أسامة مهدي من لندن: نجح مجلس النواب العراقي اليوم في حسم خلافات ونقاشات دامت أكثر من شهرين حول موازنة العام الحالي 2009 بموافقته بالغالبية المطلقة على تخفيض قيمتها 4.2 مليار من 62 مليار إلى 58.6 مليار (أي بنسبة 7% ) بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية مع تقليص نسبة مخصصات الرئاسات والوزراء وكبار الموظفين وعدم المساس بمرتبات الموظفين والمتقاعدين ومخصصات الحماية الاجتماعية.
وصوّت النواب بالغالبية المطلقة على موازنة العام الحالي، آخذين بعين الاعتبار مقترح تخفيضها من 62 مليار إلى 58.6 مليار دولار، أي أن التخفيض قد بلغ 4.2 مليار دولار، وهو التخفيض الثالث من نوعه، بعدما كانت التقديرات الأولى لها قد وصلت إلى 80 مليار دولار.
وقرر النواب تخفيض مخصصات الرئاسات الثلاث للجمهورية والحكومة والبرلمان ومرتبات النواب والوزراء وكبار الموظفين بنسب تتراوح 10 و20 %، مع عدم المساس برواتب المتقاعدين والعقود المؤقتة وشبكة الحماية الاجتماعية، حيث إن مبالغها قد أدرجت ضمن القانون الموازنة.
وبذلك أصبحت الموازنة التشغيلية 45.6 مليار دولار، والاستثمارية أصبحت 12.7 مليار دولار، حيث خفضت التشغيلية إلى 78.3%، بعدما كانت سابقاً 80%. أما الاستثمارية فارتفعت إلى 21.7% بعدما كانت 20.7%، وانخفض العجز في الموازنة إلى 15.8 مليار دولار، بعدما كان أكثر من 19 مليار دولار.
وكان مجلس النواب أكمل قراءته لمشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2009 في 24 من الشهر الماضي، بعدما أعيدت إلى مجلس الوزراء منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي لمطالبة هيئات الرئاسة ووزارة المالية بزيادة الموازنة، لأنه ليس من صلاحية مجلس النواب زيادة مبالغها.
وسبقت الموافقة على الموازنة عقد اجتماع للكتل السياسية صباح اليوم، خرج بثلاث توصيات، منها تخفيض الموازنة بنسبة 10 %، والآخر بنسبة 8 %، والثالث بنسبة 7 %، حيث تم الأخذ بالنسبة الأخيرة.
كما قدمت اللجنة المالية في مجلس النواب تقريراً يتضمن تعديلات جوهرية على بنود الموازنة، حيث عكفت الكتل البرلمانية الآن على دراسة هذه المقترحات التي شارك في نقاشاتها وزير المالية باقر جبر الزبيدي.
وقد تم الاتفاق على تخفيض مرتبات أعضاء مجلس النواب وأصحاب الدرجات الخاصة وتخصيصات المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث للجمهورية والحكومة والبرلمان بنسبة 20%، إضافة إلى إجراء تخفيض كبير في موازنة وزارة الأمن الوطني.
وخلال مؤتمر صحافي عقد في بغداد أمس، أكد النائب عضو لجنة النفط والغاز البرلمانية نور الدين الحيالي أن تقديرات الحكومة لبرميل النفط أحدث عجزاً في الموازنة قيمته 35 مليار دولار.
وأضاف أن الحكومة قدرت سعر البرميل بمبلغ 50 دولاراً في الوقت الذي لا يتجاوز أسعار النفط العالمية 40 دولاراً فقط. وأشار إلى أن هذا الأمر يعني أن عائدات النفط ستكون بين 25 و27 مليار دولار، في حين أن الموازنة المقدمة من قبل الحكومة جاوزت 62 مليار دولار، الأمر الذي يخلق عجزاً في الموازنة بقيمة 35 مليار دولار، مما سيدفع بالحكومة إلى اللجوء إلى البنك المركزي لتنفيذ الموازنة، ما سيؤثر على الاحتياطي النقدي للبلاد.
وأضاف الحيالي أن هناك عدداً من الدول المجاورة قدرت موازناتها لعام 2009 لسعر برميل النفط بين 35 إلى 40 دولاراً على أحسن الأحوال، ومنها ألسعودية التي قدرت ميزانيتها بسعر 40 دولاراً للبرميل، وإيران 37.5 دولاراً. وقال quot;لذا أجد أن تقدير سعر برميل النفط بـ 50 دولاراً سيخلّف وضعاً مالياً مفزعاًquot;.
وحذّر من أن الاستعجال بإقرار الموازنة قبل إجراء تخفيضات في النفقات التشغيلية وإلغاء التخصيصات التي تفتقر إلى الغطاء القانوني والمبالغ التي تندرج تحت بند مصروفات أخرى quot;سيكون له انعكاسات سلبية على الدولة والمجتمعquot;.
وأكد أن أي تعرض للاحتياطي في البنك المركزي سيكون له تداعيات خطرة على الاقتصاد وعلى سعر صرف الدينار العراقي.
يذكر أن انخفاض أسعار النفط بأكثر من 100 دولار منذ القمة التي بلغتها عند 147 دولاراً للبرميل الصيف الماضي قد أرغم العراق على خفض الموازنة العامة للعام الحالي مرتين من 80 مليار دولار في الأصل إلى 62 مليار دولار حالياً.
ولم يوافق مجلس النواب الذي يناقش هذه الميزانية حالياً على الرقم الأخير بعد، والذي ربما يخضع إلى مزيد من الخفض، حيث يعتمد على تقدير متوسط سعر البرميل من صادرات النفط عند 50 دولاراً، وهو ما يزيد عن الأسعار الحالية.
وإضافة إلى ذلك، سينفق العراق 80 % من ميزانيته المقترحة لعام 2009 على تكاليف تشغيلية تستأثر بجزء كبير منها الأجور والدعم للمواطنين الذين أنهكتهم الحرب.
وأوضح بابان أن 20 % فقط من أموال الميزانية ستكون متاحة للاستثمار في خدمات، مثل الكهرباء وقطاع النفط، وأشغال عامة مثل الإسكان.
ويقول مراقبون إنه سيكون quot;انتحاراً سياسياًquot; بالنسبة إلى الحكومة العراقية إذا خفضت الرواتب الحكومية، إذ يعتمد جزء كبير من قوة العمالة على مرتبات القطاع العام، خاصة بعدما ألزمت الحكومة نفسها بزيادة في الأجور خلال العام الحالي.
معروف أن الحكومة العراقية تعتمد على صادرات النفط في أكثر من 90 % من الدخل، وتكافح من أجل تدبير الأموال اللازمة لإعادة البناء، بعد سنوات من الحرب والاقتتال الداخلي، منذ الحرب الأخيرة التي أسقطت النظام السابق عام 2003.
التعليقات