الكويت ـ إيلاف:على الرغم من النمو القوي الذي حققه الاقتصاد الكويتي في العام 2008، إلا أنه بدأ يشهد مؤشرات للتباطؤ في أواخر العام. وهو ما كان يعزى فى الأساس إلى تأثير الأزمة المالية والتي أفضت إلى الأزمة الاقتصادية العالمية.ولإدراك مدى صعوبة المشكلة، نجد أن أغلب الحكومات حول العالم أسرعت باتخاذ التدابير اللازمة. ومن الممكن أن يكون هذا هو الدرس الذي تعلمته الحكومات في التعامل مع حالات الكساد السابقة والتي حفزتها على التصرف السريع في ذلك الوقت.وقد رأى بيت الاستثمار العالمي الأسواق المتطورة تعلن عن اتخاذ الكثير من التدابير لتقليل أثر التباطؤ في الاقتصاد حيث احتلت الولايات المتحدة المقدمة. وبالإضافة إلى التدخلات النقدية مثل تخفيض أسعار الفائدة، اتخذت الحكومات على مستوى العالم خطوات مالية لتحفيز الاقتصاد. وقد تضمنت هذه الخطوات في المقام الأول اتخاذ بعض التدابير مثل خفض الضرائب وزيادة الإنفاق من جانب الحكومات لوضع مزيد من الأموال في أيدي الأفراد . جاء ذلك في تقرير بيت الاستثمار العالمي حول الإستراتيجية الاقتصادية والرؤية المستقبلية للكويت حصلت إيلاف على نسخة منه.حيث يرى التقرير أن هناك حاجة ماسة في ما يتعلق بالحكومة الكويتية لتبنى سياسة مالية توسعية خلال هذه الأزمة الخطرة لتقليل تأثير الأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك فإنه وفقا للتقارير المبدئية، عبرت الحكومة عن نيتها لإعداد موازنة انكماشية للعام 2009/2010.
وقد كان الجميع تقريبا يتوقع أن تتضمن الموازنة الجديدة المزيد من الإنفاق الرأسمالي ومن ثم هناك احتمال بتحقيق عجز فعلي نتيجة لزيادة الإنفاق على المشروعات العملاقة. وفي الواقع تقوم أغلب دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك الاقتصاديات الأخرى على مستوى العالم بالإعلان عن تنفيذ موازنات توسعية. حيث أعلنت أغلب الدول عن موازنات لدعم الإنفاق الرأسمالي على البنية التحتية والمشروعات العملاقة لتحفيز الاقتصاديات بعيدا من الكساد. وفي السعودية، أظهرت الموازنة الجديدة للعام 2009 عجزا تاريخيا بنحو 65 مليار ريال سعودي (17.3 مليار دولار أميركي). كما أظهرت الموازنة الجديدة زيادة بمعدل 15.9 فى المائةفي الإنفاق بما يعكس التزام المملكة المستمر بالتركيز على الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة واعطاء الأولوية للمشروعات التي تضمن تطورا ملموسا ومتوازنا وكذلك المزيد من فرص العمل وتوفير الوظائف.
وبالمثل، فقد صدق مجلس الوزراء الاماراتي على موازنة توسعية للعام 2009 بنحو 42.2 مليار درهم إماراتي، بمعدل نمو 21 في المائة عن موازنة العام 2008.علاوة على ذلك، قدرت عمان تحقيق عجز بنحو 810 ملايين ريال عماني للعام 2009 وهو ما يمثل 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاعا بمقدار 410 ملايين ريال عماني عن العجز المقدر في الموازنة السابقة. وقد دخلت الكويت في فترة من تباطؤ وانخفاض النشاط في كافة القطاعات الاقتصادية تقريبا. ونتيجة لذلك تم التفكير في تشكيل مجموعة عمل بقيادة محافظ البنك المركزي لصياغة مجموعة من الحلول لإيقاف التدهور فى كل من النظام المالي والنشاط الاقتصادي.
وقد أتمت مجموعة العمل المشكلة مهمتها وتنتظر اعتماد مجلس الأمة لمشروع قانون يضم مجموعة من الحوافز لدعم وتنشيط النشاط الاقتصادي فى مختلف القطاعات وكذلك لدعم النظام المالي. وعلى صعيد السياسة النقدية، تبنى البنك المركزي الكويتي سياسة توسعية لتنشيط الاقتصاد ودعم سوق الائتمان باتخاذ العديد من الخطوات مثل تخفيض أسعار الخصم والفائدة بين البنوك، وحقن السيولة داخل النظام، وتوفير أساليب إقراض جديدة بين البنوك لاثنين من تواريخ الاستحقاق الجديدة واستهداف النمو الاقتصادى بدلا من التضخم لمساعدة الاقتصاد على تجاوز ضغوط الكساد. وهكذا استخدمت السياسة النقدية كافة الأدوات المتاحة تقريبا لتحفيز الاقتصاد. وعلى النقيض من ذلك، لا تظهر السياسة المالية مثل هذا الدعم لتنشيط السياسة النقدية. وهو ما يتضح من ضغط النفقات في الموازنة الجديدة وسط حاجة ماسة لزيادة النفقات الرأسمالية كمحفز اقتصادي.
ويعتقد التقرير وسط الأحوال الراهنة أنه من الأفضل تسجيل عجز بالموازنة في الوقت الذي يتم فيه زيادة النفقات الرأسمالية بدلا من تحقيق زيادة مستمرة في الفائض مع الحفاظ على النفقات الرأسمالية عند مستويات منخفضة. ومن الناحية الاقتصادية، ينبغي تكديس فوائض من أموال الاحتياطي خلال الأوقات الجيدة ومن ثم يمكن استثمار هذه الفوائض واستخدامها فى الأوقات السيئة للاستفادة منها.وحاليا، هناك حاجة ماسة لدى الكويت لوجود حافز اقتصادي لدعم النشاط الاقتصادي. وهكذا ستساعد الفوائض المتراكمة الموجهة لزيادة النفقات الرأسمالية والتنفيذ السريع لمشروعات التنمية على تحقيق كثير من الأهداف مثل توفير وظائف جديدة، ودعم النمو الاقتصادي، وتأمين استقراره، وتنويع الاقتصاد الكويتي بعيدا من النفط وتحسين الخطط العامة الاجتماعية والاقتصادية للتنمية.
وأخيرا، وكما ذكر سلفا، فإن الكويت في حاجة ماسة لدعم النمو الاقتصادي. وهو ما ينبغي تحقيقه في المقام الأول من خلال الإعلان عن وتنفيذ مشروعات التنمية العملاقة. وهي المشروعات التي سيكون من شأنها دعم نهضة الاقتصاد وتقليل التهديدات الناتجة من الكساد العالمي والتى قد تؤثرفي اقتصادنا كذلك.
يستمر هيكل الإيرادات الحكومية من خلال الاعتماد المتزايد على النفط في إثارة بعض المخاوف. حيث اعتمد نموذج ومعدل النمو في موازنة الدولة خلال الأعوام الماضية على صادرات النفط. كما تعد مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات ضئيلة على مدار الأعوام الماضية. وهو ما استدعى توجه الحكومة نحو الإيرادات البديلة عملا على التحوط ضد تذبذبات أسعار النفط.ولهذا نصح صندوق النقد الدولى الكويت بزيادة قدرتها على رفع الإيرادات غير النفطية عملا على تقليل الاعتماد على أسواق النفط المتذبذبة. علاوة على ذلك، حثت تقارير صندوق النقد الدولي للدول الكويت على الإسراع في تنفيذ برنامج الإصلاح الرسمي. كما أشارت التقارير إلى أن المزايا ستتراكم من تسعير السوق للسلع والخدمات العامة، تقليل الدعم، ومرونة الأجور في ظل تطبيق سياسة احلال الكويتيين. وقد شجع صندوق النقد الدولي الحكومة على إضافة المزيد من التأكيد على دمج أسواق العمل الأجنبية والوطنية، وربط الأجور بالقدرة التنافسية والانتاجية وذلك بهدف تشجيع الاستثمارات الخاصة.
ومن العوامل المهمة أيضا، أن النفقات الحقيقية تاريخيا كانت أقل من الأرقام المدرجة بالموازنة بنسب تتراوح بين 8-10 فى المائة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من الأهمية ملاحظة أن النفقات الرأسمالية شكلت الجزء الأكبر من هذا الانخفاض أكثر من النفقات الجارية. وقد استمرت النفقات الرأسمالية في الانخفاض عن أرقام الموازنة بمتوسط 39.5 في المائة خلال الفترة من العام 2003/2004 وحتى العام 2007/2008. وذلك بالمقارنة بانخفاض النفقات الجارية عن أرقام الموازنة بنحو 3.7 في المائة فقط خلال الفترة نفسها .وهو ما يشير إلى المستوى المنخفض من الاستثمار والحاجة الماسة لزيادة النفقات الرأسمالية من جانب الحكومة وخاصة من خلال منهج تراكم الفائض على مدار العام. وبصفة عامة فإن زيادة النفقات الرأسمالية له أثر إيجابي على الاقتصاد العام كما أن له أكبر الأثر على بعض القطاعات مثل المقاولات، والأسمنت، والعقارات. وهو ما سيكون له أثر سلبي أيضا على قطاعات أخرى من الاقتصاد من خلال المشاركة في تحقيق معدلات النمو المستهدفة وتوفير فرص عمل جديدة .
وبنظرة مستقبلية، فإن التقرير يعتقد أن الاقتصاد الكويتي سيتأثر بعنف بالأزمة الاقتصادية في العام 2009 وسيحقق معدل نمو منخفض للغاية خلال العام. وبالنسبة للعام 2009، فإننا نتوقع أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي للكويت لحوالى 2 فى المائة. ومن المتوقع لأسعار النفط، التي تمثل المحرك الرئيس للاقتصاد الكويتي، أن تظل تتراوح في حدود 40-50 دولارا أميركيا للبرميل للعام 2009. حيث ستنخفض الأسعار المتوقعة للنفط خلال العام 2009 كثيرا عن متوسط مستوياتها للعام 2008. وعلى أي حال، فإن هناك فرصا لارتفاع أسعار النفط خلال النصف الثاني من العام الحالى إذا ما استقرت الأحوال الاقتصادية العالمية. وهو ما سيمثل عونا للاقتصاد الكويتي. وبنظرة مستقبلية للعام 2010، فإننا نعتقد أن النمو الاقتصادي سيكون أعلى من العام 2009 حيث نتوقع أن نشهد استقرارا في النظام الاقتصادي العالمي حينها.
التعليقات