تتميز المناطق التلية في الجزائر بقدوم أعداد هائلة من طيور الزرزور التي تغطي أسرابها السماء بالسواد في ذهابها ومجيئها، مشكّلة لوحات فنية رائعة ومتناسقة بفعل حركاتها المنسجمة، حتى وإن تسبب هذه الطيور إنزعاج المزارعين نظراً إلى الخسائر التي تحدثها على مستوى مزارع الزيتون والكرز والعنب.

الجزائر: يتميز طير الزرزور بسواد لونه المائل للاخضرار، وامتلاكه جناحين قصيرين ومثلثين حادين، وذيله مربع وقصير، يتراوح طوله من 17 إلى 21 سنتيمتراً ويزن من 60 إلى 95 غراماً، لديه منقار أصفر طويل ومدبّب ورجليه طويلة ودقيقة لونها بني يميل إلى الوردي، وعيناه بنيتان، وهو أسود مرقط بالأبيض على مستوى الظهر وأسفل البطن، علماً أنّ الجهات الرسمية تفتقد إحصائيات حول أعدادها في الجزائر.

وتصنع طيور الزرزور حين تطير نحو مراقدها أو مراعيها في أسراب ضخمة لوحات جذابة تجعل الأنظار معلقة في السماء، حيث تهيم الأذهان مع تلك الأشكال المميزة التي ترسمها تلك الطيور، ويتخيل الرائي للحظة أنّها سحابة سوداء آتية من بعيد لتكتسح الجو، وأحيانا يتبادر إلى فكر الناظر أنّ الزرزور طائر ضخم أتى من عالم الخيال، على منوال الطيب، بشير وعثمان الذين قالوا إنهم في كل مرة يرون فيها أسراب الزرزور تسكنهم رغبة مضاعفة في اكتشاف أسرار عالمهم.

وتفيد الخبيرة سميرة باية معزيز في تصريح لـquot;إيلافquot;، أنّه في الجزائر، يعيش طائر الزرزور المهاجر المعروف بروحه الجماعية، خاصة في موسم الهجرة، الذي ينطلق ابتداء من نهاية شهر سبتمبر/أيلول لغاية شهر أبريل/نيسان، وتضيف معزيز، وهي مهندسة دولة في حماية البيئة، أنّ هذا الطائر يتجمع في غابات الزيتون المتواجدة في منطقة القبائل الكبرى، وكذا في ضواحي الجزائر العاصمة، وخاصة في قلب المدن المكتظة بالسكان.

والطريف أنّ قصر الشعب (هيكل رسمي تابع للرئاسة الجزائرية)، وكذا شارع الشهداء (الذي يوجد فيه كل من مقري التلفزيون والإذاعة الحكوميين) غالباً ما تكون المراقد مفضلة للزرزور، لا سيما في فصل الشتاء، بحيث يتجه إليها عند كل مساء، بعد أن يعود من الغابات التي تعوّد على الرعي فيها.

من جهتها، تشير زينب كيال المتخصصة في حماية الطبيعة والحيوانات، إلى أنّ سلوك طائر الزرزور وراثي، لأنه بقي يرتاد المناطق نفسها التي تعوّد أسلافه على ارتيادها منذ سنوات غابرة، كما تلاحظ كيّال أنّ هذا الطائر يعيش في جماعات كبيرة تصل إلى غاية الملايين في المدينة الواحدة، ويخلّف الكثير من الفوضى والأوساخ، بيد أنّ لدى الزرزور تغريداً مختلفاً، خاصة ذاك الصادر من الذكور في موسم التزاوج، إلا أنّ تغريده غير موسيقي وممزوج بالصفير.

ويتغذى الزرزور من الفواكه، خاصة الزيتون والكرز والعنب، و هو غير مرغوب فيه من قبل المزارعين، حتى وإن كان فريق منهم يحبذ وجوده، لكونه يتغذى أيضاً من الحشرات، ويعد طائر الزرزور من الأنواع غير المحمية، بحيث يتعرض للصيد وبأعداد كبيرة، بحكم هوس الكثيرين به، وهو ما يفسره حسان وشكيب بطيبة طعمة.

وتبعاً لتأثيرها على القطاع الزراعي في البلاد، يحيل عبد الغني بومسعود مسؤول حماية الغابات، أنّ مصالحه أقدمت أخيراً على إزعاج طيور الزرزور في مراقدها لمدة ثلاثة ليال متتابعة وطردها من هذه الغابات أو إنقاص عددها، لأنّ خطورتها بحسبه تكمن في أعدادها الكبيرة، بالنظر إلى الأضرار التي تخلفها هذه الطيور التي تتسب في تكسير أغصان الأشجار التي تحط عليها بأعداد كبيرة وتتلف المحاصيل الزراعية.

والمثير أنّ طيور الزرزور تأقلمت مع حياة المدن الصاخبة، واستوطنت في الأماكن التي تعودت عليها، وأصبح من الصعب إبعادها عنها، وهو ما تبرزه كريمة يحيى محافظة حديقة التجارب، حيث تلاحظ أنّه في أيام الشتاء تأتي هذه الطيور للمبيت في الحديقة التي تمتد على 30 هكتاراً، وتتميز بأشجار ذات أغصان كبيرة، يمكنها حمل أعداد كبيرة من هذه الطيور، وساهم الزرزور في زرع عدد من أشجار الزيتون في أرجاء الحديقة الموجودة في وسط العاصمة، لأنه يحضرها معه في معدته من غابات القبائل التي يرعى فيها طوال النهار.

ويبدي أيمن، علي، وأنيس وهم من عشاق طيور الزرزور، أنّهم يشعرون بمتعة لا توصف عند تمليهم أسراب الزرزور، وهي آتية أو ذاهبة إلى الأفق البعيد في مشهد جميل يعكس تلاحماً، مع الإشارة إلى أنّ معزيز تحذّر من كون هذا التلاحم والاحتكاك في ما بين هذه الطيور يؤدي عادة إلى سقوط الكثير وموت العديد منها.

ويشرح عمي لونيس (52 سنة) المتيم بالزرزور، أنّ الأخير يفضل العيش في المدن الكبرى والغابات القريبة من المناطق الحضرية، التي تحتوي على أشجار مثمرة، وهو من الطيور التي لا ترى جيداً في الليل، إلاّ أنّ الاضاءة الليلية في المدن ساهمت في تغيير سلوكاته، في وقت بات هذا الطائر يلقى اهتماما كبيراً من قبل دارسي الطبيعة والطيور على وجه التحديد، لتسليط الضوء أكثر على سلوكاته وكيفية التعاطي معها.