حسب وصف أحد خبراء الاقتصاد، فإنَّ عدم حلّ مشكلة في حينها تتولّد عنها مشاكل أخرى تكون في أغلبية الأحيان أكبر، ويكون توقيت انفجارها غير متوقع. وهذا ما حدث لاقتصاديات عدد من البلدان الصناعيّة الكبيرة مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا بالتحديد، والتي تعاني منذ العام الماضي حالة اقتصادية متعثّرة وركودًا يدفع بها إلى وضع علامات استفهام حول امكانية الحكومة الألمانية الحالية في مواجهتها وحلّها.

برلين: كل الحلول التي تم وضعها حتى الآن تعتمد على رفع سقف المديونية العامة التي وصلت الى 1،5 بليون يورو للعام 2010، وهو الاعلى في تاريخ المانيا منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية ويزداد في كل دقيقة بسبب الفوائد المصرفيّة. ومن وجهة نظر الخبراء، فإنَّ المشكلة تكمن في عدم التقديرات والتقييم الصحيح للازمة. فهذا ايضًا السبب في زيادة حجم الأزمتين الماليّة والاقتصاديّة التي بدأت في ألمانيا العام 2007 ، حيث ظهرت بوادر كثيرة لوجودها، ولأن الحكومة الألمانية كما الحكومات الغربية والصناعية كانت تريد العثور على حلّ دون التصريح بحقيقة الامر، ظلت كرة الازمة تتدحرج وتكبر،حتىلم تعد هناك امكانية من إخفائها، خاصة مع الازمات في اسواق البورصة وفضائح العقارات في الولايات المتحدة وخلفيتها القروض السخية التي قدمتها المصارف، وكأن المال اصبح من ورق رخيص يمكن منحه لمن يريده. ولقد ادى ذلك الى افلاس الملايين في العالم، ومنذ نهاية العام 2008 تعاني اقتصاديات هذه البلدان وغيرها من ضغوطات وهي مهددة بانعكاسات معالمها غير الواضحة حتى الآن.


ومن اجل تفادي تبعات سلبية، حاول المصرف المركزي الاوروبي ومقره في فرانكفورت خفض سعر الفائد الى ادنى حد ( 1،5 في المئة) لانتعاش الاقتصاد ولمواجهة الركود الاقتصادي والازمة المالية،إلا ان ذلك لم يعطِ النتيجة المطلوبة، لذا اصبح من الواضح ان على كل بلد عضو في الاتحاد الاوروبي السعي لانقاذ اقتصاده الوطني بالطريقة التي يرتأيها. ومن اجل مراقبة سوق المال والحد مما وصفه بعض الخبراء بالفلتان العالمي وضعت الحكومة الالمانية السابقة صيفالعام 2008 قواعد وقوانين صارمة للحد من المخاطر المرتبطة بالاستثمارات المالية، وفرضتها على بيوت المال واسواق البورصة، سعيًا منها الى الحد من سلطتها ومن المضاربات، إلا أن ذلك لم يكن له تأثير على التعاملات المالية واسواق البورصة التي ظلت تشعر بأنّها سلطة مستقلة عن السلطة السياسيّة.


ولقد ادى الوضع في النهاية الى اعلان الكثير من المؤسسات الكبيرة افلاسها منها هوبو ريل استيت للعقارات في ايلول( سبتمر) عام 2008 بسبب مشاكلها المالية ولها تعاملات في البورصة الالمانية وخاصة بورصة فرانكفورت. واسست هذه المؤسسة العقارية في ميونيخ عام 2003 براسمال وصل الى 63 مليار، وتوضح بعد ذلك بانها تعاني من مشاكل مالية منذ عام 2007 بسبب الازمة المالية العالمية. وبادر المصرف الالماني دويتشه بنك لانقاذها بضخ ثلاثة مليارات لها دون فائدة ما دفع الحكومة الاتحادية الى تأميمها في الخامس من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كما وإن الملايين ممن لهم اسهم فيها رفعوا دعاوى قضائية ضدها، لذا سوف يشهد العام 2010 سلسلة من المحاكم.
تبع ذلك مؤسسة ليمن برزر العملاقة والتي تأسست قبل اكثر من قرن في الولايات المتحدة على يد الاخوين الالمانيين ليمان في الولايات المتحدة، ولها فروع في المانيا حيث فقد حاملو اسهمها كل ثرواتهم نتيجة مضاربات غير قانونية التي قام بها العاملون في المؤسسة كما لحقت الخسائر بالمصارف الالمانية التي لها حصص كبيرة فيها.
بعد ذلك كرت المسبحة، فبدأت الشركات والمصانع خاصة في قطاع صناعة السيارات تسعى الى العثور على قوارب انقاذ لها من الازمة الطاحنة، فما كانت من الحكومة الالمانية السابقة وكانت مشكلة من الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي،إلى ان اقرت عدة حزم انقاذ للمصارف ايضًا وصلت حسب الارقام الرسمية الى 500 مليار يورو، لكن الارقام الحقيقة اعلى من ذلك. ومن اجل حماية سوق العمل اقرت قانون تخفيض ساعات العمل وتحديد الاجر على هذا الاساس ndash;(وتدفع الحكومة الاتحادية هذه الاجور)، وقبل الملايين من العمال به كي لا يواجهوا شبح البطالة العمالية.


والمشكلة الأولى التي واجهت حكومة المستشارة انجيلا ماركل مع حكومتها الجديدة المشكّلة من الاتحاد الوطني والحزب الليبرالي قبل نهاية العام هي تراجع حجم قيمة الضرائب في صندوق الحكومة بحوالى 37 مليار يورو مقارنة بالعام 2008، ومن المتوقع ان تتراجع ايضًا العام 2010 ما يعني ايضًا احتمال تراجع الكثير من الخدمات الاجتماعية للمواطنين. في الوقت نفسه تحجم البنوك على الرغم من حصولها على قروض من الدولة منح قروض الى الشركات والمصانع خاصة المتوسطة، لأنها لا تضمن قدرتها على التسديد.
وفي شهر شباط ( مارس) الماضي انفجر الوضع في مصنع اوبل وكانت الإشارة الأولى لمشاكل قطاع صناعة السيارات في المانيا، وحاولت الحكومة التدخل لدى الشركة الاميركية الام جنرال موتوزر من اجل اقناعها بعدم اقفال مصانع اوبل في المانيا ووعدت بمساندتها ماديًا، فما كان من الشركة الأم إلا أن أعلنت عن شطب المئات من اماكن العمل في المانيا وعرض اوبل للبيع. وحاولت الحكومة شراء اوبل دون فائدة اذا كان هناك عارضون اخرون من بينهم شركة ماغنا النمساوية، وما زال مصير العمال فيها غير معروف ايضًا بعد تغيير القيادة لدى الشركة الاميركية الام ويعمل في مصانعها قرابة 26 الف عامل.


وفي شهر تشرين الثاني( نوفمبر) الماضي اعلنت شركة سيمنز عن تسريح عشرة آلاف عامل تقريبًا، ولم تمضِ فترة قصيرةحتى انفجرت مشكلة متاجر كفيله لبيعالملابس والادوات المنزلية على انواعها والتي تاسست عام 1927 ولها مساهمات متداخل في مؤسسة كثيرة منها اركاندور وكارشتاد، ولم يحل شهر كانون الاول ( ديسمبر) حتى اعلن عن افلاسها ما ادى الى تسريح اكثر من عشرين الف عامل. ولم توفر الازمة احد اكبر مصانع السيارات الالمانية وهو مصنع دايلر الذي سجل تراجعًا كبيرًا في المبيعات، وكانت على اشده في الربع الاخير من عام 2009 وتعدت ال 15 في المئة ووصلت القيمة الى 1،4 مليار يورو، لذا اعادت الادارة النظر في استراتيجية الانتاج، لكن ايضًا في مواقع مصانعها، ما ضمن للعاملين عملاً حتى عام 2011. ويعمل لدى دايملر 141 الف قبل 70 الف عامل بساعات عمل اقل واجر اقل بالطبع، بدلاً من التسريح.

وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي فينر لوبه لايلاف ان الاجراءات التي وضعتها الحكومة الاتحادية لن ينقذ وضع السوق في المانيا وهو يتوقع وصول العجز المالي للحكومة الى اكثر من 4 في المئة، اي انه سوف يتخطى معايير معاهد ماستريخت للاتحاد النقدي والاقتصادي لبلدان الاتحاد الاوربي وهو الحفاظ على الثلاثة في المئة.
وحسب قوله ايضًا من بين الـ 110 الف شركة ومصنع كبير في المانيا يهدد الافلاس او صعوبات مالية ما يقارب من الخُمس منها، لذا على الحكومة الالمانية عدم الاكتفاء بدعم الشركات والمصارف الكبيرة بحزم انقاذ بل عليها وضع خطة حاسمة، اولا لتفعيل السوق وثانيا وهو الاهم مراقبة المضاربين ووضع سقف للمكافئات التي يجنيها مدراء الشركات الكبيرة. في الوقت نفسه انتقد خطة برلين بتخفيض الضرائب، لأن ذلك سوف يوقع الخزينة بعجز كبير جدًا ويضعف الاقتصاد الذي يعاني في الحقيقة من ازمة منذ العام 2002 وليس مع بداية الازمة المالية العام 2007.


وذكر الخبير الاقتصادي أنَّ العنصر الاهم في الاقتصاد الالماني هو قطاع المصانع المتوسطة والصغيرة الذي يغذي المصانع الكبيرة من القطع الصغيرة التي تدخل في اي آلة الى القطع الكبيرة مثل محركات السيارات وغيرها، وهي تعاني من مشاكل كبيرة وزاد وضعها تعقيدًا احجام المصارف عن تقديم قروض لها. وتشغل المصانع المتوسطة والصغيرة اكثر من 31 في المئة من اليد العاملة في المانيا. ولقد ادت الازمة الى اعلان نسبة كبيرة من هذه الشركات عن افلاسها على الرغم من انها ما زالت تعمل لكن بقوة عمل اقل بكثير. وحسب الارقام التي ذكرها فإن 34,300 شركة ومصنع مختلفة الحجم أعلنت افلاسها، او اعادة استراتيجية الانتاج، وهذا يشكل 16 في المئة اكثر من العام 2008، ويشغل هذا القطاع اكثر من نصف مليون من اليد العاملة في المانيا، ليرفع عدد العاطلين عن العمل الى حوالى خمسة ملايين.