وليد خدوري
مستغرب طرح السؤال عن ذروة أسعار النفط في الفترة الحالية، بعد الارتفاع الذي حصل الأسبوع الماضي، إذ سجلت الأسعار الخميس أعلى زيادة لها في يوم واحد من التداولات، تزامناً مع انخفاض قيمة الدولار وبروز توقعات بأن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة على اليورو الشهر المقبل. وبلغت القفزة نحو ستة دولارات دفعة واحدة، وسُجّل هذا الارتفاع بعد يومين متتاليين من تراجع الأسعار بسبب الخوف من انعكاسات انخفاض الطلب على مستوى الأسعار المستقبلي.

ما المبرر إذاً لطرح السؤال حول ذروة الأسعار حالياً، مع كل هذه التذبذبات في الأسواق؟ يكمن السبب في بروز مؤشرات مهمة في الأسواق يمكن أن تؤثر سلباً في الأسعار في المستقبل المنظور.

يتمثّل المؤشر الأول في عدم استطاعة بعض دول منظمة laquo;أوبكraquo; إيجاد المشترين لكل إنتاجه من النفط الخام. وتشير تجارب سابقة إلى ان الأسعار تبدأ بالتراجع عندما تفيض الإمدادات عن الطلب، خصوصاً عندما يصبح الموضوع علنياً كما هي الحال الآن.

كما شحنت إيران بعض نفوطها في ناقلات مستأجرة من دون وجود مشترٍ لهذه النفوط. ويمكن عزو السبب في إخفاق إيران في بيع بعض إنتاجها من النفط إلى كونه من النفط الثقيل أو المتوسط النوعية، أو إلى أنها لا تصدر نفوطها إلى الولايات المتحدة (أكبر سوق في العالم لاستهلاك النفط) بسبب مقاطعة واشنطن للواردات النفطية الإيرانية. ولكن المشكلة نفسها برزت مع الجزائر، فقد أعلن وزير الطاقة الجزائري شكيب خليل ان شركة النفط الوطنية laquo;سوناطراكraquo; لا تستطيع بيع كل إنتاجها من النفط، علماً ان النفط الجزائري هو من النوع الخفيف والقليل الكبريت، أي مرغوب عالمياً، كما تُصدر كميات من النفط الجزائري إلى السوق الأميركية.

ويتمثّل المؤشر الثاني في انخفاض الطلب على النفط في كثير من بلدان العالم الثالث، خصوصاً بعد ان بادرت حكومات دول آسيوية الى تقليص الدعم لأسعار المحروقات المحلية، بعد عبوره مستوى 120 دولاراً للبرميل، وعجز موازناتها تحمل الأعباء المالية الناجمة عن الأسعار العالية. وتقدّر دراسة لـ laquo;بنك كريدي سويسraquo; ان مستوى الدعم الذي قدمته الدول الآسيوية لأسعار المحروقات المحلية العام الماضي بلغ نحو 70 بليون دولار. ومعروف ان دولاً آسيوية لا تقدم الدعم للأسعار المحلية للمحروقات، ومنها سنغافورة وتايلاند والفيليبين، ما يعني ان أسعار المحروقات في تلك الدول الثلاث تتغير مع تبدل الأسعار العالمية، ارتفاعاً أو هبوطاً.

لكن على رغم مبادرة بعض الدول الآسيوية إلى خفض الدعم عن المحروقات، يجب ان تتخذ خطواتها هذه بحذر وتأنٍّ، خوفاً من ردود فعل سياسية واضطرابات يمكن ان تشعلها ظاهرة ارتفاع أسعار المحروقات، ناهيك عن ارتفاع آثار التضخم في الطبقات الاجتماعية المختلفة. ففي إندونيسيا، مثلاً، حيث تبلغ قيمة الدعم للمحروقات نحو ثلاثة في المئة من ناتج الدخل القومي، خفضته حكومة جاكرتا 30 في المئة. وعلى رغم هذا الخفض، لا تزال أسعار المحروقات في إندونيسيا أقل من مثيلاتها العالمية. وفي الصين، ثاني دولة مستهلكة للمحروقات في العالم، يُتوقع ان تقلص حكومة بكين الدعم بعد انتهاء الألعاب الأولمبية على أراضيها في نهاية الصيف، وليس قبل ذلك، لكي لا تؤثر في الاحتفالات المرافقة للألعاب. وثمة عوامل أخرى إلى جانب هذين المؤشرين، مؤثرة ترفع من سعر النفط، فهناك مثلاً الانخفاض في قيمة الدولار واعتماد مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي سياسة خفض الفوائد لمساعدة الاقتصاد الأميركي على تخطي الأزمة التي يمر فيها. تؤثر هذه السياسة سلباً في قيمة الدولار في الوقت نفسه، ما يؤدي بدورها إلى ارتفاع أسعار النفط. فما دام هذا هو التوجه في واشنطن، سنبقى ندور في شكل أو آخر في الحلقة المفرغة نفسها من ارتفاع أسعار النفط.

ويؤثر انخفاض قيمة الدولار في مستوى المضاربات، ويزيد من حدتها، لأنه يدفع بالمضاربين أكثر فأكثر إلى الهروب من أسواق الدولار، خوفاً من انخفاض قيمته المستقبلية وآثار هذا في التضخم، ومن ثم اللجوء إلى أسواق المواد الأولية، ومنها النفط.

تبقى إذاً صورة مسيرة الأسعار المستقبلية ضبابية، مع توافر هذه العوامل المتناقضة. والجواب على السؤال المطروح هو: متى ستبدأ عوامل السوق الأساسية في لعب دورها المعهود في هذه الحالات. وهذا بالفعل ما تنتظره الصناعة النفطية العالمية حالياً.

توقع رئيس شركة laquo;توتالraquo;، كريستوف دي مارجوري، ان يستمر مستوى الأسعار عالياً لأسباب كثيرة، منها زيادة الطلب في دول العالم الثالث ومحدودية الطاقة الإنتاجية الجديدة. وتوقع ان تنخفض الأسعار إلى 80 دولاراً. وهذه توقعات فقط، ولكن من قبل واحد من أبرز خبراء صناعة النفط العالمية. السؤال هو: هل سيتحقق هذا السعر، ومتى، وما هي الفترة الزمنية التي يمكن المحافظة خلالها على سعر كهذا؟


* كاتب متخصص في شؤون الطاقة