اعتدال سلامه من برلين: الدراسات التي أكدت أن النفط لن يكون مادة أبدية، دفعت ببلدان صناعية، كألمانيا، إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة في كل المجالات، إن بوساطة الرياح أو الطاقة الشمسية. واليوم تريد الغوص في أعماق الأرض من أجل ضمان إنتاج لو جزء مما تحتاجه من الطاقة. وهذا ما توصلت إليه ألمانيا بالفعل، بعدما خصصت ميزانيات لهذا الهدف المستقبلي.

ففي بلدة دورنهار غير البعيدة من مدينة ميونيخ، بدأ مشروع غير عادي لإنتاج الطاقة من جوف الأرض، والمقصود به هنا المياه الساخنة. لذا فإن ما يسترعي انتباه من يدخل إلى البلدة هي يافطة تحمل الأحرف الكبيرة التالية GFZ، وهو اختصار لعبارة مركز الأبحاث الجيولوجية في مدينة بوتسدام القريبة من برلين، الذي يقوم بالتعاون مع شركة هيرينكنيشت المتخصصة في الحفر في باطن الأرض، بالوصول إلى الثروة الطبيعية من الماء الساخن.

لكن المشروع يحمل اسم InnovaRig نسبة إلى اسم الحفارة، التي طورّتها الشركة لهذا الغرض، ويشارك في المشروع جيولوجيون وفنيون وخبراء طاقة ألمان. ويصل استطاعة هذه الحفارة، التي يتم الاستعانة بها، إلى 2700 حصان بخاري، وبقوة دفع يمكنها من الوصول إلى عمق 5000 متر في جوف الأرض من أجل الوصول إلى الماء الساخن. ومن المتوقع أن يتم مع نهاية هذا العام تشغيل محطة طاقة، تصل استطاعتها إلى 5 ميغاواط ساعي، من أجل توليد الطاقة الكهربائية والحرارة في الوقت نفسه، وذلك على مدار الساعة ومن دون الأخذ بالاعتبار إن كانت هناك شمس أو رياح، فهذا لن يلعب أي دور. لذا يمكن القول إن هذا المشروع يستعمل آليات غير عادية، خاصة آليات الحفر، التي يعتبر دورانها غير عادي.

والميزة في هذا المشروع، حسب قول مارتين هيرنكنيشت، رئيس شركة هيرنكنيشت، هي استخدام حفارة تصل إلى الأعماق، وتجهيزات أخرى، تعمل من دون إنتاج أية فضلات، وهذا يراعي قوانين حماية البيئة. كما إنه لا يصدر منها أي ضجيج، ولا تنطلق منها روائح غير مقبولة، وهذا أيضاً أمر في غاية الأهمية للسكان المقيمين في محيط المشروع، وكل ذلك يجعل تكاليف الإنتاج منخفضة في المناطق، التي يمكن فيها توظيف هذه الآليات والاستفادة بها.

ويمكن لهذه الحفارة الضخمة حفر ما عمقه 100 متر يومياً. وبحلول الصيف المقبل، سيكون بالإمكان خلال ثانية واحد استخراج 150 ليتراً من الماء الساخن، الذي تصل حرارته إلى 140 درحة مئوية إلى سطح الأرض. ولاستخراج طاقة جوف الأرض ( الجيومترية)، والاستفادة يجب حفر ثقبين (بئرين) في الأرض بشكل دائم، حيث يتيح أحد الثقبين استخراج الماء الساخن اللازم لإنتاج الطاقة، بينما يتيح الثقب الآخر عودة المياه الباردة إلى جوف الأرض، مروراً بالطبقات الصخرية الساخنة.

وعن أقسام الآليات، فإن القلب النابض للحفارة InnovaRig هي برج الحفر، الذي يتوسطه رأس التحكم، ويقود أنبوب الحفر نحو الأعماق بسرعة تصل إلى 220 دورة في الدقيقة الواحدة. أما الأنابيب الموصولة في الممر الضيق في الأنفاق فترفع ذراع العمود داخلها بشكل تلقائي، وتثبتها في وحدة الحفر العمودية، وينظف الثقب المحفور بشكل مستمر بواسطة الماء الموجود في خزانات التنظيف.

ويتم التحكم رقمياً بالحفارة، فمن مركز التحكم يدير الفنيون التحهيزات بالذراع المتحرك لتحفر الحفارة InnovaRig على عمق حوالي 5000 متر. ومن أجل توليد الطاقة من جوف الأرض، يتم ضخ المياه الحارة إلى محطة للطاقة. ومن خلال معدل حراري يمكن الاستفادة من الحرارة في إدارة العنفات التي تقوم بتوليد الطاقة الكهربائية، وفي الختام تتم الاستفادة مما بقي من حرارة المياه في تأمين التدفئة عن بعد للمنازل، ثم يعود الماء البارد إلى الطبقات الصخرية من جديد.

وحسب قول مشرفين على المشروع، سبق وأن أجريت تجارب على إنتاج الطاقة من الماء الساخن في باطن الأرض، لذا من المتوقع أن تنتج المحطة العاملة بهذا الأسلوب من الطاقة الكهربائية ما يعادل إنتاج سبع محطات ذرية. رغم ذلك، لم تتقدم هذه التقنية على إنتاج الطاقة من الشمس والرياح وغيرها من المصادر غير الضارة بالبيئة، فهي مازالت تشكل 1 %، لكن بفضل التقينات المتطورة في الحفر، يتوقع أن يرتفع الطلب عليها.

يذكر أن مشروع بلدان دورنهار في مجال إنتاج الطاقة من جوف الأرض ليس الأول من نوعه في ألمانيا، بل سبقه مشروع في منطقة لاندور، وهو ينتج اليوم التدفئة والطاقة الكهربائية في الوقت نفسه. فمنذ أواخر عام 2007، يزوّد هذا المشروع 6000 منزل بالطاقة الكهربائية، وحوالي 300 منزل بطاقة التدفئة، وذلك دون تسبب أي نوع من الغازات المضرة بالبيئة.

وحسب وزارة البيئة الاتحادية، توجد الآن خطط جاهزة لبناء حوالي 150 محطة إنتاج عاملة بطاقة المياه الساخنة من جوف الأرض. والهدف اليوم تطوير تقنياتها، لكي تلحق قريباً بركب محطات الطاقات البديلة، فهناك إمكانيات هائلة لا تنضب من الطاقة في جوف الأرض، وبالتحديد في المياه الساخنة المخزنة بين الصخور، وتقينات الحفر الألمانية تجعل الاستغلال الاقتصادي للطاقة الجوفية من الأمور الواردة.