محمد عبدالله السيف: قبل أيام وعلى ضفاف الخليج العربي، وقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، في لحظة مهمة وفي مناسبة كريمة من مناسبات واحتفالات الوطن، ليقدم شكره وتقديره، أصالةً عن نفسه ونيابة عن أبناء وطنه، إلى المليك المؤسس الموحد، عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، الذي جمع الله به القلوب ووحد به البلاد. والذي منّ الله عليه، ما إن فرغ من مهمته التوحيدية، حتى سال ساحل بلاده الشرقي نفطاً دافقاً، ليبدأ مرحلة جديدة من مراحل التوحيد والبناء، وليدشن بذلك المشروع الاقتصادي الكبير، حينما وجّه وزير ماليته الشيخ عبدالله السليمان ليوقع أول اتفاقية في تاريخ النفط السعودي، مع السيد هاملتون، ممثل شركة ستاندر أويل أوف كالفورنيا، وذلك بتاريخ 4 صفر 1352هـ، الموافق 29 أيار (مايو) 1933م لتبدأ الشركة نشاطها في أعمال البحث والتنقيب، ولم يحل عام 1938 إلا وتدفق النفط وسال من البئر التي سُميّت quot;الدمام رقم1quot; بل وتم تصديره في العام نفسه، ليشرف الملك عبدالعزيز بنفسه على تصدير أول شحنة من نفط بلاده إلى العالم، لتتحول منطقة الخليج العربي، بعدها، إلى منطقة ذات صراع دولي وأهمية كبرى، نظراً لما بات يمثله النفط من أهمية في حياة الشعوب.
بعد 75 عاماً من توقيع عبدالله السيلمان على تلك الاتفاقية، يقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ليقول لشركة أرامكو: quot;شكراً بعدد لحظات خمسة وسبعين عاماً لوقود التنمية الوطنية، مادةً وإنساناً، فشكراً أرامكو رجالاً ونساءً جيلاً فجيلquot;. ولا شك أن أرامكو، مادة وإنساناً، ومن ورائها جميع أبناء وبنات هذا الوطن، سيقولون شكراً خادم الحرمين الشريفين، شكراً على رعايتك واهتمامك، وشكراً على هذا المُنجز الوطني الكبير، المتمثل في أكبر شركة نفط في العالم.
كان لهذا النفط، الذي سال في الساحل الشرقي من البلاد، قبل سبعين عاماً، أثره الكبير في التأثيرات والتحولات التي شهدها المجتمع السعودي. إذ ثمة تغيرات جذرية أحدثها النفط في بُنية المجتمع، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. وقد حاول عدد من الباحثين قياس ودراسة هذه التأثيرات. كما أن عدداً من مثقفي هذه البلاد قد تساءلوا: هل النفط نعمة أم نقمة؟! وهذا هو السؤال الذي طرحه الشيخ عبدالله بن خميس في صحيفة quot;الجزيرةquot;، قبل أكثر من أربعين عاماً، حينما كان رئيساً لتحريرها، وقد شاركه عدد من الأدباء والمثقفين وأدلوا بدلوهم في الإجابة عن هذا التساؤل، من خلال معرفة وقياس الأثر الذي أحدثه النفط، وإن كانت إجابة أغلب الذين شاركوا هي أن النفط نعمة إذا أُحسن استغلاله ووجّه التوجيه السليم نحو رفاهية المواطن وتنميته.
وفي منحى آخر، ثمّة من أعلن سخطه على هذا النفط، ذلك لأنه أسهم مساهمة كبيرة في تحويل حياة الناس من البداوة والترحال إلى الاستقرار والتحضر، من ذلك ما عبّر عنه الشاعر النبطي بندر بن سرور، بقوله:
سلّط على النصراني اللي لقى الزيت ياعل نبع الزيت يعمي عيونه
لولاه تحتاج المراجل شفاليت تحتاج شيء يقصر النذل دونه !!
هنا بندر، يلوم النصراني، الذي هو شركة أرامكو الأمريكية، على عملها في اكتشاف النفط. ومن هذه الأبيات يتضح صراع ابن البادية، الذي اعتاد الترحال وقطع الفيافي، مع هذا المُكتشف الجديد على بيئته، والذي يدعوه إلى التحضر والاستقرار، من أجل البناء والتنمية، غير أن بندر لا يريد ذلك، وإن أرغمه الزيت فيما بعد!
هذا هو بندر مع الزيت، أما شعراء ومثقفو العرب، كنزار قباني ومطر ومظفر ومنيف، فقد جردوا quot;نفط الخليجquot; من كل فضيلة! وحمّلوه مآسي وهزائم العرب، من حرب 48 إلى آخر هزيمة في السجل الخالد، مروراً بهزيمة 76 وعبور 73، حتى وإن كان النفط أداة فاعلة في حرب العبور! إلا أنه لديهم هو من خدّر الشعوب! فقط quot;نفط الخليجquot; أما نفط العراق وليبيا، فهما من قادا الأمة إلى النصر، إن كان ثمة نصر! ولهذا حديث آخر يطول!
- آخر تحديث :
التعليقات