نجلاء عبد ربه من غزة: بدأت مصانع الباطون في غزة بتجهيز ماكيناتها للبدء في إنتاج الباطون الجاهز بعد دخول كمية معقولة من الإسمنت عن طريق المعابر التجارية التي تتحكم بها إسرائيل.

ومع دخول التهدئة شهرها الأول التي أبرمت بين الفصائل الفلسطينية متمثلة في حركة حماس والجانب الإسرائيلي، برعاية مصرية، سمحت إسرائيل بدخول كميات محدودة من الإسمنت، بعدما رفضت ذلك منذ حزيران من العام الماضي.

وأعاد فتح مصانع الباطون الجاهز إمكانية ضئيلة لنمو حركة البناء والعمارة نحو الأفضل، لكن العائق يكمن في سعر كوب الباطون الجاهز. ففي وقت كان سعر الكوب يصل إلى 210 شيكل (الدولار= 3.5 شيكل)، سيصبح سعره في الوقت الحالي أكثر من 450 شيكل (130 دولار)، وهو ما يعني أن المواطن الفلسطيني ذو الدخل المتواضع لن يستطع أن يجاري الغلاء الذي طرأ على الأراضي الفلسطينية بشكل عام، وقطاع غزة على وجه الخصوص.

وتوقفت مصانع الباطون الجاهز لأكثر من 14 شهراً، حينما توقف الحركة المعمارية نظراً لإنعدام أدوات البناء المختلفة. ويرى مراقبون لإيلاف إن مصانع الباطون لن تعود إلى طبيعتها في العمل كما دأبت، في ظل غلاء أسعار الحديد عالمياً، وبالطبع في قطاع غزة الذي وصل سعر الطن الواحد لأكثر من 2000 دولار.

وأوضح اشرف عيسى، مقاول بناء، لـquot;إيلافquot; أن مصانع الباطون ترتبط بحركة البناء والعمارة، وهو ما يعني إرتباطها بالحديد الذي وصل أعلى أسعاره في السوق السوداء داخل غزة، ولن يستطع المواطنين مجاراة تلك الأسعار الخيالية.

وأكد على ضرورة إدخال كميات كبيرة من الإسمنت ليحد من أسعار كوب الباطون الجاهز، ليمكن المواطنين من العودة عن عزوفهم لعمارة بيوتهم. وأردف 'في ظل الوضع الإقتصادي السيئ في الأراضي الفلسطينية، فان ذلك يهدد قطاع الإنشاء والبناء برمته'.

وكان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أكد في تقرير له، أن القرار الإسرائيلي القاضي بإحكام وتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، منذ منتصف حزيران (يونيو) 2007، شكل ضربة قاضية لاقتصاد قطاع غزة المتهور أصلا، والذي يتعرض للتدمير المستمر منذ أيلول (سبتمبر) 2000، أدت إلى شلل أصاب كافة القطاعات الاقتصادية المكونة له، وكبدها خسائر فادحة.

وأستعرض التقرير حجم التدمير الشامل والمنظم الذي أفضت إليه سياسة العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، الذين يحاربون في وسائل عيشهم، وخلفت مزيداً من الفقر والبطالة بين صفوف العاملين فيه، بسبب التوقف شبه التام لكافة مرافق القطاعات الاقتصادية، والناجم عن استمرار إغلاق المعابر ومنع التدفق الحر للواردات والصادرات الغزية من السلع والبضائع، بما في ذلك المواد الأولية ونصف المصنعة.

ولم يعول احمد عبد الله، احد مالكي مصنع للباطون شمال غزة، كثيراً على عودة الأوضاع لما كانت عليه قبل حصار إسرائيل لغزة. وقال لإيلاف 'فترة الحصار إستنزفت أموال الناس هنا، فلم يعد أحد من هؤلاء المواطنين قادر على بناء غرفة، فما بالكم عندما يقرر بناء بيت في فترة الغلاء الخيالي الذي يستشري بإزدياد في الأراضي الفلسطينية'.

وأضاف 'مدخرات المواطنون الفلسطينيون إنتهت منذ سنوات إنتفاضة الأقصى التي بدأت عام 2000م، وزادت إسرائيل على حملهم لهموم أكبر من ذي قبل عندما حاصرت قطاع غزة بالكامل لأكثر من 13 شهراً متواصلاً، وسمحت قبل شهر بإدخال بعض المواد والسلع بعد تهدئة بينها وبين حركة حماس'.

الرأي ذاته يطرحه المواطن عدنان المبيض. وقال بسخرية 'فلنبحث أولاً عن لقمة عيش نأكلها، بعدها نفكر كيف يمكن أن نبني ونعمر بيوتنا'.

ويعتمد الكثير من الفقراء الفلسطينيين على سقف بيوتهم بالقرميد أو الزينكو 'الحديد اللين'، وهو رخيص الثمن ومتوفر بشكل كبير في الأسواق التجارية، كبديل عن سقف الباطون ذات الكلفة المالية العالية، لكنه الآن أصبح مفقوداً تماماً بعدما نفدت كافة الكميات المتواجدة في السوق الإستهلاكي داخل قطاع غزة تحديداً.

وإستهدفت إسرائيل عشرات المصانع المختلفة في المدن الفلسطينية، وآلاف المنازل، ودمرتها كلياً، الأمر الذي سيكلف إعادة إعمارها ثلاثة أضعاف، على الأقل، من حيث سعر إنشاءها، ما قبل حصار إسرائيل لقطاع غزة وإرتفاع أسعار الحديد عالمياً.