د. عبد الوهاب بن سعيد أبو داهش
لو كانت المؤتمرات والمنتديات تحل إشكالية الأسعار لقلت إن منتدى جدة سيكون أقوى مؤتمر يستهدف خفضاً قوياً لأسعار النفط. إلا أن الحقيقة والتجربة تكمن في أن عوامل السوق الجوهرية (العرض والطلب الحالي والمستقبلي، وليس الحالي فقط) هي التي تحدد أسعار السوق لأية سلعة ومنها النفط. وإن أسواق التحوط ومؤشرات السلع والأسواق ما هي إلا مؤشرات منبهة ومرشدة لتوجه الأسعار والأسواق المستقبلية، وكذلك النمو الاقتصادي المستقبلي المتوقع. وكما هو معلوم فإن الأسعار التي يحددها العرض والطلب ما هي إلا انعكاس لكل المعلومات والأحداث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأية مخاطر محتملة لسوق أية سلعة، مما يجعلنا نؤكد القول إن منتدى جدة ndash; ورغم أهميته ndash; لن يسهم في خفض الأسعار كما يأمل البعض. بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك حيث توهموا أن أسعار النفط قد تشهد انهيارات مشابهة لما حدث في سنة 1998 نتيجة الأزمة الآسيوية الحادة، على خلفية أن أوبك ضخت من النفط الكثير حتى تبقي أسعار النفط منخفضة، وبالتالي تساهم في تخفيف حدة الأزمة الآسيوية على الاقتصاد العالمي.
فالبعض يرى أن أوبك إذا أقدمت على زيادة الإنتاج بأكثر مما ينبغي فقد يؤدي ذلك إلى زيادة المعروض من النفط، وكذلك زيادة المخزون النفطي مما يهوي بأسعار النفط إلى مستويات نهاية التسعينيات. وهذه النظرة تبدو تشاؤمية للغاية. بل إن عودة النفط إلى مستوى 40 دولاراً للبرميل هي أيضاً أمر غاية في الصعوبة. فإذا هوت أسعار النفط بفعل زيادة العرض وركود الاقتصاد العالمي بما فيه الاقتصاديان الصيني والهندي، فلن تكون تحت 60 دولاراً للبرميل. وهو السعر (60 دولاراً للبرميل) الذي تحتاج إليه موازنة الحكومة السعودية لتحقيق موازنة متوازنة ونمو اقتصادي مستدام. والكلام نفسه قد ينطبق على الدول المنتجة للنفط الأخرى، مما يجعلنا نؤكد أن ارتفاع أسعار النفط الحالية ليس من مصلحة أية دولة على وجه الأرض، سواء كانت منتجة أو مستهلكة للنفط. فقد أدى ارتفاع أسعار النفط بهذه الصورة إلى رفع تكلفة النمو الاقتصادي على الدول المنتجة. وأرى أن زيادة إنتاج النفط في محاولة لخفض أسعاره، وبالتالي خفض تكلفة النمو قد لا تكون طريقة مجدية، لأن ارتفاع تكاليف النمو هي نتيجة زيادة الطلب العالمي - ليس على النفط وحده بل وجميع المواد الأولية من دون استثناء. ولست مع القول إن زيادة الإنتاج النفطي ليصل إلى الطاقة القصوى تعني خفض العمر الافتراضي للنفط، مما يعني استهلاك نصيب الأجيال القادمة من النفط، حتى وإن تم تحويل تلك الفوائض النفطية الحالية إلى بترودولار. فالإنتاج المتزايد قد يعني نقص العمر الافتراضي حسابياً، لكنه لا يؤكد نقصه استخداماً وكفاءة وفاعلية. ناهيك عن أن ثروة البترودولار الحالية لا يمكن الاستفادة منها حالياً لتشبع الاقتصادات وعدم قدرة جانب العرض على تلبية جانب الطلب، وقد تقيم الثروة الحالية بأقل من قيمتها عند استخدامها مستقبلاً من الأجيال المقبلة مما يجعل الحديث عن حفظ الثروة النفطية للأجيال القادمة مبالغا فيه. لذا يجب ألا يحمل منتدى جدة أبعادا اقتصادية وسياسية أكثر مما ينبغي.
إن أهمية منتدى جدة تصب في الدرجة الأولى لمصلحة الدول المنتجة للنفط، وليس الدول المستهلكة التي بإمكانها خفض ضريبة استهلاك الطاقة إن أرادت خفض تكلفة الطاقة على مواطنيها. والأهمية الأخرى لمؤتمر جدة تكمن في الدور الذي تلعبه المملكة في الساحة الاقتصادية العالمية. فهي تؤكد أن دورها مهم في الاقتصاد العالمي كدولة هي الأكبر في إنتاج ومخزون النفط. وقد تكون الدولة الوحيدة القادرة على إمداد العالم بالنفط ومشتقاته للسنوات المستقبلية المنظورة في ظل الاعتدال والاستقرار السياسي الذي تمارسه إقليميا وعالمياً، حيث إن الكثير من الأحداث السياسية والاقتصادية برهنت على أن المملكة هي الملاذ الآمن لحل المشكلات الإقليمية والعالمية سواء الاقتصادية منها أو السياسية. ولعل المؤتمر الذي يعقد اليوم في جدة يؤكد هذا الدور المستمر للمملكة.
التعليقات