تحت عتبة الفقر المائيّ و ارتفاع الكلفة
تحذيرات في تونس من تدهور الموارد المائيّة

إسماعيل دبارة من تونس
تواترت في الآونة الأخيرة التحذيرات شديدة اللهجة الداعية إلى ضرورة بلورة آليات وبرامج لتطوير الموارد المائية مستقبلا في تونس.
وحذّر عدد من الخبراء من أن البلاد قد تشهد ندرة في المياه في حدود عام 2050، وتشير مصادر عليمة بوزارة الفلاحة التونسية إلى أنّ طاقة الموارد المائية و المقدرة بنحو 4.860 مليون متر مكعب في العام منها 2700 مليون متر مياه سطحية و2160 مليون متر مكعب مياه جوفية ، بينما تبلغ الموارد القابلة للتعبئة 4660 مليون متر مكعب ، قد تجعل نصيب الفرد الواحد في عام 2050 تقدّر بـ 480 متر مكعب وذلك اعتبارا لتزايد عدد السكان البالغ حاليا 10 ملايين نسمة.

ويعتبر مقدار 480 متر مكعّب في السنة مصنّفا تحت عتبة ما يسمى بالفقر المائي، فطبقا للتصنيفات العالمية، فإن وضع المواد المائية يتسم بالحرج و الخطورة إذا قل نصيب الفرد عن ألف متر مكعب في العام كما يُوصف الوضع بالفقر المائي الخطير الذي يمكن أن يعوق النمو الاقتصادي والاجتماعي إذا قل نصيب الفرد عن 500 متر مكعب في العام، استنادا إلى التصنيفات الدولية.

وكشفت دراسة حديثة صادرة عن وزارة البيئة والتنمية المستديمة عن بلوغ الكلفة الجمليّة لتدهور الماء بالبلاد التونسية نحو 0.6 بالمائة من الناتج المحلي الخام أي 207.5 5 مليون دينار.

و تعمّقت الدراسة الرسمية في تحليل كلفة تدهور المياه في تونس وذلك بالتدقيق خاصة في تأثير الملوحة والتغدق والترسّب بالسدود والمياه المستعملة والمعالجة بطريقة غير كافية على مردود الفلاحة السّقوية وتأثير تلوّث المياه على إنتاج قطاع الصيد البحري والصحة البشرية والسياحة والتنوع البيولوجي والإفراط في استغلال المياه الجوفية لتلبية متطلبات أهم القطاعات الاقتصادية.

وخلصت الدراسة إلى تحديد النسبة الجمليّة لكلفة التدهور التي تتوزع على الفلاحة السقوية بنحو 97.9 مليون دينارا أي ما نسبته 0.19 بالمائة من الناتج المحلي الخام، بالإضافة إلى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية والذي قدّر بنحو 44.4 مليون دينار أي ما نسبته 0.13 بالمائة من الناتج المحلي الخام.

كما تتوزع هذه الكلفة على قطاع السياحة وقدر المبلغ بنحو 37.6 مليون دينار أي ما يعادل 0.11 بالمائة من الناتج القومي المحلي الخام.

وتبلغ كلفة تدهور الماء في قطاع الصحة نحو 33.5 مليون دينار أي ما نسبته 0.10 بالمائة من الناتج المحلي الخام.

و بخصوص تكلفة تدهور الماء في قطاع الصيد البحري كشفت ذات الدراسة عن تدهور بـ16.7 مليون دينار وهو ما يساوي 0.05 بالمائة من الناتج المحلي الخام كما تتوزع الكلفة على التنوع البيولوجي وحُددت بنحو 7.3 مليون دينار أي ما نسبته 0.02 بالمائة من الناتج المحلي الخام.

و أوصت الدراسة بتكثيف آليات التشجيع على مقاومة التلوث وإعادة استعمال المياه المعالجة وتحسين التنسيق بين الهياكل المتدخلة في مجال الماء بهدف العمل على تقليص الكلفة الحالية العالية لتدهور الموارد المائية في تونس.

و يرى خبراء تابعون لشركة استغلال وتوزيع المياه التونسية انه بعد سنة 2030 ستشهد البلاد نوعا من الاختلال في التوازن وسيكون الطلب على المياه الذي سيبلغ 2721 مليون متر مكعب ارفع بكثير من الموارد التقليدية المتاحة ، الأمر الذي سيؤدي إلى نمو الطلب على الموارد غير التقليدية.

و استنادا إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر عن الجامعة العربية فان الموارد المائية المتجددة هي الموارد المتاحة وهي ليست معبأة بكاملها حيث يستغل منها حاليا أقل من 180 مليار متر مكعب أي بنسبة 68% فتونس مثلا و مصر والأردن واليمن تستغل معظم هذه الموارد في حين أن الجزائر وسوريا ولبنان وعمان والمغرب وموريتانيا تستغل مابين 11% و 35% من مواردها التقليدية المتجددة. أما ليبيا ودول الخليج فتستغل كامل مواردها التقليدية وتلجأ إلى الموارد غير التقليدية كالتحلية والمياه غير المتجددة.

وتعود الأسباب الكامنة وراء الاستهلاك المفرط للماء استنادا إلى بعض الخبراء أساسا إلى قدم قنوات المياه والتجهيزات الصحية (طارد المياه) التي تساهم في ضياع كمّيات هامة من المياه إلى جانب الضغط الكبير الذي تعرفه الشبكات.

وتقدر التقارير المطلعة الاستهلاك المفرط للمياه في حدود 800 لتر في اليوم بالنسبة للسرير الواحد في المنشآت الاستشفائية والى 100 لتر في اليوم لكل عون بالنسبة للإدارات العمومية و550 لترا يوميا للمقيم في المؤسسات الفندقية و300 لتر يوميا للطلب في المبيتات الجامعية. وتعتبر هذه النسب من الاستهلاك ارفع بمرتين مقارنة بمعدّل استهلاك الأسرة.

أما توزيع استهلاك المياه المقدر بنحو 315 مليون متر مكعب سنويا فينقسم إلى 54 بالمائة بالنسبة للمساكن والمنشآت العمومية و33 بالمائة للقطاع الصناعي و13 بالمائة للقطاع السياحي.

ويمثل مشتركو الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه المقيمون بالجهات الساحلية أصحاب النزل والمصانع ، النسبة الأكبر من مستهلكي الماء بنسبة تصل إلى 46 في المائة من مجمل مشتركي الشركة البالغ عددهم 1. 846 مليون مشترك حسب آخر الإحصاءات ، ويليهم في الترتيب المشتركون في إقليم تونس الكبرى بنسبة 34 بالمائة فالمناطق الداخلية بـ 20بالمائة.

كما تتسم الموارد المائية العميقة في الجنوب بملوحتها وبعدم تجدد المياه السّطحية فيها وهو ما يفرز آثارا سلبية على هذه المنطقة التي تتزايد حاجياتها من المياه المنزلية ذات الجودة العالية.

و ترددت في الآونة الأخيرة شكاوى العطش الصادرة عن متساكني محافظات الشمال و خصوصا الرّيفية منها ، فعديد القرى يصلها الماء مرتين في الأسبوع لساعة أو ساعتين فقط، رغم أن تلك المناطق تعدّ الخزّان الرئيسي للمياه بالبلاد التونسيّة إذ تضمّ حوضان رئيسيان هما حوض quot;أقصى الشمالquot; و حوض quot;مجردة،quot; يشمل الأول سهول نفزة وفرنانة و مرتفعات خمير من محافظة جندوبة وتفوق حصيلته السنوية من الأمطار 800مم و بذلك فهو يعدّ من أهم المجالات المائية السطحية بالبلاد وقد قامت الحكومة منذ السبعينات بتكثيف استغلال الحوض و تعبئة موارده و خاصة تحويل فوائضه المائية إلى مناطق أخرى بالأقاليم الساحلية بواسطة منظومة مائية من القنوات و المنشات الصغرى و المتوسطة.

ويعتبر حوض مجردة من أهم الأحواض المائية التونسية من حيث الإمكانيات المائية حوالي مليار متر مكعب و تتجاوز كميات الأمطار به سنويا 600 مم بمحافظة quot;باجةquot; وquot;عمدونquot; و تسجل به سنويا كميات هامة من المياه السطحية مما جعله موطنا لعديد السدود الكبرى منها سد سيدي سالم اكبر سد بالبلاد إضافة إلى ألاف البحيرات ، ورغم ذلك يعاني سكان هذه المناطق من النقص الحاصل في الماء.

ومن المتوقّع أن يكون موضوع نقص الموارد المائية قضيّة رئيسية وساخنة خلال العقدين المقبلين في تونس بحسب خبراء دوليين لطالما أكّدوا أنّ الغالبية الساحقة من سكان العالم ليس لديهم سوى مصادر محدودة من المياه النقية الأمر الذي قد يستدعي حلولا واستراتيجيات جماعيّة قد تتجاوز الأقطار.