محمد حامد ndash; إيلاف : تبدو مدينة دبي ظاهريًا وكأنها غير متأثرة بالأزمة المالية العالمية التي تعصف بالإقتصاد العالمي. فما زالت الرافعات تتأرجح في سماء دبي معلنة إستمرار السباق مع الزمن في مجالات البناء والعمران، وما زالت الصحف تعج بالإعلانات التي تبشر بإقامة المشاريع الجديدة. ففي يوم الرابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي تجمع السائحون من جميع أنحاء العالم يشاهدون افتتاح المنتجع الفندقي العملاق أتلانتس الذي تكلف 1.5 مليار دولار أميركي على جزيرة النخلة. ولم يكن هناك نقص في الأشخاص الراغبين في دفع مبلغ 25 ألف دولار نظير المبيت ليلة واحدة في غرفة في الفندق...!

صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; رصدت من خلال مراسلها في دبي quot;روبرت وورثquot; تأثير الأزمة المالية العالمية على quot;دبيquot; فبينما يلوح الركود في الغرب، فهناك هزات بدأت في الظهور في مدينة دبي الزاخرة بناطحات السحاب التي تحتضن المياه الفيروزية للخليج العربي. فقد بدأت البنوك تقلل من تقديم القروض على غير العادة، كما فرضت غطاء على خطط التمويل، فقد انخفضت أسعار النفط. وبدأت البورصات في المنطقة في الهبوط منذ شهر يونيو. وبعد الصمود لعدة أيام من أجل أن تظل منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط بمعزل عن المشكلات المالية العالمية، قدم بنك الإمارات المركزي حوالى 13.6 مليار دولار أميركي يوم 22 سبتمبر من أجل التغلب على مشكلات الائتمان ورغم ذلك فقد رأى بعض رجال البنوك أن هذا ليس كافيًا.

ويرى خبراء البنوك أن بعض مشاريع دبي الإنشائية المسرفة في البذخ مثل الأسواق التجارية الضخمة (المولات) والجزر الصناعية التي تتحدى طبيعة الخليج المائية، وأماكن الترفيه، من الممكن أن تتوقف إذا لم يتم تمويلها. حيث أن الأزمة المالية من الممكن أيضا أن تقلل الطلب من المشترين الذين سيواجهون وقتا عصيبا للحصول على رهونات. وسوف يكون التقلص شديدًا إذا ساءت الأزمة المالية في الغرب. حيث أن أسعار العقارات والإيجارات، والتي ما زالت ثابتة حتى الآن، من المتوقع أن تبدأ في الهبوط قريبًا.

وفي الوقت نفسه، فقد تأثرت ثقة المستثمرين في دبي بعد السلسلة الطويلة من الفضائح التي حدثت على مستوى عال في مجال المضاربة المالية، مما أدى إلى تعريض سمعة دبي كي تصبح مدينة رأس المال الإقليمية للخطر، ولكن الاجراءات الحكومية القوية التي ضربت بقوة أوكار الفساد كان لها أثر طيب في استعادة التوازن والمحافظة على سمعة المدينة الاقتصادية والاستثمارية.

ونقلت quot;النيويورك تايمزquot; أقوال شهود عيان على الوضع الحالي في دبي، حيث قال جيلبرت بازي، سمسار عقارات لبناني، والذي انتقل إلى دبي منذ عام مضى، بأن الكثير من الناس قلقون الآن وينتظرون أن يروا إذا كان ما حدث في الولايات المتحدة سوف يحدث هنا في دبي أم لا. فعندما وصل السيد بازي لأول مرة إلى دبي فقد كان المكسب وتكوين الأموال سهلا حيث كان هناك الكثير من الإيرانيين والروس والأوروبيين يشترون العقارات، وكانوا جميعا يتصلون به ويقبلون عليه من أجل الشراء ولا يسعى هو وراء العملاء. أما الآن فإن السيد بازي يجوب صالات الفنادق من أجل البحث عن مشترين، حيث أن السوق بدأت في الركود كما يقول.

ومن الإنصاف أن نقول أن دبي ما زالت منتعشة في مواجهة الأزمة المالية في المناطق الأخرى. فعلى الرغم من أنها ينقصها الثروة النفطية التي توجد في مثيلتها إمارة أبو ظبي، فإن دبي لديها ميزانية ضخمة وفائض في رؤوس الأموال، كما أن الحكومة قادرة ومستعد مثل جيرانها في الخليج العربي، لضخ كم هائل من النقود في النظام المصرفي من أجل حل المشاكل الائتمانية.

كما أن حكومات المملكة العربية السعودية وقطر قد حصدتا الكثير من أرباح النفط والغاز في السنوات الأخيرة لدرجة أنهما لم يكونا يعرفان كيف ينفقان تلك الأرباح غير المتوقعة. ولكن حكومات الخليج العربي تواجه تحديات اقتصادية حقيقية، حتى ولو كانت مشاكل مختلفة بدرجة كبيرة عن تلك المشاكل الموجودة في الغرب. وحتى وقت قريب، فقد كان الائتمان في دبي ينمو بمعدل 49 في المئة في العام، وفق ما ذكره بنك الإمارات المركزي، وهو معدل يبلغ تقريبًا ضعف معدل نمو ودائع البنك. وقد أوهن هذا عزيمة بعض رجال البنوك هنا في دبي والذين شعروا أنه من الممكن أن يؤدي إلى حدوث انهيار.

ويرى العديد من المحللين أن التباطؤ في اقتصاد دبي، والذي يتوقعون أنه لن يسوء إلى درجة الانهيار، سوف يجعل نمو المدينة أكثر ثباتًا وأكثر سلامة من خلال تقليل اعتماده على القروض والمضاربة في البورصة. وبالمثل، فإن السلطات في دبي تأمل أن تؤدي حالات الاعتقال الأخيرة التي حدثت بشأن الفضائح الكبيرة مؤخرا، إلى استئصال الفساد الذي يسود العديد من البلدان العربية. وقد كانت بعض تلك الاعتقالات من بين الإماراتيين ذوي الصلة بشخصيات كبيرة ، في إشارة واضحة إلى أنه ليس هناك استثناء لأحد، ومحاربة الفساد أصبحت من المبادئ الثابتة في دبي .

ومن المعروف تاريخيا أنه في بداية فترة الثمانينيات من القرن العشرين، وبعد تعثر العديد من بنوك دبي، أنقذت الحكومة هذه البنوك وأعادت إطلاقها. وفي بداية فترة التسعينيات من القرن العشرين، تم إنقاذ بنكين آخرين. وفي هذا الوقت، كانت دبي صغيرة جدا. إن النتائج غير المباشرة لمثل هذا التصرف الحكومي اليوم سوف يكون أكثر من مجرد إفساد صورة دبي كمركز للتنمية في منطقة الخليج العربي، فالاعتماد على الحكومة ربما يكون جزءا من السبب الذي يجعل الكثير من الأشخاص المحليين هنا في دبي لا يقلقون حتى الآن.

حيث يقول حسن الحساني، 26 عامًا، ويعمل مهندس مدني وهو مواطن إماراتي، والذي كان يتناول القهوة مع أقاربه وأصدقائه مساء الأربعاء الماضي في خيمة بدوية مقامة وسط ناطحات السحاب العملاقة في دبي أثناء الاحتفال بشهر رمضان: إننا لا نقلق لما يحدث، فقد يكون ذلك شيئا جيدا من أجل تهدئة بعض الأمور الأخرى.
وعلى بعد ياردات قليلة هناك مجموعة من السائحين يعجبون بالنموذج المصغر للمدينة السكنية والتجارية الجديدة التي سوف تنشأ في دبي والتي سوف تضم أكبر سوق تجاري في العالم.

وقد تساءل السيد حساني قائلا: أحيانا نتساءل، هل سيأتي الناس بالفعل للعيش في تلك الأماكن؟ ولكنه سريعا يزيل هذه الفكرة بابتسامة تذكر مستمعه أنه مواطن إماراتي له وجهة نظر مختلفة عن الأجانب الذين يشكلون غالبية المقيمين في دبي البالغ عددهم 1.3 مليون مقيم. ويستكمل كلامه قائلا: لابد أن تتذكر أنه منذ 30 عاما مضت، لم يكن أحد لديه هاتف هنا. وكان هناك مبنى واحد عال. كما كانت أسرتي تمتلك سيارة واحدة فقط.