مصطفى أبو هدروس من غزة: إن المتتبع لنشأة وتطور أسواق المال الأوروبية أو العالمية في الدول المتقدمة تاريخيا يلاحظ أنها لم تنشأ من فراغ، وإنما قامت كمحصلة لمقتضيات وتطورات اقتصادية استوجبت نشأتها، وقد حذت السلطة الفلسطينية حذو الدول المحيطة بها في المنطقة وانشات سوق فلسطين للأوراق المالية وذلك بمبادرة من شركة فلسطين للتنمية و الاعمار باديكو، حيث انه مع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية وما تبعها من تأسيس لسلطة النقد في العام 1994 شهد القطاع المالي الفلسطيني نموا حقيقيا ومطردا في جميع مؤشرات القطاع المصرفي، فازداد عدد البنوك من 2 في العام 1990 إلى 21 بنكا لها 184 فرعا منتشرة في فلسطين، وأصبح القطاع المصرفي اليوم وبمقاييس عدة من أكثر القطاعات نضجا وتنظيما في الاقتصاد الفلسطيني.

كان الهدف الأساسي من إنشاء السوق هو جعله بوابة للاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني وتوفير مصدر أخر من مصادر التمويل طويل الأمد للشركات المساهمة العامة.

وفي العام 2004 أقر المجلس التشريعي الفلسطيني قانون هيئة سوق رأس المال وقانون الأوراق المالية، وتم إنشاء الهيئة في العام 2005، وعلى الرغم من توفر الإمكانية الفنية والقانونية لتداول العديد من الأنواع والأدوات المالية إلا أن التداول لا يزال مقتصرا على الأسهم فقط.

مر سوق فلسطين للأوراق المالية منذ نشأته بعدة مراحل يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مراحل أساسية يمكن تقسيمها زمنيا لمرحلة 1997-2004 التي بلغ معدل قيمة التداول السنوية فيها 101.5 مليون دولار، ومعدل القيمة السوقية 722 مليون دولار، معدل عدد الصفقات السنوي 11500 صفقة، ومرحلة العام 2005 قيمة التداول السنوية 2096 مليون دولار، والقيمة السوقية 4457 مليون دولار، وعدد الصفقات السنوي 167 ألف صفقة، والمرحلة الثالثة مرحلة 2006 إلى الآن معدل قيمة التداول السنوية 1000 مليون دولار، معدل القيمة السوقية 2700 مليون دولار، معدل عدد الصفقات السنوي 150 ألف صفقة.

ويتضح من مقارنة المراحل الثلاث، أن سوق فلسطين للأوراق المالية قد شهدت بداية متواضعة جدا في سنواتها الأولى ولكنها عملت بشكل مستمر على جذب وتنمية عدد الشركات المدرجة وحققت نموا مستمرا خلال هذه السنوات فيما يتعلق بقيم وإحجام التداول وعدد الجلسات، لقد انطلقت السوق فعليا في العام 2005 والذي كان عاما استثنائيا وصلت فيه أسعار الأسهم إلى حدود غير منطقية نتيجة للتفاؤل المفرط وغياب مقومات القرار الاستثماري الواعي، فباستثناء هذا العام يمكننا القول أن السوق قد حافظت على اتجاه صعودي عام منذ نشأتها.

إلا أن الأعوام التالية والتي شهدت تطور دور هيئة سوق رأس المال وإطلاق السوق لبرنامج التوعية الاستثمارية وتكثيفه لجهود تعريف كافة شرائح المجتمع من المستثمرين بأسس وآليات الاستثمار الصحيح قد أثمرت بتطوير آليات عمل السوق وزادت بيئة التداول شفافية وعدلا.

هذا وقد أكد الرئيس التنفيذي لسوق فلسطين للأوراق الـمالية الدكتور أحمد عويضة أن هناك التزام مستمر من السوق لاستخدام أحدث التقنيات المتاحة، فهي أول سوق مؤتمت بالكامل منذ إنشائه، ومن أوائل الأسواق العربية التي استخدمت التداول الالكتروني.

يجدر الذكر أن خلال جميع المراحل السابقة والتي كانت تشهد الساحة الفلسطينية في بعض أوقاتها خللا تسببه الاجتياحات الإسرائيلية أو الاقتتال الداخلي، فقد كان العديد من موظفي السوق والهيئة وشركات الوساطة والشركات المدرجة وبعض البنوك يتواجدون في أماكن عملهم لضمان سير العمل.

ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي من اكبر العوائق أمام تقدم الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام وسوق فلسطين للأوراق المالية بشكل خاص، وذلك من خلال الاجتياحات المتكررة والحصار وإغلاق المعابر وقصف المنشات الصناعية والتجارية ومنع إدخال معدات لشركة الاتصالات الفلسطينية مما يعيق خدمات الانترنت والاتصال الخلوي والهاتفي وهي من ضروريات التداول.

من المؤكد بأن الوضع السياسي والأمني والاقتصادي السائد، والناجم عن سياسات الاحتلال وإجراءاته التعسفية، قد لعب دوراً مركزياً في الحد من فرص تطوير السوق بحسب التوقعات الأولية، إلا أن عوامل أخرى عديدة كان لها أثراً بالغاً على تحجيم أداء السوق والحيلولة دون وصوله إلى المستويات التي تتناسب والكفاءة المميزة للكوادر العاملة فيه والتجهيزات الفنية المتاحة له.

ويرى الدكتور ماهر الطباع الاقتصادي الفلسطيني المعروف أن أهم هذه العوائق هنالك ضعف شديد في البيئة القانونية التي تحكم عمل السوق، حيث أن السوق يعمل بموجب أنظمة وضعتها إدارته خلال السنوات الأولى من تأسيسه، ويشرف على تطبيق هذه quot;الأنظمةquot; وزارة المالية من خلال ممثل لها يقيم في مقر السوق.ومن الناحية المقابلة، فإن الجهود والمبادرات الرامية لسن التشريعات ذات العلاقة، وهي قانون الأوراق المالية وقانون هيئة سوق رأس المال، تسير ببطيء شديد ولا يوجد أي مؤشر واقعي على أنها تسير نحو الإقرار التام خلال المستقبل القريب، وذلك رغم كثرة الحديث عن أنها قد مرت بهذه المرحلة أو تلك.

وهنالك مشكلة كبيرة من حيث التزام بعض الشركات المدرجة، وكذلك الشركات غير المدرجة، بالحد الأدنى من متطلبات الإفصاح، وبالطبع فإن ذلك يشكل عقبة جوهرية أمام خلق سوق استثماري سليم لا يتعرض المستثمرين فيه إلى مفاجآت قد تلحق بهم أضراراً جسيمة، ويلاحظ في هذا السياق بأن جهاز الرقابة في وزارة الاقتصاد الوطني لا يمارس، وربما أنه لا يسمح له بممارسة دور فعال في مراقبة الشركات، وإلزامها بالمتطلبات القانونية المتعلقة بالإدارة المالية وعقد اجتماعات الهيئة العامة وإجراء الانتخابات في مواعيدها وبحسب آليات واضحة ومنصفة، ومن شأن كل ذلك أن ينعكس في نهاية الأمر على المناخ الاستثماري وعلى أداء السوق المالي.

بالاضافة إن القصور الفادح في أساليب عمل مكاتب تدقيق الحسابات قد ساهمت هي أيضا في الضعف الشديد لمستويات الإفصاح السائدة في المنشآت التجارية الفلسطينية، ولا شك أن اعتماد معايير دولية للتدقيق، وفرض رقابة حكومية فعالة على تطبيق هذه المعايير، هو خطوة بالغة الأهمية لتحسين المناخ الاستثماري في فلسطين.