المنامة - إيلاف: أعلن رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل وزير العمل الدكتور مجيد العلوي عن اعتماد القرار الوزاري المنظم لإجراءات انتقال العامل الأجنبي إلى صاحب عمل آخر دون موافقة صاحب العمل، وذلك دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون أو نصوص عقد العمل المبرم بين الطرفين، وبحيث يبدأ سريانه اعتباراً من أول أغسطس المقبل 2009، مؤكداً العلوي في مؤتمر صحافي عقده صباح اليوم الاثنين الموافق للرابع من مايو 2009 بمقر الهيئة، أن سوق العمل المحلية سيشهد ايجابيات واسعة ملموسة حين البدء في سريان القرار، أهمها رفع الرواتب للعمالة المواطنة والوافدة معاً، ومستبعداً أن يكون للقرار أية سلبيات جوهرية على السوق.
وفيما يذكر أن القرار الوزاري الذي نشرته الجريدة الرسمية في عددها الصادر الأسبوع الماضي الموافق 30 ابريل 2009، يبدأ في النفاذ بعد ثلاثة أشهر من نشره بالجريدة الرسمية، تضمن القرار تسعة بنود، أهمها إقراره بأن يكون للعامل الأجنبي ndash; دون موافقة صاحب العمل ndash; حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل، قال العلوي: quot;نعمل حالياً على تحديد سقف أعلى للعمالة الوافدة بالبحرين، وبحيث لا يتجاوز حجم العمالة الوافدة السقف المحدد بأي شكل من الأشكال، خاصة مع ارتفاع الوافدين الى نحو نصف مليون بالبلاد، وتم تكليف هيئة تنظيم سوق العمل بإعداد دراسة حول هذا الموضوع سيتم اتخاذ قرار بشأنه في حينهquot;.
وأوضح العلوي في المؤتمر الصحافي أن قرار انتقال العامل الأجنبي إلى صاحب عمل آخر ينطبق على القطاعين الخاص والعام، ووفق ضوابط تضمن حقوق كل من أصحاب الأعمال والعمال في آن واحد، موضحاً أن هذا القرار يوازن بين طرفي العمل، وبحيث يمكن للعامل الأجنبي بعد إعطائه لصاحب عمله إخطاراً برغبته في الانتقال مع مهلة ثلاثة أشهر، وأضاف: يهدف القرار الى إحداث تطوير شامل لبيئة العمل بالبحرين ورفع الرواتب والأجور بشكل عام في سوق العمل، بالإضافة الى القضاء على ظاهرة العمالة السائبة ومعالجتها جذرياً، فضلاً أنه لم يعد يليق بدولة متحضرة مثل البحرين التعاطي مع quot;نظام الكفيلquot; الذي لا يختلف كثيراً عن نظام العبودية، وسيضع هذا القرار المتفق مع الأنظمة الدولية البحرين ضمن الدول المتقدمة دولياً في التعاطي مع عمالتها الأجنبية.
وأضاف: يمكننا أن نوجز الأهداف الثلاثة الأساسية المتوخاة من تسهيل عملية انتقال العمالة الوافدةفي: تعزيز وتأكيد على التزام مملكة البحرين بمعايير حقوق الإنسان في مجال سوق العمل، وتوفير مرونة أفضل لهذا السوق عبر توفير بيئة أفضل لمطابقة المهارات المتوفرة بالمهن المطلوبة، والمساهمة في تعزيز دور الرسوم الهادف الى خفض فجوة التكلفة بين العمالة البحرينية والوافدة.
وعن الآثار السلبية المترتبة على هذه النقلة النوعية في تحرير سوق العمل المحلي قال العلوي: quot;أستبعد تماماً أية سلبيات جوهرية او جذرية، ولا تخوف لدينا على سوق العمل من حرية انتقال العامل الأجنبيquot;، وأضاف موضحاً: لقد أثبتت التجربة أن لا سلبيات على السوق المحلية بهذا القرار، إذ انتقل أكثر من 3800 عامل أجنبي بين أصحاب العمل خلال العام الماضي 2008، ولم تحدث أية مشاكل.
وأكد العلوي أن القرار تم اتخاذه بالتشاور والموافقة مع غرفة تجارة وصناعة البحرين، موضحاً أن الغرفة وهي ممثلة بعضوين ضمن مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل، أدخلت تعديلات على مشروع القانون بحسب رؤيتها.
على صعيد مقارب قال العلوي: إن قانون العمل بالقطاع الأهلي الجديد (قام المجلس النيابي باعتماده وتمريره الى مجلس الشورى ليأخذ دورته التشريعية) ينص على إنشاء محكمة عمالية تتخذ من وزارة العمل مقراً وذلك بالاتفاق والتنسيق مع وزارة العدل، موضحاً أن المرجعية في حال حدوث خلافات على انتقال العامل الأجنبي الى صاحب عمل آخر بين صاحب العمل والعامل ستكون القوانين ووزارة العدل، إذ أن حق التقاضي مكفول ويمكن لأي متضرر اللجوء للقضاء، ومضيفاً أن أي طلب يقدمه العامل الأجنبي لإعلان رغبته بالانتقال يجب أن تتخذ هيئة تنظيم السوق قراراً بقبول أو برفضه حسب الأنظمة التي يتضمنها القانون الجديد، وفي كل الأحوال لن يعتبر الانتقال قانونياً من دون موافقة الهيئة.
وأوضح الوزير العلوي تفاصيل القرار الجديد بقوله: ينص القرار على انه يجب على العامل في حالة رغبته في الانتقال قبل انتهاء أو إلغاء تصريح العمل الصادر بشأنه أن يخطر صاحب العمل الأول بخطاب مسجل بعلم الوصول خلال المدة المحددة للإخطار بإنهاء عقد العمل طبقاً لأحكام القانون أو عقد العمل المبرم بين الطرفين، على ألا تجاوز ثلاثة أشهر من التاريخ المحدد للانتقال.
كما ألزم القرار صاحب العمل الآخر أن يتقدم بطلب إلى الهيئة لاستصدار تصريح عمل بشأن استخدام العامل الراغب في الانتقال وذلك طبقاً للقواعد والإجراءات المبينة في القرار رقم (76) لسنة 2008، وأن يرفق بالطلب صورة من الإخطار المشار إليه في المادة السابقة وما يفيد إرساله بعلم الوصول.
وتضمن القرار أنه تقوم الهيئة بفحص طلب صاحب العمل الآخر لاستصدار تصريح العمل بشأن استخدام العامل الراغب في الانتقال للتحقق من توافر البيانات والمعلومات المطلوبة، ويجوز للهيئة تكليف صاحب العمل الآخر باستيفاء ما يكون لازماً للبت في الطلب من بيانات أو معلومات أو مستندات وذلك خلال ثلاثة أيام عمل من تاريخ تقديم الطلب، على أن تلتزم الهيئة بإصدار قرار بالبت في الطلب خلال ثلاثة أيام عمل من تاريخ استيفاء كافة البيانات والمعلومات والمستندات المطلوبة وموافقة الجهات المعنية، وإذا صدر القرار برفض الطلب وجب بيان أسباب الرفض.
وفيما نظّم القرار الوزاري سريان تصريح العمل الصادر لصاحب العمل الآخر باستخدام العامل من تاريخ سداد الرسوم المقررة، أوجب القرار الوزاري على العامل الذي يرغب في الانتقال بعد انتهاء أو إلغاء تصريح العمل الصادر بشأنه لأسباب ترجع إلى صاحب العمل، أن يخطر الهيئة بذلك على الأنموذج الذي تعده لهذا الغرض قبل انتهاء مدة التصريح بفترة لا تقل عن ثلاثين يوما أو خلال خمسة أيام عمل من تاريخ إخطاره بإلغائه، ويجوز توجيه هذا الإخطار بشكل إلكتروني، ويمنح العامل في هذه الحالة مهلة مقدارها ثلاثون يوماً لتمكينه من الانتقال، ويحظر عليه خلالها مزاولة أي عمل.
وعلى الصعيد ذاته أوضح الدكتور مجيد العلوي في بيان صحافي على هامش انعقاد المؤتمر: أن من أهم أهداف إصلاح سوق العمل توفير بيئة عادلة ومنصفة يستطيع عبرها كل من صاحب العمل والعامل البحريني المساهمة في تنمية المجتمع وفق أسس اقتصادية واجتماعية تمكن المواطن البحريني من تحقيق أهدافه في حياة كريمة وحرة له وللأجيال القادمة. وتوجه القيادة السياسية للمملكة كل اهتماماتها من أجل أن يكون سوق العمل رافدا للتنمية ومصدراً لتعزيز الأمن والاستقرار، ولذلك فقد كان مشروع إصلاح سوق العمل الذي دشنه صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد حفظه الله من أهم المبادرات التي سعت الى إشراك المواطنين وممثليهم في البرلمان بالإضافة إلى ممثلي أصحاب الأعمال والعمال، في صياغة سياسات هذا الإصلاح بدءاً من ورشة العمل التي دشنها سموه في 2004، وانتهاء بتكريس مبدأ التشاور مع الجمهور في قانون 19 لعام 2006 والمختص بإنشاء هيئة تنظيم سوق العمل. هذا المبدأ الذي يضاعف من قوة الحوار الاجتماعي المؤسسي والمتجسد في التركيبة الثلاثية لمجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل.
كما يعرف الجميع فان مبدأ إصلاح سوق العمل قد أصبح ضرورة عملية وسياسية حازت على إجماع شعبي واسع، وان كانت بعض سياسات هذا الإصلاح مثل الرسوم وانتقال العمالة قد واجهت ولا تزال معارضة، بعضها ناجم عن سوء الفهم وبعضها الآخر نتيجة الخوف من النتائج وعدم الرغبة في مواكبة متغيرات العصر والتكيف معها.
كل ذلك يمكن تفهمه ولكن ينبغي كذلك أن ندرك بأن هناك طريقاً شاقاً ومهماً علينا أن نقطعه جميعا حكومة وعمالا وأصحاب أعمال. انه طريق الإصلاح الهادف إلى توفير قاعدة مستدامة لنمو سليم وليس مشوها لسوق العمل. سوق عمل يمكنه أن يكون نموذجا يحتذى به ويقف في صف متكاتف معمنجزات البحرين السياسية والاقتصادية التي لاقت الإشادة من كافة منظمات وبلدان العالم.
وحتى نتمكن من دفع مسيرة إصلاح سوق العمل قدما الى الأمام ، لابد لنا من التغيير القائم على أسس ومبادئ عادلة ومنصفة للجميع. الإبقاء على الأوضاع الراهنة لا يعتبر إصلاحا بل تراجعا عن فكرة الإصلاح من الأساس. وعلينا أن ننتبه الى أن أطراف سوق العمل لا تقتصر فقط على أصحاب الأعمال والعمال البحرينيين فقط، بل ونتيجة لأن غالبية العاملين في القطاع الخاص هم من فئة العمالة الوافدة فإن هناك معايير عالمية تحتم التعامل معهم وفق أسس إنسانية وحضارية التي تجد جذورها كذلك في قيمنا العربية والإسلامية العريقة.
لقد نصت المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان quot;على أنه لكل شخص حرية اختيار عمله بشروط عادلةquot;. وكل شخص يعني كل إنسان بغض النظر عن جنسيته أو هويته. إننا نتعامل مع العامل الوافد بوصفه إنسانا وليس بضاعة. ويستلزم ذلك منا أن نحترم حقوقه الإنسانية ومنها حقه في اختيار عمله.إننا نشير إلى هذه المسألة لأننا نعتقد بأنها لم تأخذ حجمها الصحيح لدى المعترضين على انتقال العمالة الوافدة.
المسألة الثانية المهمة في فهم عملية انتقال العامل الوافد، تتلخص في كيفية فهم هذا الانتقال ضمن سياق إصلاح سوق العمل.
انتقال العامل يمثل أحد العناصر المهمة في سير آليات سوق العمل بصورة طبيعية. لماذا ؟ لأن الانتقال سيفيد كلا من صاحب العمل والعامل على حد سواء. الأول سيستفيد من قنوات السوق المحلية في توفير العمالة التي يحتاجها، وبالتالي يكون قادرا على التغلب على نقص المهارات والكفاءات في بعض المهن، والثاني سيستفيد عبر تحسين شروط وظروف عمله.
عندما يسود ظرف لا يستطيع في ظله العامل أن يختار وظيفته بحرية، فإن مستويات الأجور ستتجمد عند مستوى معين يقاوم أي تحسين في مستوياتها. العامل إما أن يبقى مستمرا في عمله بمستوى الراتب (المتدني بالنسبة لمستويات المعيشة في البحرين ولكنه مرتفع بالمقياس مع ظروف البلد الذي أتى منه) وهو ما سيؤدي الى عزوف البحرينيين عن قبول هذه الأعمال، أو قد يسعى العامل الوافد الى تحسين وضعه عبر quot;الهروب من صاحب العملquot;. المحصلة النهائية تتجسد باستمرار بقاء مستويات الأجور متدنية (لأن أسعارها تتحدد بأجور العمالة الوافدة غير القادرة على الانتقال)، واستمرار ظاهرة quot;هروب العمالquot;.
في المقابل سيجد صاحب العمل نفسه مجبرا على اللجوء إلى الأسواق الخارجية لسد النقص في حجم ونوعية العمالة التي يحتاجها، في ظروف سوق العمل في البحرين نرى أن مثل هذا الوضع قد ساهم في الى زيادة معدلات استقدام العمالة الوافدة بصورة مستمرة نظرا لعدم توفر خيارات محلية لسد النقص في الأيدي العاملة التي يحتاجها أصحاب الأعمال.
من هنا يمكننا أن ندرك الأسباب التي دعت الى أن يكون هناك حرية لانتقال العامل الوافد بعد قدومه للعمل في البحرين. لا تعني هذه الحرية أن الأمور ستفلت من زمامها كما يخشى البعض، حيث نصت المادة 25 على حق الانتقال quot;وذلك دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانونquot; وفي ذلك إشارة صريحة إلى مراعاة القانون لمصالح أصحاب الأعمال.
لقد اهتم مجلس إدارة الهيئة بموضوع الانتقال بشكل خاص حيث عقدت سلسلة من الاجتماعات لمناقشة الضوابط التي ستحكم عملية الانتقال وأكد على أهمية أن يكون صاحب العمل الجديد ملتزما بالبحرنة لدى انتقال العامل الوافد إليه. كما أن الهيئة سترصد مؤشرات الانتقال بصورة منتظمة ودقيقة للوقوف على أية تغيرات في أداء السوق.
يمكننا أن نوجز الأهداف الثلاثة الأساسية المتوخاة من تسهيل عملية انتقال العمالة الوافدةفي:تعزيز وتأكيد على التزام مملكة البحرين بمعايير حقوق الإنسان في مجال سوق العمل، وتوفير مرونة أفضل لهذا السوق عبر توفير بيئة أفضل لمطابقة المهارات المتوفرة بالمهن المطلوبة، والمساهمة في تعزيز دور الرسوم الهادف الى خفض فجوة التكلفة بين العمالة البحرينية والوافدة.
إن أسواق العمل التي لا يمتلك فيها العمال حق انتقالهم بحثا عن فرص عمل أفضل تعتبر أسواق جامدة وغير تنافسية ومشحونة بأسباب التوتر. إنها أسواق معزولة عن العالم.
الثبات على ما اعتدنا عليه لا يعني بالضرورة الاستقرار. وفي عالم أصبحت فيه القدرة على المنافسة شرط البقاء يبقى مفتاح النجاح بيد من يمتلك القدرة والعزيمة على التكيف مع الحقائق الجديدة ويوازن بين المصالح المختلفة على أساس عادل وسليم.