عبدالله بن ربيعان: يأمل الكثير من الاقتصاديين ورجال المال والأعمال في العالم بأن يسفر اجتماع القمة العالمية الاقتصادية التي تعقد غداً في العاصمة الأميركية واشنطن عن قرارات حازمة تعيد تشكيل الإطار الذي يسير عليه الاقتصاد العالمي خلال الـ 30 عاماً المقبلة.


قمة الـ20 الكبار التي دعا اليها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش باقتراح من الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي، ويحضرها رؤساء الدول الثماني الكبرى إضافة الى الهند وروسيا ورؤساء الدول النفطية الكبرى في العالم وابرزهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويراقبها الملايين خلف الشاشات والاذاعات، ينتظر منها أن تسفر عن اتفاق عالمي على غرار اتفاق laquo;بريتون وودزraquo; الشهير الذي نتج من قمة عقدت في منتجع بريتون وودز الصيفي في ولاية نيوهامبشر الأميركية خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر حزيران (يونيو) 1944، وهدف إلى تلافي ما حدث لاقتصاديات العالم جراء الكساد الكبير (1929 - 1933) ومنع تكرار الأزمة، واعمار أوروبا جراء الدمار الذي تسببت فيه الحرب العالمية الثانية (1939-1944)، ونتج عنه اتفاق تثبيت العملات بمعدن الذهب من خلال وساطة الدولار الاميركي، وانشاء البنك والصندوق الدوليين، والخطوط الأولى لاتفاق laquo;الجاتraquo; الذي تحول في ما بعد الى اتفاق التجارة الدولية.
القمة العالمية المنتظرة سيكون نجومها هذه المرة سياسيين وليسوا اقتصاديين، ولعل ابرزهم الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني جوردان براون، إضافة الى الرئيس الأميركي المنتخب باراك اوباما الذي سيكون دعمه ضرورياً لنجاح ما ستسفر عنه القمة، خصوصاً خلال السنة الأولى من تطبيق بنود اتفاقها المنتظر ميلاده مع اختتام القمة.


وعلى رغم ان القمة لا ينتظر منها انشاء صناديق عالمية على غرار ما حدث في بريتون وودز، الا ان هناك أموراً اقتصادية ومالية لا تقل أهمية، خصوصاً في المرحلة الراهنة التي تعصف فيها الأزمات المالية بالدول كبيرها وصغيرها، وسيكون تركيز القمة على أمور عدة لمعالجة الأزمة الراهنة ومنع تكرارها، ومن هذه الاولويات تعقب ومحاربة وكالات التقويم ratings agencies، التي برهنت على عدم صدقية تقويماتها، وجرت المصارف ومؤسسات الاقراض الى اقراض من لا يستطيع السداد، وهو ما سبب وقوع الأزمة الحالية.
ومن الأمور المنتظر ان تسفر عنها القمة أيضاً اعادة تنظيم عمل صناديق التحوط وبعض المؤسسات المالية الأخرى التي اصبحت تزاحم عمل المصارف التقليدية، وكذلك ضخ سيولة مالية كبيرة في صندوق النقد الدولي لمساعدة الدول التي لديها اضطراب في بنيتها المالية، وستكون دول laquo;اوبكraquo; والصين هما فرسا الرهان في هذا الشأن، كما سيكون لدعم اتفاق جولة الدوحة المتوقف منذ سبعة اعوام نصيب من الاجتماع العالمي، وكذلك اعادة النظر في كيفية منع الأساليب القانونية التي تلجأ اليها الشركات للحصول على اعفاءات ضريبية من خلال تنقلها بين بلد وآخر او ما يعرف بـ laquo;التاكس هيفن tax havensraquo; وهي التي دعا الرئيس الفرنسي ساركوزي لتعقبها ومنعها خلال مئة يوم فقط.


وان كانت القمة تعقد على أعلى مستوى سياسي واقتصادي في العالم، وينتظر كما ذكرنا سابقاً ان تكون بريتون وودز الثانية التي ترسم خطة العالم المالية للثلاثين عاماً المقبلة، الا انها تفتقد (بحسب بعض الاقتصاديين) الى الاطار النظري والفكري الذي تقوم عليه، والذي قاده بكل كفاءة واقتدار قبل بريتون وودز الأولى واثناءها وبعدها الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز (1883-1946)، ولذا فإن قدرة القمة على الاتفاق على هيكل عملي قابل للتطبيق لكل دول العالم أمر ينقصه لمسات مفكر مثل كينز، ولن نستبق الأحكام، فالأيام حبلى بالمفاجآت، فربما خرجنا من الأزمة بـ laquo;كينزraquo; آخر وان كان سيكون هذه المرة سياسياً لا اقتصادياً.