بشكل مفاجئ، عادت الإضطرابات بعد 30 شهرا عن زوبعة خريف 2007، لتفسد هدوء سوق الحليب المحلية، حيث اشتكى تجار التجزئة ومستهلكون من اللاانتظام الحاصل في توزيع حليب الأكياس خلال الفترة الأخيرة.

كامل الشيرازي من الجزائر: يصطدم مسعى الجزائر لخفض واراداتها المفرطة من مادة الحليب بعقبة جناح من المتعاملين، ما أدى إلى عودة أزمة الحليب لتلقي بظلالها في البلد،إيلافتتطرقإلى الموضوع مع مسؤولي وفاعلي القطاع.

حيث يحرص quot;رشيد بن عيسىquot; الوزير الجزائري للزراعة والتنمية الريفية، على طمأنة مواطنيه بالقول:quot;السوق مستقرة وستبقى مستقرةquot;، محذرا مما نعتها quot;عمليات إستفزاز بعض المتعاملين الذين يتخذون المستهلك كرهينةquot;، على حد تعبيره.

على طرف نقيض، يجزم جمهور المنتجين بوقوع اضطرابات، لكنهم يرفضون تحمّل مسؤولياتها، حيث يرمي عبد الغني جلول بالكرة في مرمى الديوان المحلي للحليب المملوك للحكومة، وإقدامه على تقليص الحصص المعتادة الممنوحة للمحولين، وهي خطوة ينفيها وزير الزراعة، حيث يؤكد بن عيسى في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot; على أنّ تقليص الحصص لم يطبق بعد، كون لجنة الضبط المكلفة بالملف لم تعلن بعد عن نتائج عملية تقسيم المسحوق على وحدات التحويل وتشجيع ادراج الحليب الطازج في عملية انتاج الحليب المعبأ في أكياس.

وفيما يشدّد بن عيسى على أنّ عقلنة استعمال مسحوق الحليب في عمليات التحويل يجب أن يتقاسمها جميع الفاعلين في قطاع الحليب، بغرض تعزيز طاقات الإنتاج المحلية، يطلق quot;مصطفى بن بادةquot; وزير التجارة الجزائري، النار على قطاع من منتجي الحليب، ويقول في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، أنّ الاضطرابات التي عرفتها منظومة التوزيع مؤخرا، تسبب فيها quot;توتر مفتعل أحدثه منتجون خواصquot; على حد تعبيره، حيث لمّح بقوة إلى محاولة فريق من هؤلاء عرقلة خطة السلطات الباحثة عن إيقاف الاستيراد المفرط لمسحوق الحليب، بعدما مكّن المخطط الجاري تنفيذه من تخفيض الفاتورة الإجمالية للحليب ومشتقاته من 1.28 مليار دولار سنة 2008، إلى 862.76 مليون دولار في العام الفارط.

وخلافا لما يتردد عن ندرة في الحليب، يشدّد المسؤول ذاته على أنّ الديوان المحلي للحليب، يتوفر على كميات كافية من مسحوق الحليب، وبالتالي ما يتردد من ندرة سببه محاولة بعض المنتجين مقاومة ما سماه quot;التغييرquot;، على خلفية اندماج غالبية المنتجين في الجهاز الجديد الذي وضعته الحكومة ويتمثل هدفه في تخفيض الوارادات من أجل تطوير عملية جمع الحليب الطازج.

ويُشير وزير التجارة الجزائري إلى حوالي عشرة منتجين يريدون إدامة الاقتصار على نشاط التحويل فحسب، في خطوة تعارض السياسة القطاعية لكسر التبعية لمسحوق الحليب، علما أنّ إنتاج الجزائر من الحليب الطازج انتقل من 2.23 مليار لتر سنة 2008 إلى 2.45 مليار لتر خلال العام الأخير.

بدوره، يبرز quot;عمار أصباحquot; مدير الضبط وتنمية الإنتاج بوزارة الزراعة الجزائرية، لـquot;إيلافquot; أنّ بلاده تريد تقليص اللجوء التلقائي لاستيراد مسحوق الحليب ورفع نسبة إدماج الحليب الطازج في إنتاج الحليب المعقم، واستنادا إلى بيانات حصلت عليها quot;إيلافquot;، فإنّ سنة 2009، شهدت إدماج الحليب الطازج في مسار التحويل على مستوى مصانع الحليب، وذاك كان عاملا هاما مكّن الجزائر من كسب أرباح بقيمة مائة مليون دولار، وتقليص وارداتها بـ40 ألف طن من مسحوق الحليب، ومن المنتظر أن تهبط إلى مستوى العشرة آلاف طن بنهاية السنة الحالية، بمقابل رفع الإنتاج المحلي بحدود 10 بالمائة في قادم الأعوام.

وتتطلع الجهات المختصة إلى رفع نسبة إدماج الحليب الطازج من 18 بالمائة إلى نسبة 35 بالمائة، ما سيمثل إنتاجا نوعيا بـ550 مليون لتر هذه السنة مقارنة بأربعمائة مليون لتر العام المنقضي، في وقت تقدّر احتياجات السوق بـ1.5 مليار لتر.

وردا عن اتهامات فريق من المنتجين لدوائر القرار بتهميشهم وعدم تشجيعهم، ينفي quot;رشيد بن عيسىquot; الوزير الجزائري للزراعة والتنمية الريفية، الأمر رأسا، ويستدل باستعداد مصالحه لتشكيل ست لجان جهوية في حدود شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل لتقريب الأطراف الفاعلة واستحداث فضاءات التشاور والتنظيم، معلّقا:quot;لن نتمكن من توفير شروط التنمية المستديمة لفرع الحليب إلا في إطار هذه الفضاءاتquot;.

كما يستعرض بن عيسى، سلسلة إجراءات تحفيزية قامت السلطات العمومية بوضعها من خلال رفع قيمة الإعانة، بالتزامن مع مباشرتها محادثات مع محترفي الحليب لاقتراح الحلول اللازمة لهذا الفرع الانتاجي الاستراتيجي، وإنجاح مسعى الانتقال من مرحلة الاستيراد المفرط لمسحوق الحليب إلى تطوير عملية جمع الحليب الطازج، وتبيّن إحصائية حديثة أنّه من مجموع 80 ملبنة، توصلت 70 منها إلى حل وسط بخصوص تقليص استعمال المسحوق ورفع نسبة إدراج الحليب الطازج في الحليب المعبّأ في أكياس.

ولتقريب الرؤى بين الحكومة والمنتجين، يكشف بن عيسى عن مباحثات جارية تشمل مختلف المتعاملين لتحديد آليات إضافية، ويوضح وزير الزراعة الجزائري أنّ الدولة مستعدة لتوجيه الدعم الذي تمنحه لدعم مسحوق الحليب، نحو استعمال الحليب الطازج من قبل المحولين، مستطردا أنّ محترفي القطاع مدعوون لتقديم مقترحات للديوان المحلي المركزي لإيجاد أحسن وسيلة لضمان السوق بصفة منتظمة، ورفع إدماج الحليب الطازج في الإنتاج، وما يترتب عن ذلك من تقليص استيراد مسحوق الحليب.

وتبعا لمخطط تقليص واردات مسحوق الحليب، تراهن الجزائر على استمرار حركية شعبتها المركزية الخاصة بإنتاج الحليب، ويوضح quot;عمار أصباحquot; مسؤول الضبط والإنتاج بوزارة الزراعة، أنّ اهتماما خاصا أعطي لرفع إنتاج هذه المادة الإستراتيجية إلى 3.5 مليار لتر في آفاق 2014، ولتحقيق هذا الهدف، سيتم رفع عدد قطيع البقر الحلوب والمكوّن حاليا من 850 ألف رأس بقرة حلوب، بواسطة اللجوء إلى استيراد الأبقار الولودة وكذا الرفع من أعداد الأبقار الملقحة اصطناعيا والمقدرة بـ130 ألف بقرة سنويا، فضلا عن زيادة الاعتماد على الأعلاف الخضراء.