يعتقد أستاذ الاقتصاد المشارك فرانك غونتر أن 51 % من القوة العاملة العراقية، هي إما من العاطلين من العمل كلياً أو جزئياً. ويرى أن انخفاض أسعار النفط، واستنفاذ الاحتياط النقدي، وحساب الدفع للقطاع الحكومي المتضخم سيؤدي إلى منع خلق وظائف في القطاع العام. في حين لن يفلح القطاع الخاص في توفير جزء من الوظائف المطلوبة. كما سيتزايد النمو السريع لأعداد العاطلين من الشباب، الذين يتم استهدافهم للعمل مع الجماعات الإرهابية. مشدداً على أنه بدون إحداث تغير جذري، ستتزايد البطالة وما يرافقها من عدم استقرار، وسيتفاقم الفساد.

إعداد أشرف أبوجلالة: في عمود رأي له في صحيفة النيويورك تايمز الأميركية، قال فرانك غونتر، أستاذ الاقتصاد المشارك في جامعة ليهاي، وواحد من أبرز المستشارين الاقتصاديين المدنيين لقوات التحالف في العراق بين عامي 2008 و2009، إن الاقتصاد العراقي بحاجة إلى تدابير تعين على تحريره. حيث يرى إنه، وبرغم التقدم الذي تشهده البلاد على الصعيد السياسي، إلا أن مستقبل البلاد الاقتصادي لايزال قاتماً.
مستقبل العراق الاقتصادي لايزال قاتماً مع ازدياد معدلات البطالة فيه
ويشدد على أنه وبدون إحداث تغير جذري، ستتزايد معدلات البطالة وما يرافقها من أجواء عدم استقرار، في حين سيتفاقم الفساد على نطاق واسع. كما يرى أن العراق لا يعاني فقط نقصاً حاداً في الوظائف، بل يعاني كذلك تخمةً في أعداد الباحثين عن عمل.

ويعتقد غونتر أن المكاسب السياسية والأمنية التي نجح في تحقيقها الأميركيون والعراقيون بدمائهم وأموالهم، ستكون معرّضة للخطر، مشيراً إلى أن 51 % من القوة العاملة العراقية، هي إما من العاطلين من العمل كلياً أو جزئياً، كما يتزايد هذا الرقم بالنسبة إلى العمالة صغيرة السن. ويلفت غونتر في سياق حديثه كذلك إلى أن الحكومة العراقية ظلت المصدر الرئيس للعمالة على مدار ثلاثة عقود.

كما تحملت مرتبات ما يقرب من نصف القوة العاملة في البلاد، من خلال العائدات التي تجنيها من الصادرات النفطية. وباستثناء قطاع الزراعة، يعتقد غونتر ndash; طبقاً لحساباته ndash; أن عمالة القطاع الخاص المشروعة عبارة عن عمالة صغيرة، حيث قدّرها بنحو 6 % من القوة العاملة. أما النسبة المتبقية، فهي إما عاطلة من العمل، أو تعمل في ما يعرف بـ quot;الاقتصاد السريquot;.

وبرغم اعتراف غونتر بأن الارتفاع الحاد في العائدات النفطية وتحسن المستوى الأمني قد ساهما في حدوث انتعاشة اقتصادية، جنباً إلى جنب، مع قيام الحكومة بتوفير قدر كاف من الوظائف الجديدة في القطاع العام لاستيعاب ما يقرب من 250 ألف شاب يقتحمون سوق العمل كل عام، إلا أنه أكد على أن تلك الطفرة الاقتصادية لم تدم طويلاً. وأشار إلى أنه، وبعد انخفاض أسعار النفط بما يقرب من 100 دولار للبرميل مطلع هذا العام، قامت الحكومة بفرض تجميد على الوظائف، وعلى أثره بدأت ترتفع معدلات البطالة.

بعدها، يمضي غونتر ليشير إلى عدم استيعاب سوق العمل المحلية لأعداد العاطلين المتزايدة، الذين ضاقت بهم سبل العثور على فرص عمل، لعدم قدرة القطاع الخاص على توظيف كثيرين منهم، بسبب امتلاك البلاد واحدة من أكثر بيئات العمل التنظيمية عداءً في العالم. (وتلفت الصحيفة في هذا السياق إلى أن العراق يحل المرتبة رقم 153 في قائمة الدول، البالغ عددها 183 دولة بحسب تصنيف البنك الدولي الخاص بسهولة ممارسة أنشطة الأعمال). وهو ما يُصَعِّب إمكانية بدء نشاط تجاري من الناحية القانونية، أو الحصول على ائتمان، أو التجارة على الصعيد الدولي في العراق. حيث يضطر أصحاب معظم الأعمال الخاصة نتيجة لذلك، إما إلى الاختباء في الاقتصاد السري، أو قبول تقديم رشاوى لعدد وفير من المسؤولين الحكوميين.

وتوقع غونتر أن تشهد الحكومة العراقية موقفاً صعباً في 2010، حيث يرى أن انخفاض أسعار النفط، واستنفاذ الاحتياط النقدي، وحساب الدفع للقطاع الحكومي المتضخم سيؤدي إلى منع خلق وظائف في القطاع العام. في حين لن يفلح القطاع الخاص في توفير جزء من الوظائف المطلوبة. كما سيتزايد النمو السريع لأعداد العاطلين من الشباب، الذين يتم استهدافهم للعمل مع المتمردين السياسيين والجماعات الإرهابية الأصولية والعصابات الإجرامية، ما يعني تزايد أجواء عدم الاستقرار بصورة شبه مؤكدة.

ويشير غونتر إلى أن المشكلة الرئيسة في القانون التجاري العراقي تكمن في تعقيداته التي لا تصدق، والتأخيرات الطويلة في التعامل مع طلبات الحصول على التراخيص والتكلفة العالية. ويقترح غونتر في هذا الشأن أن تطيح الحكومة بهذا القانون، وتعتمد آخر، يكون أقل تقييداً، وعلى درجة من القبول إقليمياً، مثل القانون الخاص بالمملكة العربية السعودية.. أو أن تجعله أكثر سهولة من حيث الاستخدام بالسماح، مثلاً، لأصحاب العمل بالتعامل مع وزارة واحدة، بدلاً من اثني عشر وزارة.

ويرى غونتر أن بإمكان الحكومة أن تتخذ خطوات أخرى أيضاً، فباستثناء تحصيل الضرائب وأنظمة التجارة الدولية، يمكن نقل مسؤولية تنظيم الأعمال التجارية الخاصة من وزارات بغداد إلى محافظات البلاد، البالغ عددها ثمانية عشر محافظة. كما إن تشجيع المحافظات للتنافس على الوظائف في القطاع الخاص سيؤدي إلى خلق بيئات تنظيمية أكثر دفئاً في أنحاء البلاد كافة، تماماً كما هو الحال في الولايات المتحدة.