رسم صندوق النقد الدولي صورة متفائلة لاقتصاديات منطقة الشرق الأوسط ومن بينها دول الخليج بخصوص توقعاته للنمو خلال المرحلة المقبلة، وفي ضوء بوادر التعافي التي أظهرها الاقتصاد العالمي، ورجح الصندوق في تقريره للربع الثالث من العام أن تسجل اقتصاديات الشرق الأوسط نموًّا بنحو 2 في المئة للعام الجاري قبل أن يتضاعف إلى 4.2 في المئة العام المقبل وأن تتراجع الضغوط التضخمية من 8.3 العام الجاري إلى 6.6 العام المقبل. وقال مسعود أحمد مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الذي كان يتحدث أمام ندوة عقدها الصندوق أمس في مركز دبي المالي العالمي لعرض توقعاته لاقتصاديات المنطقة خلال المرحلة المقبلة إن اقتصاديات الشرق الأوسط شهدت تحسّنًا في الفترة الأخيرة بعد أن انتعشت أسعار النفط العالمية من المستويات المنخفضة السابقة.

دبي: وقع الصندوق في تقريره عودة الاقتصاديات الخليجية إلى النمو القوي خلال العام المقبل محققة نموًا بنسبة 5.2 في المئة بفضل ارتفاع إيرادات النفط مقارنة بتباطؤ متوقع للعام الجاري إلى 0.7 في المئة، كما رجح الصندوق أن تسجل السعودية وخمسة من البلدان المصدرة للنفط في المنطقة فوائض مالية تبلغ 5.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الجاري مقارنة بـ 27.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2008، وأن تقدر الفوائض بنحو 10.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة خلال العام المقبل.

وأوضح أن البلدان المصدرة للنفط في المنطقة تضررت بصورة مباشرة من الأزمة المالية العالمية نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط والتوقف المفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة، وكان انخفاض إنتاج النفط قد أسفر عن انخفاض بنسبة 3.5 في المئة في إجمالي الناتج المحلي النفطي، بينما واصل إجمالي الناتج المحلي غير النفطي نموه، على الرغم من تراجعه إلى 3.2 في المئة ومن المتوقع أن ينتعش إجمالي الناتج المحلي النفطي وغير النفطي لهذه البلدان ليصل إلى 4 في المئة تقريبًا في عام 2010.

وأضاف أنه واعتمادًا على الاحتياطيات الكبيرة التي تجمعت قبل الأزمة، تحركت حكومات هذه الاقتصاديات لمواجهة الأزمة بانتهاج سياسات توسعية على مستوى المالية العامة وتوفير دعم السيولة لقطاعاتها المالية، مما أسهم في احتواء تأثير الأزمة في الاقتصاد ككل، مؤكدا أن هذه السياسات ساعدت كذلك في الحفاظ على مستويات الواردات المرتفعة نسبياً أثناء الأزمة، مما أسهم بدوره في التخفيف من حدة الهبوط الاقتصادي العالمي، وحتى يتسنى تنفيذ هذا المنهج قامت البلدان المصدرة للنفط بسحب من أرصدتها الاحتياطية بدرجات متفاوتة، مما ترتب عليه انخفاض فائض الحساب الجاري في هذه البلدان بنحو 350 مليار دولار.

وقال الصندوق إنه مع ارتفاع أسعار النفط وعودة الانتعاش المنتظر في الطلب العالمي، يتوقع أن ترتفع الإيرادات النفطية فتسمح للبلدان المصدرة للنفط بإعادة بناء أرصدة احتياطياتها الدولية بأكثر من 100 مليار دولار في عام 2010، ما سيسهم بدوره في وضع الأساس اللازم للحفاظ على مستوى الإنفاق العام. ودعا مسعود بلدان المنطقة إلى أهمية العمل على عودة القطاعات المالية إلى وضعها الصحي وتهيئة الأوضاع إلى استقرار أكبر، مشددا على قيام البنوك المركزية بمزيد من الإشراف لمراقبة صحة الأوضاع لدى المؤسسات المالية. كما دعم أيضًا فكرة تطوير سوق إقليمي للسندات والصكوك، تكون عاملاً مساعدًا على تنشيط حركة الإقراض الإقليمية وفتح نوافذ جديدة لتمويل مشاريع البنية التحتية في المنطقة والتي يقدر حجمها بنحو 1.8 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة، بحسب تقديرات د. ناصر السعيدي رئيس الشؤون الاقتصادية في سلطة مركز دبي المالي العالمي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو إجمالي الناتج المحلي في دول الشرق الأوسط المستوردة للنفط 4.5 في المئة خلال العام الجاري وهو ما يزيد على ثلاثة أمثال معدل النمو في الدول المصدرة للنفط ويرجع السبب إلى أن البلدان غير المنتجة للنفط استفادت من قوة الإنفاق العام في الدول المنتجة للخام.

وأوضح مسعود أنه على الرغم من تضرر بلدان المنطقة بشدة من جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن الضرر كان أخف وطأة على اقتصادياتها مقارنة بغيرها من البلدان حول العالم، مضيفًا أن laquo;استعانة البلدان المصدرة للنفط بالاحتياطيات الوقائية في تمويل الإنفاق المعاكس لاتجاهات الدورة الاقتصادية خفف من تأثير الأزمة في اقتصادياتها وخلق آثارا إيجابية في البلدان المجاورة، وقد كشفت الأزمة كذلك عن ضرورة استمرار الجهود الرامية إلى تقوية الرقابة للحد من مواطن التعرض للخطر في الأسواق المالية في المنطقةraquo;.

وأوضح الصندوق في تقريره أن أسعار النفط ارتفعت مع تزايد الاعتقاد بأن أسوأ مراحل الركود الاقتصادي انتهت، إلا أنه أشار إلى أن أي تراجع متوقع في أسعار النفط سيكون أحد المخاطر الرئيسية على التوقعات في الشرق الأوسط إذ قد يكون له تأثيرات في مصدري النفط وشركائهم التجاريين في المنطقة. غير أنه أكد أن البلدان التي تتمتع بالقدرة المالية يجب أن تواصل مستويات عالية من الإنفاق العام لحفز انتعاش اقتصادي بينما تخفض الدول الأقل قدرة مالية الإنفاق غير المنتج وتكبح برامج الإعانات المالية.

وأوضح مدير صندوق النقد الدولي أنه وبينما لم تكن معظم البنوك في المنطقة معرضة لمخاطر الأصول السامة، إلا أنها تضررت من انهيار أسواق الأصول المحلية وسحب الأرصدة بالنقد الأجنبي، غير أن اتخاذ الإجراءات الفورية والقوية على مستوى السياسات أدى إلى احتواء هذه التداعيات. مضيفًا أنه في المرحلة المقبلة، ستظل التدابير الرامية إلى تقوية التنظيم والرقابة الماليين - والتي يجري استحداثها في بعض البلدان بالفعل - عنصرًا بالغ الأهمية، وفي الأجل المتوسط ستظل الأولويات تتضمن تطوير الأسواق المالية بما يشمله من تنويع في النظام يتجاوز حدود النظام المالي القائم على البنوك - وكذلك جهود تحسين مناخ الأعمال بغية دعم التنوع في النشاط الاقتصادي وإيجاد فرص العمل.

وبالنسبة إلى البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان فقد كانت بحسب التقرير أقل تعرضاً لأثر التباطؤ الاقتصادي مقارنة بعديد من الأسواق الصاعدة الأخرى، نظرًا لضعف اندماجها في أسواق رأس المال العالمية، ونتيجة للآثار الانتشارية الإيجابية المتولدة عن زيادة الإنفاق العام في البلدان المصدرة للنفط في المنطقة، وكان انخفاض الإيرادات المحصلة من الخارج هو القناة الأساسية لانتقال آثار التباطؤ العالمي.

وأوضح مسعود أن هذه البلدان تحركت أيضًا لمواجهة الأزمة بانتهاج السياسات الملائمة المعاكسة لاتجاه الدورة الاقتصادية، وإن كانت على نطاق محدود أكثر، ومن المتوقع أن ينخفض معدل نمو هذه البلدان من 5 في المئة في عام 2008 إلى 3.6 في المئة العام الجاري وفي المستقبل، يتوقع أن يظل ثابتاً في عام 2010، مما يرجع في الأساس للتعافي الاقتصادي البطيء في الاقتصادات المتقدمة الشريكة في التجارة والنطاق الضيق لانتهاج سياسات أخرى معاكسة لاتجاهات الدورة الاقتصادية.

ورجح مسعود أن تؤدي مستويات الدين المرتفعة في معظم البلدان المستوردة للنفط في المنطقة إلى تقليص الحيز المتاح للتنشيط المالي، كما أن مجال التيسير النقدي سيخضع لقيود الزيادة المنتظرة في أسعار الفائدة العالمية مقارنة بمستوياتها الحالية المنخفضة بالمقاييس التاريخية، وبالتالي سيتعين على صانعي السياسات التركيز بدرجة أكبر على إصلاحات جانب العرض التي ستسهم في تعزيز نشاط القطاع الخاص وفرص العمل فيه، وتعزيز المنافسة، وفي البلدان التي لا تأخذ بنظم أسعار الصرف الثابتة، من شأن زيادة مرونة أسعار الصرف أن ييسر تحقيق هذه الأهداف