الصيام وما ينتج منه من افتقار الجسم إلى السوائل والإرهاق المتأتي من اختلال نمط النوم والسهر معظم الليل في رمضان، وخلو الجسد من quot;وقودهquot;، متمثلاً في المأكل والمشرب، يعني بالضرورة انخفاض الإنتاجية، الذي يعني بدوره آثاراً سلبية على البنى الاقتصادية في الدول العربية والبقية الإسلامية.

لندن: ينخفض معدل الإنتاجية في الدول العربية بنسبة هائلة تبلغ 78 %، تبعاً لمسح أجراه laquo;معهد العلوم الاجتماعية في العالم العربيraquo;، الذي يتخذ من القاهرة مقراً له. ويعزو المعهد هذا إلى عوامل عدة، منها خفض عدد ساعات العمل (من 8 ساعات إلى 6 أو أقل) والتغيب عنه بسبب المرض أو الإرهاق. في الوقت نفسه، فإن الاستهلاك يرتفع بمعدل عكسي، وهو ما يعني إنهاك العجلة الاقتصادية.

وتبعاً للموسوعة الحرة laquo;ويكي إسلامraquo;، فإن هذا ينطبق بشكل خاص على مختلف مؤسسات الدولة ودوائرها، حيث تكاد الإنتاجية تنعدم بالكامل طوال شهر رمضان وعطلة عيد الفطر الطويلة. لكن القطاع الخاص يتأثّر أيضاً بمعدلات في انخفاض الإنتاجية تختلف من مؤسسة إلى أخرى. كما إن المتاجر لا تفتح أبوابها حتى وقت متأخر بمتوسط العاشرة صباحاً، وإن العاملات في مختلف المؤسسات يحرصن على الخروج في وقت مبكر من أجل إعداد وجبات الإفطار لأسرهن.

ونقلت الموسوعة عن الاقتصادي الأردني سلامة ضراوي قوله لصحيفة laquo;جوردان تايمزraquo; إن الموظفين والعاملين الأردنيين laquo;يعتبرون التغيب عن أشغالهم حقاً يقدمه لهم شهر الصوم، وهذه ظاهرة في حد ذاتهاraquo;. ونقلت عن حسام عيّاش، وهو محلل اقتصادي آخر، قوله إن الإنتاجية في عموم الأردن تنخفض خلال رمضان بمعدل 50 %، سواء في القطاع الحكومي أو الخاصraquo;.

هذا إضافة أيضاً إلى أن مسيرة التعليم تتراخى، وتخرج عن أنماطها المألوفة في بقية العام الدراسي. وضربت الموسوعة مثالاً عن ذلك بأن جامعة الملك عبد العزيز، المعتبرة الآن بين أكبر الجامعات العربية رغم حداثة سنها نسبياً، تفتح أبوابها من العاشرة صباحاً إلى الثالثة ظهراً طوال شهر الصوم، وبأنشطة أكاديمية وغيرها، تقل كثيراً عن المعتاد في بقية السنة الدراسية. ووفقاً لما نقلته عن بعض أفراد طاقم التدريس فإن الجامعة تشهد في هذه الفترة موجة عالية من غياب الطلاب عن الفصول، بسبب السهر طوال الليل، والحاجة بالتالي إلى النوم خلال ساعات النهار.

ورغم أن المؤسسات العامة والخاصة في دبي، على سبيل المثال، تحاول الالتفاف على المشكلة عبر نقل بعض الأنشطة، كالاجتماعات الدورية، إلى ساعات المساء، فإن الإنتاجية بشكل عام تنخفض بمعدلات قد تصل إلى 40 %، بحسب التقارير الصحافية المحافظة. لكن البعض يقول إن النسبة الحقيقية في دبي وبقية الإمارات ودول الخليج تقارب ضعف هذا الرقم. وهذه أمثلة تنطبق بالطبع على سائر الدول العربية الأخرى وبقية الدول الإسلامية حول العالم، مثل باكستان وماليزيا وأندونيسيا.

وربما كانت المحاولة الوحيدة للخروج من مشكلة الإنتاجية المتدنية خلال رمضان جاءت في الخطاب الشهير الذي ألقاه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في الثمانينات، ويبيح فيه الإفطار laquo;من أجل تقدم البلادraquo;. واستشهد بأن النبي محمد laquo;هو رسول العمل والجهادraquo;، وأنه laquo;جعل الأولوية لشؤون الدولة، عندما تكون في حاجة إلى مزيد من القوةraquo;.

ومما جاء في خطابه هذا حينذاك laquo;إنّ التعبئة التي ندعو إليها والعمل المتواصل المتحتّم والضروريّ تعترضه عقبات يعتبرها الشعب ذات مصدر ديني، فيقول الناس: quot;أقبل رمضان، ولا عمل فيه، والأمر لا ينازع فيه منازعquot;، هذا هو الحدّ الذي وصل إليه الأمر. ويقولون: هل أسمى لدى المرء من دينه؟. ويرون أنّ صيام رمضان قد يؤدّي بالمرء إلى الإمساك عن كلّ عمل، ولا جناح عليه. وعندما تريد أن تحاسبه عن تكاسله يتذرّع بالصوم ويتمسك برمضان. إنّ أمّة بكاملها تسعى ما بوسعها لتنمية الإنتاج القومي، وتبذل جهد طاقتها في ذلك السبيل، وبين عشية وضحاها ينهار إنتاجها، ويكاد يضمحلّ تماماً، وتسأل عن السبب فيجيبك بأنّه رمضان.

ويضيف quot;تلتفت حولك فلا ترى إلا متثائباً أو مستسلماً للنوم. وهذا أمر لا يمكن أن يستمرّ، لأنّه ليس من الدين في شيء. وهذا أقوله هنا بحضور مفتي الديار التونسية الذي سيخاطبكم مباشرة في الموضوع بعد يوم أو يومين، وأكرّر القول إنّه ليس من الدين، وإنّه إسراف في فهم الدين. فمن يكون صائماً وقائماً بواجبه الديني، حسبما يفرضه عليه الإسلام، ثمّ يدرك أنّ ضعف بدنه لا يسمح له بالعمل، فيستمرّ في الصوم، تاركاً العمل.. إنّ من يكون هذا شأنه لا يقرّه الدين عليه، حسبما يراه مفتي الديار التونسيةraquo;.