خبراء يدعون إلى تفعيل صناعي وزراعي محلي
فاتورة الواردات الغذائية في الجزائر تعدت الثمانية مليارات دولار

كامل الشيرازي من الجزائر:كشف مسؤول حكومي جزائري، اليوم، أنّ فاتورة الواردات الغذائية في بلاده تعدت الثمانية مليارات دولار، وهو رقم كبير جدًا كما أنّه بات هاجسًا مقلقًا خصوصًا مع توقعات تتحدث عن احتمال تضاعف الفاتورة الغذائية إلى حدود 15 مليار دولار في غضون الست سنوات القادمة، ما جعل خبراء يدعون الحكومة المحلية إلى اهتمام أكبر بحقل الصناعات الغذائية وكذا الاعتناء بالمنظومة الزراعية التي لا تزال مراوحة لمكانها.

ويُرجع مراقبون في الجزائر، القيمة الباهظة لواردات الغذاء إلى الارتفاع الجنوني في أسعار الحبوب العام المنقضي، وسقوط الحكومة في ( فخ ) استيراد ما يربو عن 40 إلى 50 في المئة من حاجياتها الغذائية، حيث بلغت واردات الجزائر من الحبوب أكثر من خمسة ملايين طن، وحصل ارتفاع هائل في قيمة غالبية المواد الغذائية التي استوردتها الجزائر خلال الثلاثي الأول من العام الجاري.

ويعتبر مختصون تحدثت معهم quot;إيلافquot; أنّ ندرة القمح اللين واستمرار ارتفاع أسعار مواد أساسية، بجانب الحلقة الأهم وهي انخفاض مخزون الجزائر من البقول الجافة والحليب والسكر، يدفع باتجاه أيام صعبة تنتظر البلد بخاصة وأنّ الغذاء يمثل ثلثي ونصف الاستهلاك، ما يعرّض مواطنيهم إلى مزيد من quot;شدّ الحزامquot; على الصعيد المعيشي، في وسط توازنه التجاري هش.

من جانبه، شدّد quot;عبد الحميد طمارquot; الوزير الجزائري للصناعة وترقية الاستثمارات، في مستهل لقاء حول الأمن الغذائي بالجزائر، على حتمية مسايرة عملية إعادة تأهيل المؤسسات الصناعية الصغيرة الناشطة في مجال الصناعات الغذائية، مثلما طلب من مواطنيه المنتجين تشكيل تكتلات وتعاونيات لتحسين نوعية الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي محليًا.

وينتقد رجال أعمال ورؤساء مؤسسات جزائرية عدم استغلال السلطات لمساحاتها الزراعية بالكامل، بينما تصرّ الحكومة على نفي الملحوظة، وترمي الكرة بالمقابل في مرمى منتقديها، بيد أنّ كل من quot;يسعد ربرابquot; وquot;الشيخ ولد الحسين الشيخquot; وquot;عبد الغفور الحسينquot; وكذا quot;رضا حميانيquot; رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائرية، يحددون الإشكال في معضلة العقار الزراعي غير المستغل بالشكل المطلوب، بجانب ما يتهدد عموم الأراضي المترامية في البلاد من مشكلات الماء والتصحر وانجراف التربة وهي اعتبارات طالما وقفت عائقًا كبح جماح المزارعين.

وينادي مختصون بمخطط استعجالي لحماية المنظومة الزراعية، وإخراجها من حالة الركود المزمن الذي يلقي بظلاله عليها، ويتصور quot; سليم لعجايليةquot; الكاتب المختص بالشأن الاقتصادي، أنّ وقف النزيف يمرّ بتحصين المساحات الزراعية وعدم السماح بتطاول الاسمنت على العقار الزراعي، ويلفت لعجايلية إلى حتمية انفتاح وزارة الزراعة الوصية على طرق السقي المستحدثة، سيما في ظلّ الشح الكبير الذي يطبع مياه الأمطار، وتراجع منسوبيتها إلى مستوى 30 في المئة خلال السنوات السبع المنقضية.

على النقيض، ورغم اعترافه بمعاناة السوق المحلية من المنافسة غير الشرعية وسوء التنظيم، بالإضافة إلى نقص اليد العاملة المؤهلة، إلاّ أنّ quot;عبد الحميد طمارquot; الوزير الجزائري للصناعة وترقية الاستثمارات، يحمّل المسؤولية لجمهور المنتجين ومتعاملي الزراعة والصناعات الغذائية، ويضيف طمار أنّ المشكلة كامنة في عدم إعادة تأهيل الإنتاج الزراعي وارتقائه إلى معايير الجودة المطلوبة، كما يرفض المسئول الجزائري منطق اتكال المزارعين ومتعاملي الصناعات الغذائية على الخزانة العامة في تمويل إنتاجيتهم.

ويحث طمار المنتجين وجمهور المتعاملين على تحقيق اكتفائهم الذاتي، عبر التوصل إلى التكفل بأنفسهم، ويصر طمار على النأي بالجهاز التنفيذي عن أي دعم مالي، مشددا quot;دورنا يتلخص في التوجيه والتنظيم والرقابة لا تمويل الإنتاجquot;، وإذا كانت الجزائر quot;تستورد أكثر مما تنتجquot; فذاك راجع برأيه إلى كون عموم المزارعين والمنتجين لم يقوموا بأدوارهم من زاوية المسئول الحكومي ذاته.

ويُرتقب أن تشهد الجزائر شهر يونيو (حزيران) المقبل، عقد جلسات وطنية للصناعات الغذائية، وسيتم فيها بحسب مراجع quot;إيلافquot; إشراك مختلف الفعاليات الاقتصادية في عملية إعداد إستراتيجية مركزية للنهوض بقطاع الصناعات الغذائية في البلاد من خلال تحديد العراقيل واقتراح الحلول الكفيلة بتحقيق الأمن الغذائي.

وينادي مراقبون بضرورة إقامة شراكة فعالة بين قطاعي الزراعة والصناعات الغذائية للتحكم في الأمور، واتفق مهنيو قطاعي الزراعة والصناعة الغذائية على حساسية إعادة بعث العرض الغذائي في إطار حركية مدمجة بين القطاعين، من خلال تعزيز زراعة الحبوب التي تعد رائدة في مجال الصناعة الغذائية الجزائرية، ويمكن الوفاء بذلك عبر استحداث مناطق زراعية متخصصة وإعادة تأهيل هياكل التكوين في مهن الزراعة وتبسيط الإجراءات الجبائية وإنشاء فرع مستقل للبذور مع استحداث بنك لتمويل سائر الفروع الزراعية.

ويدعو فريق من المتابعين باستغلال المواد الأولية المنتجة محليا في الصناعات التحويلية، في صورة الحبوب بصفة عامة واللحوم والحليب ومشتقاته والزيوت والتمور والطماطم الصناعية، سيما بعد إغلاق عشرات الوحدات التحويلية، وأكد مشاركون في لقاء دراسي، أنّ الحفاظ على الأمن الغذائي للجزائر يمر quot;حتماquot; بتنمية متزامنة لهذين القطاعين في إطار شراكة منظمة و تربط بشكل وثيق متعاملي هذين القطاعين.