يستعيد لبنان دوره كبلد سياحي متميز مستفيداً من الاستقرار الأمني والهدوء السياسي اللذين بدآ يتعززان بعد إنجاز الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة quot;الوفاق الوطنيquot; العام المنصرم. يبدو ذلك جلياً من خلال quot;الزحمةquot; الكبيرة للسائحين وقد بات وجودهم شبه دائم في كل شارع أو مطعم أو معلم أثري، حيث تؤكد الإحصاءات المختلفة أن لبنان كان خلال العام الماضي محط رحال لما يزيد على مليوني سائح وفقاً لتأكيد وزير السياحة فادي عبود الذي توقع زيادة كبيرة في العدد أثناء السنة الحالية. كما أشار إلى أن السائحين العرب يشكلون حوالى خمسين في المئة ويأتي السعوديون في مقدمهم يليهم الأردنيون ومن ثم العراقيون، بينما يحتل الفرنسيون المرتبة الأولى من السائحين الغربيين يليهم البريطانيون والألمان.

بيروت: يدفع quot;الإقبالquot; السياحي الذي يشهده لبنان العديد من المؤسسات الإعلامية والمجلات العالمية المشهورة (النيوزويك، التايمز، اباري ماتش...) إلى إجراء تحقيقات صحافية تعتبر العاصمة بيروت ولبنان عموماً بلداً سياحياً من الدرجة الأولى، وتؤكد استعادة دوره باعتباره نقطة الجذب السياحية الأولى في منطقة الشرق الأوسط.

تبدو الفرصة المتاحة أمام لبنان سياحيا كبيرة جدا بسبب السمات المناخية والطبيعية والعمرانية والأثرية والخدماتية التي يتميز بها وتجعله بلداً رائداً على هذا الصعيد، ولانه يسمح للسائح بالتمتع في اليوم نفسه بالشمس الدافئة وهواء البحر وممارسة رياضة التزلج في أعالي الجبال، مروراً بارتياد المطاعم الفاخرة وإحياء السهرات حتى مطلع الفجر، ويعزز كل ذلك المطبخ اللبناني الذي يتميز بإعداد أشهى أنواع المأكولات، وانتشار أعمال المؤسسات التجارية التي تعرض آخر ابتكارات الأزياء وquot;الموضةquot; العالمية.

ويضاف إلى العوامل التي بدأت تساعد لبنان على استعادة دوره السياحي والخدماتي تعرض التجربة الخدماتية والسياحية في إمارة دبي لأزمة مالية أنذرت بتراجعها كنموذج سياحي وخدماتي منافس للبنان في منطقة الشرق الأوسط، واعتماد وسائل سياحية جديدة تأتي السياحة البيئية على رأسها والتي تتيحها طبيعة لبنان الغنية والمتنوعة من جبال وسواحل وينابيع وأنهار وبحر تشكل في ذاتها ثروة سياحية فريدة، وفقاً لتأكيد مدير مشروع الجرود للسياحة البيئية في مثلث جرود عكار، الضنية، الهرمل، حسين علوة الذي يلفت إلى أن هذه السياحة تتحول رياضة، وتتخذ منحى رائعاً يتيح اكتشاف جمال الطبيعة في لبنان ونظام حياة وقيم اللبنانيين الذين يعيشون في أحضانها وخصوصاً المناطق النائية.

ويشير نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر إلى أن السياحة باتت نفط لبنان، وهي بمثابة القاطرة للاقتصاد اللبناني مشدداً على ضرورة تفعيل البرامج التي تضع البلاد على الخريطة السياحية الدولية، خصوصاً من خلال إعادة ثقة السائح الغربي، لافتاً إلى أن هذا الجهد يتم العمل عليه مع وزارة السياحة لتسويق لبنان في الخارج، وبالتالي استقطاب أكبر عدد من السياح، وكشف الأشقر عن استثمارات جديدة في القطاع الفندقي في لبنان، حيث يتم بناء ثلاثة آلاف غرفة فندقية جديدة ليصل إجمالي العدد خلال السنتين المقبلتين إلى 25 ألف غرفة فندقية.

ويتساءل عدد كبير من أصحاب المؤسسات السياحية عن مدى قدرة وزارة السياحة في لبنان على توفير الشروط الضرورية المطلوبة لتحويل quot;الفورةquot; السياحية الراهنة حالة دائمة ومتطورة، توفر للبنان أهم عناصر الدخل والنمو وفرص العمل لأبنائه، وذلك عبر تأمين البنية المطلوبة لذلك وخصوصاً لجهة تحديث وتطوير الخدمات السياحية، وبما يواكب العصر ويلبي الحاجات المستجدة للسائح في القرن الحادي والعشرين من حاجات واهتمامات، وعلى كل المستويات التجارية والثقافية والصحية وغيرها.

ويقول وزير السياحة فادي عبود في هذا الصدد, quot;إن العمل متواصل حالياً لإعداد خطة متكاملة تطور القطاع السياحي، وهي تركز على وضع استراتيجية لسياحة مستدامة، وتحديث وزارة السياحة والعمل على تعزيز صلاحياتها وتوسيع النشاط السياحي على كل الأراضي اللبنانية وتنمية السياحة الداخلية واستقطاب فئات جديدة في السياحquot;، ويشدد عبود على أن quot;هذه المهمة تتطلب تعاوناً كبيراً بين القطاعين العام والخاص للوصول إلى نتائج ملموسة وبما يجعل السياحة اللبنانية ذات مواصفات عالميةquot;.

وتبدو الفرصة المتاحة أمام لبنان سياحياً كبيرة جداً، وهي تؤكد إمتلاكه امكانات كبيرة على هذا الصعيد ، خصوصا أن منظمة الأمم المتحدة كانت قد وضعت خمس مدن لبنانية على لائحة التراث العالمي وهي بعلبك وصيدا وصور وطرابلس وجبيل واختيار مغارة جعيتا كإحدى عجائب الدنيا منذ وقت ليس بعيدا. وهذا يؤكد يوماً بعد آخر الفرصة الكاملة للبنان بأن يكون أحد أهم المقاصد السياحية في العالم، ما يجعل هذه المهمة تتجاوز قدرة وزارة السياحة على إنجازها ويرهن تحقيقها بالإجراءات التي ستبادر الحكومة الجديدة مجتمعة على اتخاذها وخصوصاً لجهة وضع استراتيجية سياحية تواكب العصر، حيث يبقى للعديد من الوزارات المختصة دورها الحاسم في التعاون من أجل وضعه الخطة المتكاملة والمطلوبة على هذا الصعيد، ناهيك بالعمل من أجل تنفيذها بيئياً، صحياً، ثقافياً، خدماتياً وغيرها من المجالات التي تنعكس مباشرة على تعزيز وتطوير القطاع السياحي ومدى الاستقرار الأمني والسياسي الذي ستعيشه البلاد في منطقة حبلى بالأحداث والتطورات التي غالباً ما تنتهي بحروب تعيد أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية إلى نقطة الصفر.