.

ومما لاشك فيه أن قطاع النفط الروسي، قد حق نجاحات ملموسة، بعد أن عاد لسيطرة الدولة بشكل أو بآخر، ومن أبرز الإنجازات في قطاع النفط اكتشاف حقول جديدة بها احتياطي نفطي يزيد عن 550 مليون طن، ما زاد من طاقات إنتاج روسيا إلى حوالي 15%.

وتم اكتشاف 44 حقلاً للغاز الطبيعي، يبلغ مجموع احتياطياتها 670 مليار متر مكعب ما يزيد ب10 مليارات متر مكعب أو بنسبة 3% على حجم الإنتاج المتوقع. ويمكن القول إن سبب الحرص على تحقيق تقدم ملموس في العمليات الاستكشافية هو ارتفاع أسعار النفط والغاز، الذي يوفر للشركات الروسية الميزانيات اللازمة للإنفاق على استكشاف موارد جديدة للطاقة،

إضافة إلى اتباع الحكومة لسياسات أكثر حزماً مع مستثمري الثروات الطبيعية. ولعل ارتفاع أسعار النفط، وزيادة حجم احتياط الطاقة المكتشف كانا من الأسباب المباشرة لقرار الحكومة بزيادة رسوم تصدير النفط اعتباراً من الشهر المقبل لتصل إلى حوالي 8. 333 دولاراً للطن الواحد،

حيث بلغت نسبة زيادة الرسوم الجمركية حوالي 21% مقابل زيادة فعلية لأسعار النفط بنسبة تصل إلى 51%، ومعدل زيادة عن الأسعار المسجلة في الموازنة الحكومية بلغت 15%. فقد وصل متوسط سعر النفط الروسي من ماركة Urals في عام 2007 إلى 29. 69 دولاراً للبرميل الواحد، متجاوزاً مؤشر عام 2006 .

وتجدر الإشارة إلى إن متوسط سعر النفط من ماركة Urals وصل في شهر ديسمبر 2007 إلى 07. 88 دولارا للبرميل الواحد مقابل 58 دولارا في نفس الشهر من عام 2006 . وجاء في التقييم الذي تضمنته الميزانية الفيدرالية لعام 2007 أن متوسط سعر برميل النفط يبلغ في هذا العام 61 دولارا.

وتعيد الحكومة الروسية النظر في رسم تصدير النفط ومشتقاته مرة كل شهرين بمعادلة خاصة تعتمد على مراقبة أسعار النفط الروسي في الأسواق العالمية على مدى شهرين. وقد صادقت الحكومة الروسية على خطة إستراتيجية لتطوير الصناعة البتروكيماوية، تركز على تكرير ومعالجة المزيد من النفط والغاز محليا.

حيث تستهدف هذه الخطة زيادة تكرير إنتاج روسيا من النفط من 30% حاليا إلى حوالي 70% في عام 2015، على ان يترافق ذلك مع ازدياد في حجم الصادرات الروسية من منتجات النفط والغاز، ما سيؤدي لارتفاع نسبة إسهام الصناعة البتروكيماوية في الناتج المحلي الإجمالي الروسي من 07. 1% حاليا إلى 3% في عام 2015.

وهو ما سيؤدي إلى تخفيض صادرات روسيا من النفط الخام إلى مصافي النفط في عدد من بلدان شرق أوروبا. وقد كشفت وزارة الطاقة عن أن حجم صادرات روسيا من النفط سينخفض خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة لا تقل عن 5. 2% ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة في ربيع العام الحالي.

وبالإضافة إلى تأثير خطط الحكومة في زيادة حصة صناعات مشتقات النفط، فإن انخفاض صادرات روسيا النفطية الذي اعترفت به وزارة الطاقة الروسية يعود لعدة أسباب:


1- النظام الضريبي الجديد الذي يزيد من حصة الخزينة الحكومية في أرباح شركات النفط، ما يدفع العديد من منتجي النفط لتقليص صادرات النفط من منتجاتهم.


2- احتياج روسيا لتطوير تقنيات استخراج وتكرير النفط، باعتبار أن الآليات المستخدمة حاليا لم يتم تحديثها او تطويرها منذ السبعينات من القرن الماضي، ومن ضمن مئات المنشآت لاستخراج وتكرير النفط والتي شيدت خلال الستينات من القرن الماضي لم يتم تحديث سوى عشرات، ما يهدد بتناقص إنتاج النفط بسبب أوضاع البنية التحتية لقطاع النفط.


خاصة أن ارتفاع أسعار النفط قد دفع شركات النفط الروسية لزيادة طاقاتها الإنتاجية إلى الحد الأقصى، الأمر الذي يؤدي لاستهلاك التقنيات المتوفرة بشكل كبير، ويزيد من نسب الهدر في النفط المستخرج بسبب ضعف وتخلف التقنيات المستخدمة.


3- محدودية طاقة الضخ لمنافذ النفط الروسي الثلاثة، والتي تنقله إلى الأسواق العالمية، بل ان بعض هذه المنافذ يعاني من تأثير الأزمات والصراعات السياسية. وتشكو الشركات الروسية من عدم اهتمام الدولة بزيادة شبكات توزيع النفط، ويعتقد الخبراء بضرورة تطوير خطوط أنابيب النفط وإيجاد منافذ جديدة في الأراضي الروسية لتصدير النفط إلى الخارج عن طريق البحر.


وفي ما يخص شمال غرب روسيا تقضي استراتيجية الطاقة بالتركيز على توسيع خط الأنابيب في منطقة بحر البلطيق لتصل طاقته إلى 62 مليون طن من النفط سنويا وإنشاء خط أنبوب نفطي جديد لتصدير 120 مليون طن من النفط سنويا عبر ميناء في شبه جزيرة كولا.


4- زيادة الاستهلاك الداخلي والذي أدى لارتفاع أسعار الطاقة، حيث ازدادت أسعار البنزين خلال أقل من نصف عام بمعدل يزيد عن 12%. ما يدفع العديد من المنتجين للتوجه إلى السوق الداخلي وتجنب تكاليف وصعوبات التصدير.


وإذا كانت العوامل السابقة تكشف عن عدم توفر الإمكانية لزيادة صادرات روسيا النفطية، فإن هذا الواقع قد يدعم التوقعات الأخيرة بمواصلة أسعار النفط ارتفاعها لتصل إلى 175 دولاراً، وهو ما سيجر روسيا إلى مزيد من التضخم وأزمات على مختلف مستويات قطاع الاقتصاد، التي مازالت بحاجة لتمويل،

كي يتم النهوض بها والانتقال بالاقتصاد الروسي من مرحلة النشاط الأحادي، إلى تعددية النشاط الاقتصادي التي تشكل الضمانة الوحيدة لعدم خضوع الاقتصاد الوطني لتقلبات أسواق الطاقة، وانهيارات أسعار النفط والغاز.

إن المبادئ الأساسية لصناعة الطاقة الروسية تكمن في تلبية حاجات السوق الداخلية وتنفيذ الالتزامات الدولية، وتطوير البنى التحتية للنقليات بهدف تطوير واستثمار مواقع النفط والغاز الجديدة وتنويع اتجاهات التصدير. مازالت بانتظار إجراءات تنفيذية لإنقاذ البلاد من مسلسل الأزمات العالمية المتوقع، والذي يهدد باختناقات في السواق العالمية

مركز دراسات الطاقة ـ روسيا