ماجد محمد قاروب
عرف الفقه القانوني القوة القاهرة بأنها أمر ليس في الإمكان الاحتراز منه ولا في الوسع توقعه ويجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً.
وهذا يعني عدم قدرة الملتزم بأداء عمل عن القيام بالعمل لأسباب خارجة عن إرادته وليس له القدرة على السيطرة عليها أو التعامل معها.
ويعيش حالياً الاقتصاد السعودي مرحلة دقيقة وحساسة من تغير عام للمعطيات الاقتصادية بشكل جذري وعميق فمن قلة للموارد وانخفاض للدخل العام وانعدام المشاريع الاستثمارية تبدل الحال للأفضل والأحسن بفضل من الله سبحانه وتعالى من ارتفاع دخل الدولة بأرقام قياسية غير مسبوقة وإصلاحات حكومية ودعم غير مسبوق للقطاع الخاص للمشاركة في تنفيذ وتمويل العديد من مشاريع الدولة، ناهيك عن التوسعات الرأسية والأفقية لمشاريع القطاع الخاص في مختلف المجالات والقطاعات والمناطق وهي من أهم توجهات القيادة حفظها الله في توزيع التنمية على جميع مناطق المملكة.

فوجدنا مشاريع الجامعات ومعاهد التدريب والمدن الاقتصادية كل ذلك أوجد شكلاً جديداً للقوة القاهرة التي تؤدي إلى عدم قدرة الملتزم وهو المقاول لأن حجم المشاريع والأعمال من مختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية وكذلك القطاع الخاص أدى إلى زيادة أسعار مواد البناء والأسمنت بل واختلال كبير بين حجم العرض والطلب ما أدى إلى نقص للمعروض مقابل الطلب، بالإضافة إلى زيادة الأسعار التي شملت مصاريف النقل والتأمين وأجور العمالة العادية والمدربة وشح في الموارد البشرية لإدارة الأعمال والمشاريع ويضاف إلى ذلك زيادة جميع أنواع مصاريف المعيشة التي تدخل في التكلفة المباشرة لحساب التكاليف زاد عليها ضعف الدولار بالإضافة إلى زيادة غير متوقعة أيضاً في قيمة الجنيه الإسترليني واليورو الأوروبي والفرنك السويسري مما يلغي أي قيمة أو حديث عن استيراد مواد البناء أولاً لزيادة أسعارها عالمياً لقوة الطلب العالمي ومضاعفة سعرها بسبب تغير قوة العملات الأجنبية.

كل ذلك مجتمعاً يجعل قدرة المقاولين للقيام بأعمالهم ومشاريعهم شبه معدومة بل معدومة تماماً وتحقق خسائر وأضراراً مادية ضخمة جداً ومباشرة، تجعل المقاول أمام خيارين لا ثالث لهما، أولهما هو التوقف الكامل أو الجزئي وهو يعني الاتجاه للخسارة في حدود المقدرة المتاحة والاستعداد لسحب المشاريع والغرامة من خلال القضاء، وثانيهما الاستمرار في المشاريع وهي لن تؤدي إلا إلى تحقيق الخسائر بل ستؤدي إلى الانهيار أو الإفلاس.

ولذلك ولإنجاز مشاريع الوطن التي يتكرر التوجيه في اجتماعات مجلس الوزراء الموقر بضرورة الإسراع في تنفيذ المشاريع من فائض الميزانية أو المشاريع المعتمدة في الميزانية بما يؤكد على عدم قدرة المقاولين على الالتزام بالأعمال، وحتى إجراءات خفض نسبة الجمارك فإن أثرها مقارنة بحجم المشكلة أصبح عديم الأثر، والتسهيلات التي منحت للشركات الأجنبية ليست محفزة نظراً لانشغال تلك الشركات بمشاريع في أوطانها والبلدان المجاورة التي تتمتع بمرونة أكبر وأفضل في تسعير المشاريع وسداد المستحقات ونظام إجراءات حكومي أحدث وأكثر وضوحاً وشفافية في التطبيق والتنفيذ بما في ذلك الإجراءات الخاصة بالترخيص وتسهيلات العمل والتقاضي وغيرها من الأمور التي تجعل تلك الشركات تحجم عن المشاركة في قطاع المقاولات السعودي.

فتجتمع كل تلك المعطيات لتؤكد أن قطاع المقاولات وأقصد به الإنشاءات والتشييد بالإضافة إلى الصيانة والتشغيل يعيش ظروف القوة القاهرة التي تمنعه من الوفاء بالتزاماته ولم يتبقَ أمام وزارة المالية والوزارات الأخرى ذات العلاقة سوى التحرك الفوري والسريع والعاجل لإعادة تسعير المشاريع بزيادة لا تقل عن 20% إلى 35% لمقابلة الزيادة الكبيرة في الأسعار وغيرها من الأسباب وذلك لتمكين قطاع المقاولات من القيام بأعماله والاستمرار فيها مع الأخذ في العلم بأن التأخير في اتخاذ قرار هذا النوع سيؤدي من ناحية إلى زيادة تكلفة تنفيذ المشاريع بما لا يقل عن 50% خلال عام واحد فقط وسيؤدي كذلك إلى استمرار الخسائر وضعف الملاءة المالية والفنية لشركات قطاع المقاولات وتأخير خطط التنمية الشاملة للدولة وتأخير خطط الإصلاح الاقتصادي وتأجيل المشاريع الاقتصادية والاستثمارية التي من الممكن أن تفتح آفاق عمل ووظائف وتوطين للأعمال والوظائف وسيُدخِل شركات المقاولات في قضايا مع أصحاب المشاريع الحكومية والخاصة وكذلك في قضايا مالية مع البنوك المانحة للتسهيلات.

ولعل من زار مدينة جدة واطلع على مبنى المحكمة العامة الجديد المفترض الانتهاء منه منذ ما يقارب العامين دون أن يتمكن المقاول من عمل شيء بسبب نظام المشتريات الحكومية وعدم القدرة على اتخاذ القرارات التصحيحية اعتبره خير دليل على أثر زيادة الأسعار على قطاع المقاولات وهي مجتمعة تؤكد على القوة القاهرة التي لن يحلها سوى تدخل فوري وسريع وحاسم من قبل الدولة وبخاصة وزارة المالية فسوف لن يكون مستغرباً أن نسمع ونشاهد توقف المقاولين عن استكمال تنفيذ الأعمال ليصل القطاع إلى شلل تام وكامل الخسارة التي ستكون في اتجاهات عدة وأهمها خطط التنمية والتطوير الاقتصادي والاجتماعي.
والله الموفق،،،

* كاتب ومحام سعودي