إذا قدر خلال الأشهر القليلة المقبلة أن تفسح ظروف العلاقة الملتهبة بين الحكومة والبرلمان في الكويت ببدء تطبيق الخطة الحكومية للتنمية الإقتصادية، فإن الكويت تبدو مرشحة فوق العادة للحاق بقطار التنمية، والحلول في أولى مقطوراته، بعد نحو عقدين من تقديم آخر خطة للتنمية الذي ظل على مدار العقدين الماضيين أسيرًا لهزات وخضات سياسية داخلية وخارجية، أعادته بقوة الى ذيل القطار على مستوى المنظومة الخليجية. لكن المناخ المتشنج بين الحكومة والبرلمان قد لا يسمح بأن ترى خطة الحكومة النور في أقرب الآجال.
الكويت:أنهت الحكومة الكويتية الأسبوع الماضي رسميًا إجراءات نقل خطتها للتنمية الإقتصادية من حضنها الى مكاتب النواب في مجلس الأمة الكويتي بغية منحهم الوقت الكافي لدراستها، ووضع التصورات بشأنها تمهيدًا لمناقشتها، حيث فوضت الحكومة الرجل الثالث فيها الشيخ أحمد الفهد نائب رئيس الوزراء لشؤون الإقتصاد والتنمية مهمة شرحها وتسويقها لمجلس الأمة الكويتي، وسط إنطباعات في الداخل الكويتي تشير الى أن أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح يقف خلف الخطو الحكومية الطموحةً جدًّا، ويستهدفها يوميًّا بأسئلة حول تفاصيلها وأرقامها عبر إتصالاته على مدار الساعة مع جهات رفيعة في الداخل الكويتي، علمًا أن الأمير الكويتي قال هذا الأسبوع رسميًا أمام البرلمان إن خطة الحكومة واجبة التنفيذ، متعهّدًا بأن يلمس الشعب الكويتي آثارها الإيجابية في أقرب الآجال، خصوصًا أنّ الأمير الكويتي قد ضمن كلمته الى البرلمان إيحاءات لا تقبل أي تفسيرات أو قراءات مغايرة من أن التعطيل لن يكون مقبولاً في المرحلة المقبلة.
وتظهر القراءة المتفحصة لأوراق ومضامين الخطة الحكومية للسنوات الخمس المقبلة أن كلفتها تصل حتى الآن الى نحو 3 مليار دينار كويتي (110 مليارات دولار أميركي)، علما أن الكلفة كانت تفوق هذا المبلغ قبل عام لكنها خُفضت بسبب انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على البلاد، إذ طلب مجلس الوزراء الكويتي من المجلس الأعلى للتخطيط إعادة دراسة المشاريع واقتصار الخطة الخمسية على المشاريع ذات الأولوية، فضلاً عن إعادة النظر في كلفتها من أجل عدم إلحاق الضرر بالميزانية العامة للدولة، إذ تبدو مشاريع الخطة الخمسية بأنها جبارة وتحاكي الوقع وستساهم في تنمية البلاد متى ما تم تطبيقها ونفذت بالشكل الصحيح، حيث أن عدد المشاريع بلغ ألف مشروع كما يتضح من الخطة.
وتركز الخطةعلى الجوانب الأمنية والاقتصادية والتربوية والصحية ومشاريع الطاقة والإسكان، وتشتمل على سبعة أهداف استراتيجية تمت صياغتها بعناية من خلال التعاون مع البنك الدولي وتتمثل في رفع الناتج المحلي الإجمالي وتنويع مصادره وجعل القطاع الخاص يقود الحياة الاقتصادية في البلاد وشريكًا أساسيًا في التنمية، فضلاً عن ترسيخ آليات ونظم داعمة ومحفزة للقطاع الخاص وتعزيز التنمية البشرية وتوفير فرص العمل وتوسيع مجالات وأنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي لدعم التنمية وقطاع البحوث والتطوير وتعزيز الإدارة الحكومية الفعالة لترسيخ مقومات المجتمع الصالح، حيث تتفرع من هذه الأهداف الاستراتيجية أهداف صغرى تدعمها وتكفل تنفيذها بشكل واقعي وصحيح لضمان نجاح الخطة.
وتهدف الخطة الى إحداث التطوير الشامل للكويت من بنى تحتية وإنشاءات وتشريعات، وتضم في الوقت نفسه المشاريع التنموية القائدة ومنها مشروع مدينة الحرير الذي يتضمن حسب الخطة محميات طبيعية ومناطق تجارية حرة ومدينة أعمال ومنتديات ومعارض دولية تجارية ومدينة أكاديمية رياضية ومدينة ثقافية ومراكز سياحية تضم فنادق ومنتجعات ومدينة بيئية وأخرى إعلامية ومدينة للأفلام ومدن صناعية وتعليمية وصحية، إضافة الى حدائق عامة ومدن إسكانية وبرج مبارك الكبير الذي سيعتبر الأطول في العالم، فضلاً عن إنشاء شبكة سكك الحديد والمترو في الكويت ومشروع ميناء بوبيان البحري وتنفيذ جسر جابر الأحمد.
وبشأن مدينة الحرير، فإن الخطة أشارت الى أن من شأنها جعل الكويت مركزًا ماليًا وتجاريًا عالميًا في المنطقة ويوفر نحو 450 ألف فرصة عمل للشباب الكويتي، وهي الفكرة التي يؤمن بها ويقف خلفها بقوة أمير دولة الكويت بشكل شخصي، لأن تلك المدينة الجديدة من شأنها أن تنقل الكويت نقلة نوعية مؤثرة جدًّا على خريطة العالم.
الى ذلك، ركزت الحكومة على النواحي الامنية في البلاد في خطتها الجديدة، إذ أوضح المصدر أن الحكومة في فرزها للمشاريع الأمنية اعتبرت الأمن من أهم متطلبات استقرار وتقدم منظومة التنمية في كافة المجتمعات، لذا شددت الخطة على ضرورة تأمين الجبهة الداخلية والمحافظة على استقرارها في مواجهة التهديدات الخارجية وشبكات التهريب والمحافظة على أمن الأفراد والمنشآت. كما شددت على ضرورة صون المال العام والحفاظ على الثروات وضبط تداول الأموال والاستثمارات وحماية الاقتصاد من التأثيرات السلبية للاقتصاد غير الشرعي أو الاقتصاد الخفي.
وحرصت الخطة على التأكيد بأن عددًا من التحديات يواجه الجهاز الأمني في دولة الكويت، بعضها يرجع الى المتغيرات الاقتصادية المصاحبة لعملية التحول إلى مركز مالي وتجاري، والبعض الآخر يكمن في التحديات الخارجية التي تستهدف الجبهة الداخلية، الى جانب أنه في ظل التطور نحو التحول الى مركز مالي وتجاري، سيواجه المجتمع بأنواع جديدة من الجريمة الاقتصادية، كما ستكون دولة الكويت أكثر استهدافًا لأنشطة غسيل الأموال، لذلك على جهاز الشرطة أن يعمل على حماية المجتمع من الآثار السلبية للجريمة الاقتصادية.
يشار الى أن خطة الحكومة المستهدفة في الوقت الراهن بالدراسة والتحليل تتعرض منذ الإعلان عن ملامحها الرئيسية الى تصويبات برلمانية خطرة للغاية، إذ يصفها بعض أعضاء مجلس الأمة الكويتي بأنها ليست أكثر من برنامج إنشائي تفتقد الحكومة لآليات وقدرات إحالتها الى واقع، فيما تريد أطراف برلمانية أن يكون للبرلمان المتصادم دومًا مع الحكومة منذ سنوات عدة دورًا بارزًا في الإشراف على تنفيذ المشاريع الكبرى، خشية أن تتضمن هدرًا ماليًا، أو عقود تنفيع لشركات مقاولات محلية لا تحوز الخبرة الكافية في تنفيذ المشاريع الضخمة على غرار الشركات السعودية والإماراتية التي تكونت لديها الخبرة الراسخة في إدارة أكبر أنواع المقاولات الإنشائية على مستوى العالم خلال العقدين الماضيين. إلا أن مصادر حكومية كويتية تتحدث بين حين وآخر أن خطتها صممت من أجل نهضة حديثة للكويت، وأن الخطة ستجد طريقها نحو التنفيذ إن وافق البرلمان، أو لم يوافق وعي إشارة على بساطتها، إلا أنها تكشف توقًا حكوميًا نحو المضي الى الأمام مهما كانت النتائج.
التعليقات