وليد خدوري
فجأة، ومن دون مقدمات، وكأننا أمام كرة ثلجية تتدحرج بسرعة وتكبر مع انحدارها، مخربةً ما هو في طريقها، نلاحظ هذه الأيام تباطؤاً سريعاً وضخماً في معدل النمو الاقتصادي العالمي. وبدأ هذا التباطؤ الخريف الماضي بسبب أزمة الرهن العقاري الأميركي، واعتقد البعض بأن الأزمة محلية، رغم ان قطاع العقارات هو الأكبر اقتصادياً في الولايات المتحدة، لكن يتضح الآن ان العالم يواجه وضعاً أسوأ مما مرت به اليابان مع أزمة العقارات هناك نهاية القرن الماضي والتي بقيت آثارها مقتصرة على ذلك البلد. ويعود السبب في توسع آثار الأزمة الراهنة إلى تقلص حجم الديون التي تؤمّنها المؤسسات المصرفية الأميركية والأوروبية الكبرى للشركات ولأصحاب العقارات، ناهيك عن الخسائر الجمة التي لحقت بتلك المؤسسات بسبب الديون التي كانت أمّنتها لزبائنها العقاريين والتي يصعب عليها الآن تحصيلها.
وانتقلت العدوى الأميركية تدريجاً إلى المصارف العالمية التي تقدر أرقام خسائرها الأولية بنحو 200 بليون دولار، ومن ثم تأثرت أسواق الأسهم العالمية، وانخفضت أسعار النفط الخام بأكثر من 10 في المئة خلال كانون الثاني (يناير) أسوة ببقية الأسواق.
ونعتقد ان الأسعار ستتأثر سلباً مستقبلاً مع استمرار التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة وآثاره على الطلب الأميركي والعالمي على النفط الخام، إذ بدأنا نقرأ يومياً عن انخفاض التوقعات على الطلب لعام 2008. ورجح أحد التوقعات المهمة ان ينخفض مستوى الزيادة عن مليون برميل يومياً، وهذا يدعو إلى دق ناقوس الخطر، لأن هذا المعدل، في حال حصوله، يُعتبر منخفضاً جداً، وسيوصل الأسعار إلى مستويات متدنية.
ويحاول الرئيس الأميركي جورج بوش تدارك آثار الأزمة الاقتصادية على بلاده من خلال اقتراح مجموعة من الإجراءات، منها تخفيض الضرائب وتقليص النفقات الحكومية. إلا ان هذه الاقتراحات تلاقي معارضة من الديموقراطيين في الكونغرس لأسباب سياسية وبسبب المواقف المضادة للحزبين في الحملة الانتخابية الرئاسية.
واقترح بوش زيادة سقف إنتاج laquo;منظمة الدول المصدرة للنفطraquo; (أوبك) في الاجتماع الوزاري المقبل للمنظمة، إلا ان دولاً أعضاء كثيرة ترى وجوب دراسة عوامل العرض والطلب في الأسواق العالمية أولاً ثم اتخاذ القرار المناسب في ضوء ظل النتائج، مع الالتزام دائماً بسياسة تزويد الأسواق بما تحتاجه من إمدادات نفطية، أي عدم فتح المجال في نشوء أي شح غير طبيعي في إمدادات النفط، قد يدفع بالأسعار إلى الأعلى. وكما هو معروف، تُتخذ قرارات laquo;أوبكraquo; بالإجماع رغم الخلافات السياسية المعروفة بين بعض الدول، وذلك لضمان التنفيذ والصدقية اللازمة. ونشك كثيراً بأن يطرأ تغيير على هذه المسلّمات في طريقة عمل laquo;أوبكraquo; خلال الاجتماع المقبل في فيينا في 1 شباط (فبراير).
وفي خضم تسارع معدل التباطؤ الاقتصادي الأميركي والعالمي، طلب بوش ان ترفع laquo;أوبكraquo; سقف الإنتاج في اجتماعها المقبل من دون ان يحدد علناً مستوى الإنتاج المنشود. وأكد الطلب وزير الطاقة الأميركي ساميويل بودمان أثناء زيارته لدول الخليج الأسبوع الماضي كذلك من دون ان يعلن عن الكمية الإضافية المبتغاة. وتأتي المطالب الأميركية في وقت غريب جداً، فالأسعار في تراجع قبل هذه التصريحات ومن دون الحاجة إلى تدخلات سياسية. ويعود السبب إلى عوامل السوق التي يتحكم فيها خوف من تفاقم التباطؤ الاقتصادي وشيوعه. والجدير ذكره واللافت ان المسؤولَين الأميركيَّين لم يربطا بين ارتفاع أسعار النفط والأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. فلا علاقة لأسعار النفط، رغم ارتفاعها، بهذه الأزمة. كذلك لم يربط أي من الاقتصاديين العالميين المعروفين التباطؤ الأميركي بأسعار النفط العالية.
وثمة أسئلة كثيرة ترد إلى الذهن حول الطلب الأميركي هذا. فهو أتى متأخراً بعض الشيء، وفي وقت ينخفض سعر النفط تلقائياً كرد فعل على التباطؤ الاقتصادي العالمي، من دون الحاجة إلى أي laquo;ضغوط علنيةraquo; أو laquo;سياسيةraquo;، فقد انخفضت أسعار النفط تلقائياً بسبب الخوف من التطورات الاقتصادية المستقبلية. والأسبوع الماضي، فاقت هذه المخاوف تأثيراً إغلاق مرافئ تصدير النفط الخام في المكسيك بسبب ظروف مناخية، وإغلاق حقول إنتاجية نفطية مهمة في نيجيريا بعد هجوم من ميليشيات محلية عليها، واستيلاء جماعة laquo;جند اللهraquo; على بعض مقرات laquo;شركة نفط الجنوبraquo; في البصرة يوم عاشوراء.
لماذا الطلب الأميركي الآن، إذاً؟
يتضح ان طلب واشنطن زيادة الإنتاج مرده إلى محاولة الربط بين التباطؤ الاقتصادي والحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة من جهة، وبين زيارات المسؤولين الأميركيين إلى الدول العربية واجتماع laquo;أوبكraquo; المقبل من جهة أخرى. فالمسؤولون الأميركيون يعرفون تماماً الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع الأسعار، ويعلمون، وإن كانوا لا يصرحون بذلك علناً، ان العوامل الخارجية متعددة، تراوح بين المضاربات، والنقص في تشييد المصافي الجديدة في بلادهم، والاضطرابات السياسية في الدول المنتجة، ناهيك عن ارتفاع مستوى الطلب على الطاقة عموماً في بعض الدول النامية بسبب ارتفاع مستوى المعيشة.
* كاتب متخصص في شؤون الطاقة
- آخر تحديث :
التعليقات