خلافًا لما ظلّ سائدًا في الجزائر لسنوات طويلة، فإنّ صيف هذا العام بات استثنائيًا، بحكم تزامنه مع مونديال كرة القدم واقتراب شهر رمضان، ما سيختزل مدة الإجازات إلى شهر واحد فقط بدلاً من ثلاثة، وهو سيناريو جعل الفنادق ووكالات السفر في ورطة كبيرة.

الجزائر: اعتاد الجزائريون على الاستمتاع بعطلتهم الصيفية بشكل مطوّل، يمتد من أشهر حزيران (يونيو)، وحتى آب (أغسطس)، إلاّ أنّ إجازتهم هذا الصيف تعدّ الأقصر على الإطلاق، حيث ضحّى العديد من السكان المحليين بعطلتهم من أجل الاستمتاع بمشاهدة مباريات كأس العالم، ولا سيما بالنسبة إلى أولئك المهووسين بالجلد المنفوخ، وحال انتهاء العرس الجنوب أفريقي، ستكون المسافة الفاصلة عن شهر الصيام أقل من شهر، ما يُفترض تسخيرها بمنظار متابعين، لأجل تحضير مستلزمات رمضان، الذي سيكون ثلثه الأخير متزامنًا مع الدخول الاجتماعي، الذي يعني في الجزائر استئناف العمل والدراسة.

وأرغم تأرجح صيف هذه السنة بين كفتي المونديال ورمضان، الكثير من الجزائريين على البقاء في بيوتهم لضيق الوقت، ورغبة في توفير مصاريف، سيكون من الأجدى إنفاقها في شهر الصيام، وكذا لاقتناء لوازم الدراسة وعيد الفطر، مع الإشارة إلى أنّ هوس الجزائريين بالموعد المونديالي، حتى بعد إقصاء منتخبهم الوطني، جعل كبرى شواطئ البلاد تبدو وكأنّها صحراء مهجورة، وإن كان الوضع قد تغيّر نسبيًّا في الأيام الأخيرة.

ومن خلال جسّ quot;إيلافquot; نبض الشارع المحلي، أكّد كثير ممن استجوبتهم الصحيفة الالكترونية، اتجاههم لتقليص إجازاتهم وجعلها مقتصرة على ذهاب محدود إلى الشواطئ والمنتجعات. في هذا الشأن، يؤكد سمير، الموظف في مصحة حكومية وأب لأربعة أطفال، لـquot;إيلافquot; أنّ عطلته ستقتصر على التوجه برفقة عائلته إلى أقرب شاطئ خلال عطل نهاية الأسبوع.

في حين أوضح علي المتزوج حديثًا، وكريم رب عائلة، أنهما اعتادا على التنقل إلى ولايات ساحلية، وقضاء شهراً كاملاً في أحد الفنادق أو المركبات السياحية، إلا أنّ الأمر بحسبهما يختلف هذه السنة، حيث لا يريد علي وكريم تفويت فرصة مشاهدة مباريات كأس العالم، التي ستمتد حتى الحادي عشر من يوليو/تموز المقبل، كما يلفت كلاهما إلى حساسية تحويل نفقات العطلة لكل من الشهر الفضيل والدخول المدرسي.

أما بالنسبة إلى بهية (57 عاماً) وهي ربة بيت، فأكدت بدورها أنّ حيز العطلة جد ضيق خلال هذه السنة، مشيرة إلى أنها تسابق الزمن من أجل التحضير لزفاف ابنها، فيما يؤكد سليم الموظف بمؤسسة خاصة أن quot;لا مجال للاستجمام خلال العطلة الصيفية هذه السنة، فاضطررت لأخذ إجازتي الصيفية تزامناً مع فعاليات المونديال، لأستمتع بمشاهدات كل المباريات برفقة أصدقائي وأبناء الحي. أما بخصوص التوجه إلى شاطئ البحر فسيكون ذلك ليلاًquot;، بينما فضّل نجم الدين الموظف في بنك مملوك للحكومة، أن تتزامن عطلته مع رمضان لقيام الليل والتصدّق من ماله للمحتاجين.

ودفع الحلول المرتقب لشهر الصيام في عزّ أيام الصيف، إلى تراجع حجوزات الجزائريين داخل البلاد وخارجها، وتركزها خلال شهر يوليو/تموز، لكن ليس بالحدة المطلوبة، وهو ما يزيد من صعوبة مهمة الوكالات السياحية التي استنفذت كامل الجهود للتعاطي مع موقف لا تحسد عليه، بعدما اعتادت تحقيق أرباح مهمة خلال المواسم الصيفية الماضية، بفعل المعدلات القياسية للمصطافين، الذين أنعشوا مختلف المؤسسات السياحية المحلية.

ويشير جهيد بن تومي، صاحب وكالة خاصة للسياحة والسفر، أنّ معظم وجهات الجزائريين خارج الوطن، عادة ما تتراوح بين تونس والمغرب وتركيا وفرنسا، إضافة إلى دول الخليج العربي، مشيرًا إلى أن الطلب على هذه الوجهات تقلّص مقارنة بالسنوات الماضية، ويشاطر طاهر حبشي مسيّر وكالة خاصة للسفر، رأي بن تومي، معتبرًا أنّ سبب تراجع الطلب على الوجهات المذكورة، يعود إلى تقلص أمد العطلة الصيفية لهذا الموسم.

وإن ظلّت مصر ظلت وجهة سياحية محبذة للجزائريين على مدار الفترة السابقة، إلاّ أنّ فاتح بن علي، مسيّر إحدى الوكالات السياحية الخاصة، يبرز انعدام الطلب عن هذه الوجهة منذ الذي حصل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو ما كانت له انعكاساته السلبية.

وبحسب الخبير الاقتصادي عبد العزيز نجيمي، فإنّ هذه العطلة الصيفية الأقصر من نوعها، ستكون لها تبعات سيئة على مردود السياحة الجزائرية، التي عادة ما تنتعش خلال موسم الاصطياف، إلاّ أنّ الحال في الصيف الراهن مختلف عما يشتهيه القائمون على هذا القطاع. ويؤكّد نجيمي لـquot;إيلافquot; أنّ الفنادق والمطاعم والمنتجعات السياحية، فضلاً عن الشواطئ والمواقع السياحية، ستتضرر كثيرًا بهذا التراجع الملحوظ في عدد المصطافين والوافدين، إضافة إلى تناقص معدل السفر خارج البلاد خلال هذه الفترة.

وللتكيف مع ما هو كائن، يكشف مختار حمدادو المدير العام للسياحة في الجزائر، أنه تم تحضير برنامج مكثف يرتكز أساسًا على تكثيف الخدمات السياحية خلال الفترات المسائية، وكذلك خلال شهر رمضان المبارك، من خلال تمكين المصطافين من الاستجمام والتجوال بعد الإفطار.

وفي خطة أخرى أيضًا، استحدث العديد من الفنادق والمنتجعات السياحية في الجزائر، برامج تناسب طلبات الزبائن خلال الفترة القصيرة من الإجازة الصيفية. وعلى سبيل إغرائهم، عمدت إدارات الفنادق والمنتجعات إلى تخفيض أسعار الإقامة فيها، مع إدراج عروض خاصة بمباريات كأس العالم، وتنظيم سهرات خاصة في ليالي شهر رمضان، لمن اختاروا السياحة خلال هذا الشهر.

ويوضح أحمد بن مدور مسؤول مؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج، أنّ الأخيرة اقترحت أسعارًا مغرية للزبائن خلال هذا الصيف، إضافة إلى تجهيزها بشاشات عملاقة تسمح بنقل مباريات كأس العالم مباشرة على الهواء للزبائن، وسط جو من الإثارة والمتعة، والأمر نفسه سينطبق بمناسبة شهر رمضان، حيث حضرت المؤسسة برامج خاصة بهذا الشهر الفضيل على مستوى وحداتها كافة، بما فيها مسرح الهواء الطلق المسمى quot;الكازيفquot;.

وفي حديثه لـquot;إيلاف، يشير بن مدور إلى إقدام مؤسسته على تخفيض سعر الإقامة خلال رمضان لغاية 40 %، علمًا أنّ فريقًا من الزبائن ارتأى الحجز ما بين العاشر من يوليو/تموز والأول من أغسطس/آب، على الرغم من الارتفاع النسبي لأسعار الإقامة والخدمات خلال هذه الفترة.

وتبعًا لاستعداد قطاع غير قليل من الجزائريين للسفر نحو دول إسلامية مع غرّة رمضان، يرى الخبير أنيس نواري أنّ ما تسمى بـquot;السياحة الدينيةquot; يمكنها أن quot;تحفظ ماء الوجهquot; الوكالات السياحية، حيث انتعشت هذه السياحة في عزّ الصائفة، كمخرج للوكالات السياحية، التي تكبدت بعض التراجع في أرباحها.

في حين يشير أحمد نوبلي صاحب وكالة سفر، إلى أنّ حلول شهر رمضان خلال العطلة الصيفية جعل العديد من الزبائن يفضلون التوجه إلى البقاع المقدسة، عكس أماكن سياحية أخرى، حيث تكتسي أسفارهم طابعًا سياحيًّا ودينيًّا في الوقت عينه. ويبقى التحدي صعبًا جدًا أمام الوكالات السياحية والفنادق لإنقاذ المواسم السياحية المقبلة، مع المحافظة على روح رمضان واحترام خصوصيات الشهر الكريم، خاصة وأنه سيتزامن مع العطلة الصيفية طوال السنوات الخمس المقبلة، حيث سيكون متعاملو السياحة مدعوين لرفع التحدي والتفكير في برامج لكسب الزبائن، تقيهم شبح الكساد والإفلاس.

ويتقاطع مسيّرو الوكالات السياحية الخاصة والعامة على حد سواء، في كون التقلص المنتظر لموسم الإجازات في الأعوام المقبلة، احتكامًا لحلول شهر رمضان في ذروة الصيف حتى عام 2015، وهو ما يعدّ بمثابة تجربة جديدة، خصوصًا أنّ هذا التزامن بين الفترتين لم يحدث منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويلح خبراء ونشطاء السياحة على ضرورة القيام بدراسة معمقة لاستقطاب مواطنيهم خلال إجازات السنوات المقبلة.