لندن: ينظر الخبراء إلى الاقتصاد السعودي اليوم نظرة إيجابية إلى حد بعيد، فمع تجاوز برميل النفط حاجز مائة دولار، والمخزون الهائل الذي تمتلكه البلاد من الخامات، تستمر العوائد الهائلة بالتدفق، ويقدّر الخبراء أن الرياض صدرت من النفط عام 2007 وحده ما قيمته 165 مليار دولار.

وبالرغم من أن ذلك قاد الاقتصاد السعودي لتحقيق نمو بلغ 5.7 في المائة عام 2007، إلا أن البعض يحث على ضرورة متابعة عمليات تنويع الاقتصاد، إذ أن أي تراجع في أسعار النفط سينعكس على مستوى النمو ككل، إلى جانب الحاجة لمعالجة ملفات ساخنة مثل خلق الوظائف ومكافحة التضخم وتحديد موقف من الربط بالدولار.

وتشكل عوائد النفط قرابة 90 في المائة من إجمالي الدخل السعودي، وغالباً ما تسجل الميزانية العامة فائضاً في نهاية السنة المالي بفعل التسعيرة quot;المتحفظةquot; التي تعتمدها للنفط، والتي لا تتجاوز حالياً 45 دولاراً للبرميل.

ويؤمن ذلك للرياض الكثير من المرونة فيما يتعلق بموازنتها، وقدرتها على امتصاص تبدلات الأسعار - في حال التراجع - أو حتى تحقيق زيادات وفوائض بلغت عام 2007 أكثر من 47.6 مليار دولار، رغم أن الإنفاق تجاوز الحدود المقررة مسبقا.

وكان المصرف السعودي البريطاني، quot;سابquot; قد قدّر أن تكون الرياض قد حصدت أكثر من 165 مليار دولار كعوائد نفطية خلال العام 2007، وهو رقم أكبر بـ 118 في المائة من كامل الدخل الوطني للإمارات العربية المتحدة للعام 2006، وأكبر بخمس مرات كامل الدخل الوطني لقطر عن العام نفسه.

ورغم الطفرة الحالية، التي قادت نمو السعودية إلى مستوى 5.7 في المائة، فإن البلاد ما تزال تواجه مشاكل جدية، أبرزها مستويات البطالة المرتفعة.

وتشير إحصائيات الإدارات الرسمية إلى أن جهود خلق الوظائف دخلت في سباق حقيقي مع الواقع الديمغرافي للبلاد، حيث من المتوقع أن يزداد العدد الإجمالي للسكان بمقدار 40 في المائة بحلول العام 2020، مما دفع تلك الدوائر إلى الدعوة للدفع باتجاه دعم وجود قطاع خاص قوي وفاعل منعاً لظهور أي مشاكل اقتصادية واجتماعية على المدى البعيد.

ويشكل التضخم هماً إضافياً في السعودية، ففي يناير/كنون الثاني الماضي، سجلت تكاليف المعيشة أعلى ارتفاع لها منذ 27 عاماً، بمعدل سبعة في المائة، ومن المستبعد أن تتراجع هذه النسب في الفترة المنظورة.

وقد سبق لنائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، محمد الجاسر، أن توقع استمرار ارتفاع التضخم خلال العام 2008 بانتظار أن يتمكن القطاع العقاري من توفير المزيد من العرض لإشباع الطلب المتزايد.
ويشكل ملف الربط بالدولار جانباً شائكاً أيضاً من الاقتصاد السعودي، وقد سبق أن خرجت أصوات ذات مصداقية على المستوى الاقتصادي، وفي مقدمتها المدير السابق للمصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، آلان غرينسبان، للمناداة بأن فك ارتباط الريال السعودي بالعملة الأمريكية المتدهورة سيحد من التضخم.

لكن الرياض ترفض عملياً النظر في هذا الخيار، وليس أدل على هذا الموقف مما قاله محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، حمد السياري، أمام مجلس الشورى خلال جلسات الاستماع المخصصة للملف الاقتصادي حول هذا الموضوع.

فقد حذر السياري من أن ما وصفه quot;الحلول السهلةquot; قد تكون quot;كارثيةquot; على المدى البعيد، وفي الواقع، فإن مؤسسة النقد تراهن على أن المبالغ التي خصصتها لتحسين التأمينات الاجتماعية وزيادة الدعم على بعض المواد وتحديد الإقراض quot;ستؤتي أكلهاquot; خلال الأشهر المقبلة.

أما على المدى البعيد فالخطط حاضرة لبناء مجموعة من المدن الاقتصادية الجديدة خلق الوظائف وتأمين السكن والتعليم.

أما أكبر تلك المدن فهي تلك التي ستحمل اسم العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي وضع الرؤية الأساسية لهذه المشاريع التطويرية.

وستتألف مدينة الملك عبدالله الاقتصادية من منطقة سكنية وأخرى تعليمية وثالثة صناعية، إلى جانب منتجعات ساحلية وبحرية ومراكز للمال والأعمال، ويمكن أن تستوعب أكثر من مليوني ساكن وتوظّف مليوناً منهم.

وسينتهي العمل على تلك المدينة بحلول العام 2016، وبتكلفة 100 مليار دولار، ورغم الفترة القصيرة المحددة لإتمام هذا المشروع فإن المملكة تراهن على أنها ستنجح من خلاله في رفع نمو المنطقة وزيادة معدلات التوظيف فيها.