يبدو أن السعوديين أبوا أن يودعوا العقد الأول من الألفية الجديدة إلا بكم من الأحداث الطاحنة، خصوصاً في آخر ربع السنة خلال هذا العقد. فكشفت بؤرة فساد، ظلت مسيطرة على مدار سنوات، بعدما غاب الوازع الديني والضمير الإنساني عن كبار رجال الأعمال في السعودية، وتحديداً في جدة، وعن كتاب عدل وقضاة ومقاولين وأصحاب عقارات وشركات لها صلة بذلك. وسمح الفساد باعتماد مخططات على مجرى السيول والأودية.

جدة: يبدو أن السعوديين أبوا أن يودعوا العقد الأول من الألفية الجديدة إلا بكم من الأحداث الطاحنة، خصوصاً في آخر ربع السنة خلال هذا العقد. ففي سنوات ماضية، كان محور حديثهم يتمحور حول سوق عمليات نصب مساهمات quot;سواquot; التي راح ضحيتها مواطنون كثر، خسروا رؤوس أموالهم ومنازلهم، بعدما اكتشفوا أنها عملية نصب أديرت بأسلوب وتخطيط عال، ولم يلبث الزمن كثيراً حتى باتت سوق الأسهم السعودية في متناول مواطنين كثر، متمنين أن يعوّضوا خسارتهم في البورصة والأسواق والشركات التي طرحت للاكتتاب والتداول فيما بعد، وأغرت سوق الأسهم الكثير، بعدما باتت تدر عليهم مكاسب يسيل لها اللعاب، إلى أن وصل المؤشر إلى أكثر من 20 نقطة، ليسجل تراجعاً وهبوطاً، كان من أبرز نتائجه خسائر بشرية ومالية، منهم من أصيب بجنون، ومنهم من دخل مستشفى الأمراض النفسية، ومنهم لم يتحمل صدمة الخسائر، وتوقف قلبه فجأة، ليكتشف الشارع السعودي عملية فساد مالية جديدة ليست غريبة.

ذلك الفساد الإداري والمالي، الذي كان مبطناً، بدأ يطفو على السطح شيئاً فشيئاً، لكن جرأة الحديث عنه لم تكن شفافة، على رغم أن مجالس السعوديين بدأ محورها الأعظم يتحدث عن هذا الفساد، بدلاً من قضايا الإرهاب والاختلاط ومشاكل الأخطاء الطبية وما إلى ذلك.

وانهار سعوديون كثر عندما طفح بهم الكيل، وهم يرون نتائج الفساد الإداري والمالي يجني على مواطنين ومقيمين كثر في كارثة جدة نتيجة الأمطار والسيول التي اجتاحت أحياء قويزه والمساعد والصواعد والحرازات وكيلو 14 وغيرها، وراح ضحيتها مئات من الأبرياء، آباء وأمهات وشبان وشابات وأطفال، وبعضهم يقول إنها بآلالاف، ناهيك عن التلفيات في السيارات والمباني وانتشار الأوبئة والأمراض، خصوصاً بعدما أعلنت وزارة الصحة أن هذه الأحياء منكوبة.

سيول جدة.. كشفت بؤرة فساد، ظلت مسيطرة على مدار سنوات، إلى أن أوقعها الله في شر أعمالها، بعدما غاب الوازع الديني والضمير الإنساني عن كبار رجال الأعمال في السعودية، وتحديداً في جدة، وعن كتاب عدل وقضاة ومقاولين وأصحاب عقارات وشركات لها صلة بذلك. وسمح الفساد باعتماد مخططات على مجرى السيول والأودية، واعتماد بيعها على المواطنين الغلابة على أمرهم، حتى المخططات السليمة لم تسلم من فساد البنية التحتية، والتي اعتبرها كثيرون أنها بنية واهية.

أكثر من 8 آلاف شخص تم إيواءهم في الشقق المفروشة، والأمر الأعظم الوفيات والمفقودين، الذين تجاوز عددهم مئات المرات عن إحصائية الدفاع المدني التي اعتبرها ممن يعرفون المنطقة وأهلها أنها إحصائيات غير منطقية، وما زالت روائح الجثث تنبثق من المناطق المنكوبة حتى اللحظة.

العاهل السعودي الملك عبدالله، الذي عرف بمحاربة الفساد دائماً، ما يحمل المسؤولين والوزراء الأمانة الموضوعة على عاتقهم، بدأ يضرب بيد من حديد ضد هذه الظاهرة، التي استنزفت الإنسانية وخيرات البلاد، وهو الذي ضرب باليد نفسه في وجه الإرهاب ولكل من تسوّل له نفسه ضد الدين والوطن والمواطن.

في جدة، لا صوت يعلو على صوت العدالة، وهو حديث الشارع السعودي، الذي لم ينقطع يربط ما بين عقدي الألفية الجديدة بين عام أفل وعام جديد، فاللجنة التي أمر بتشكيلها خادم الحرمين السعوديين أتت ثمارها، خصوصاً وأن المباحث الإدارية تقصت الحقائق والمتسببين في هذا الفساد في كارثة جدة لأكثر من 20 عاماً، حتى ممن استقالوا أو تقاعدوا ولهم يد في المشكلة.

المباحث الإدارية اقتادت مستشارين ومدراء دوائر من مكاتبهم أمام موظفيهم ومن اجتماعات، وتم التحفظ على كل من له صلة بالموضوع، خصوصاً وأن الدولة خصصت مليارات الريالات في كل ميزانية، في سبيل تحسين البنية التحتية لعروس البحر الأحمر، إحدى أهم واجهات السعودية للعالم، لكن ما يؤسف عليه أن العروس تحولت إلى عجوز.

ويبذل أمير منطقة مكة المكرمة جهوداً جبارة في سبيل تحديد متسببي الكارثة، والوصول لكل من له صلة، سيما وأنه كان ينادي بالتخطيط العمراني السليم، الذي يقع في مصلحة المواطن والوطن. ومن المتوقع أنه بعد محاكمة المتسببين، سيتم التشهير بهم في الصحف، مع الحكم الذي صدر عليهم، ليكون عبرة لغيرهم.

ومع ذلك، يظل السعوديون أكثر تفاؤلاً بمستقبل مشرق، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الذي عكف على حب شعبه، وتوفير رغد العيش لهم قدر الإمكان، خصوصاً وأنه تعامل بكل عقلانية مع قضايا دينية وسياسية واقتصادية، إذ نادى بحوار الأديان، والذي وجد من خلاله ترحيباً عالمياً، إلى جانب أنه وقف ضد من حاول أن يتهم السعودية بتعمدها برفع برميل البترول، عندما وصل إلى سقف الـ 140 ريالاً، ودعا إلى مؤتمر جدة الدولي للطاقة.

وتفاءل السعوديون كثيراً بالمدن الصناعية، أمثال مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ وغيرها من المدن الصناعية الجديدة، وتواصلت الأفراح عندما أعلن الملك عبدالله عن تحقيق حلمه، الذي راوده لأكثر من 25 سنة، بإنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول.

ولعل ميلاد المدن الاقتصادية، أمثال مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، أحد أبرز الأحداث الاقتصادية السعودية، والتي ستدر على المواطن والوطن المليارات، خصوصاً وأنها ستخلق فرصاً وظائفية تقدر بالآلاف.

ومن أبرز الأعمال التي أنجزها العاهل السعودي العمل قدماً على راحة المعتمرين والحجاج من خلال وسائل عدة، إذ قام باعتماد توسعة المسعى، وبناء أدوار حول جسر الجمرات لتفادي الازدحام، إلى جانب البدء في قطار المشاعر، وقطار الحرمين السريع الذي يمتد من مكة جدة ثول رابغ المدينة المنورة. كما تم اعتماد مدينة الملك عبدالله الرياضية شمال جدة، وهو الحلم الرياضي الذي انتظره الشارع الرياضي سنوات، حتى بات حقيقة، وبدأت أولى خطوات ميلاده على أرض الواقع.

السعوديون وقفوا بالمرصاد لكل الإرهابيين، ونجحوا في الفتك بهذه الخلايا، ودحض مخططات المغرضين برجال السعودية والوطن وثرواته، فخابت أطماع الحاقدين، عندما أنقذت العناية الإلهية مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف ونجاته من محاولة اغتيال إرهابي حاقد.

كما نجحت السعودية في ضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسه بالتخريب أو الاعتداء على شبر من أرض السعودية خصوصاً عندما دحرت أطماع المتسللين الحوثيين، وألحقت بهم الضرر والذعر، وطردتهم شر طرد، وطهرت أراضيها من براثنهم. والسعوديون باتوا اليوم أكثر تفاؤلاً بالألفية الجدية، وهم يمضون بخطى واثقة، في أن الخير ينتظرهم على أرض الواقع متفائلين بمستقبل مشرق.