ترجمة جويل فضّول:أربعة ملايين عاطل عن العمل، إنه الرقم القياسي الذي حطّمته أسبانيا، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، حسب المعهد الأسباني للإحصاء (INE). وتقول زعيمة المحافظة ماريا نوراخوي إن هذه الأرقام ليست إحصائية وإنما هي مأساة وطنية، وفق صحيفة quot;الوقتquot; الفرنسية. حتى أن وزيرة المالية الاشتراكية إيلينا سلغادو تعتبر أن هذه الأرقام هي أسوأ بكثير ممّا كانت تتوقعه. ويثير انخفاض مستوى العمل في أسبانيا دهشة عارمة، بحيث هناك 802,800 عاطل جديد عن العمل، وذلك الرقم عبارة فقط عن رصد للفصل الأول من العام 2009. إذ بلغ بذلك معدّل البطالة مستوى خطرًا ملامسًا نسبة 17.36% مقابل 8% في أواخر العام 2007.

صدمة عارمة

تعتبر نسبة البطالة المرتفعة إستنزافًا حقيقيًا في أسبانيا التي كانت واحد من أهم عمالقة التنمية الاقتصادية في أوروبا منذ منتصف التسعينات، حيث خلقت بين عامي 1996 و 2004 مزيدًا من فرص العمل، أي أكثر من ستة ملايين فرصة عمل، مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي.مثلها مثل جيرانها، تدخل أسبانيا حالة من الركود الاقتصادي منذ أواخر سنة 2008. ولكن في حالتها، تختلف الصدمة المروّعة عن سواها من البلدان الأخرى، والتي ما زالت تنمو بإزدياد. والسبب في ذلك يعود إلى أن البلاد قد عانت مخاطر مزدوجة، لا سيّما الناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي أثّرت بدورها على الاقتصاد الوطني أيضًا. وقد نجم عنها انهيار حاد في قطاع البناء، ومع إنفاق المستهلكين القوي، كان قطاع البناء (BTP) محرّك الازدهار. ولكن مع سقوطه، مزّق جزءًا كبيرًا من النسيج الاقتصادي.

800 ألف مسكن خالٍ

جرّاء كل ما يحصل من انهيار في الاقتصاد، فلقد دخلت العديد من الشركات العملاقة للبناء حالة إفلاس، وعلى سبيل المثال تورد صحيفة quot;الوقتquot; الفرنسية إسم الشركات التالية المتأثرة تأثيرًا بليغًا بالأزمة الاقتصادية، لا سيّما شركة DHO و Marbar و Habitat. وقد اضطرت أيضًا العشرات من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى إغلاق أبوابها. واليوم، يجد المروّجون 800 ألف وحدة سكنية خالية، دون وجود لأي مشترٍ، ويترجّون الدولة للتوجه نحو إنقاذهم.أما بالنسبة إلى المصارف، فقد أغلقت أبوابها أمام الائتمانات، فكانت النتيجة نزيفًا في العمل، والذي قد بدأ في قطاع البناء، وتوسّع في قطاع الخدمات والصناعة، وبخاصة قطاع السيارات حيث تنتشر المخطّطات الاجتماعية. ومساوئ سقوط مثل هذا النشاط هي أن السلطات لا تعرف سبيل الخروج والوصول إلى رأسه. حتى أن خوسيه ليوس تاباتيرو، رئيس الحكومة، والذي يُعرف عادة بإفراطه في التفاؤل، قد اضطر للاعتراف بخطورة الأضرار الحاصلة، قائلاً: quot;نحن في قاع الموجة الاقتصاديةquot;.

تدابير إستباقية وركود

ويقوم الزعيم الاشتراكي بطمأنة المتقاعدين والعاطلين عن العمل قائلاً: quot;كل فرد سيحصل على ما يستحقه، فعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الدولة تتحمّل كل ما يحصلquot;. وبعبارة أخرى، حسب صحيفة الوقت الفرنسية، قامت وزيرة المالية إيلينا سالغادو بإعطاء فرصة للبلديات بهدف المباشرة في الأعمال، حتى لو أن الديون ستصل قيمتها إلى 10 ملايين يورو على مدى ست سنوات.وتهدف هذه التدابير الاستباقية إلى خلق 300 ألف وظيفة، ولكن بالنظر إلى وحشيّة البطالة، فلا يرى الاقتصاديون سوى كبح للاتجاه السلبي حيث يمكن البقاء عليه لمدة سنتين على الأقل. فصندوق النقد المالي صنف عادة أسبانيا بين البلدان الغنية الأكثر تعرّضًا للأزمة. وتتنبأ هذه المنظمة باستمرار الركود الاقتصادي خلال العامين القادمين، مع تقلّص بنسبة 3% من الناتج المحلي هذا العام، وبنسبة 0.9% في العام 2010. وكذلك أيضًا، بالنسبة إلى الترتيب العالمي حيث باتت تحتل أسبانيا المرتبة الثالثة عشرة عالميًا، إلا أنه يُتوقّع أن تتراجع مرتبتين حتى حلول العام 2013، من بعد كندا وكوريا.

أضف إلى أن معدّل البطالة سيعلو حتى 19.3% في العام المقبل، وحتى ذلك الحين فإن المأساة الاجتماعية لم تترجم فعليًا ولم تسفر عن حالات كبيرة من الاستياء في الشارع الأسباني، وفق صحيفة الوقت. إلا أن الواقع يقول بأن أكثر من مليون مسكن من الوحدات السكنية في أسبانيا، يقبع فيها الزوج وزوجته من الناشطين دون عمل، وذلك العدد يعتبر ضعف ما كان يحصل في العام الماضي. وتزداد البطالة بخاصة عند الرجال، حيث بلغ عددهم في ثلاثة أشهر 507 آلاف عاطل عن العمل، بينما عند النساء تزداد البطالة ضررًا، إذ يبلغ عدد العاطلات عن العمل 295 ألف.

مظاهر الأزمة الاقتصادية

تأثّر قطاع السياحة بشكل لافت في إسبانيا، بحيث أصبح السوّاح وبخاصة الاوروبيين يتجنّبون السفر إلى أسبانيا بهدف السياحة. وقد ألقت الازمة الاقتصادية ثقلاً كبيرًا على هذا القطاع، الذي يعتبر من أهم ركائز الاقتصاد الأسباني. فإنخفض عدد المقربين من السياحة بنسبة 16.3% في الفصل الاول من هذا العام، وفق ما أعلنته وزارة الصناعة والسياحة. ولقد زار إٍسبانيا في الفترة الاخيرة 1.560 مليون ألمانيّ، حيث يبدو هذا العدد أقل بـ 15.7% من السنة الماضية، ليليهم فيما بعد الفرنسيّون والذين بلغ عددهم 1.19 مليون شخص وقد انخفض بنسبة 9.8% مقارنة بالسنة الماضية أيضًا. ويعتبر ما يحصل في قطاع السياحة خسارة حقيقيّة للبلاد، حيث أن السياحة تمثّل 12% من فرص العمل، و12% أيضًا من الناتج المحلي الإجمالي. ولذلك يثير فقدان النشاط في هذا القطاع قلقًا عميقًا في أسبانيا. والجدير ذكره أن الأزمة الاقتصادية قد دفعت العاطلين عن العمل واليائسين إلى بيع أعضائهم السليمة، لدرجة أن وصلت بهم الأسعار إلى مليون يورو. وتعتبر هذه التجارة غير مشروعة، إذ تقوم الشرطة برصد المروّجين لها. أضف إلى أن بيع الأعضاء انطلق في ظاهرة غريبة على شبكات الانترنت ومواقع خصّصت لهذه الغاية تحديدًا.

أربعة ملايين عاطل عن العمل في إسبانيا

معدل البطالة بلغ أخطر نسبة له في الفصل الاول من هذا العام