يتوقع المحللون أن تفضي تبعات زلزال اليابان وإرتفاع أسعار النفط إلى ضعف الإنتاج الصناعي العالمي.


إيلاف: لعلنا نمر حالياً بفترة لن نسمع فيها أنباء طيبة مثل تلك التي شهدتها الشهور المنصرمة والمتمثلة بتسجيل بعض النمو حول العالم خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، إذ نترقب ظهور تبعات زلزال اليابان على النمو العالمي. وبناءً على ذلك، سنلتزم بتوخي الحذر والإحجام عن المخاطرة عند هذه المرحلة.

وقد أنهت سوق الأسهم ربعاً حافلاً بالتقلبات بارتفاع قوي، مسجلة عوائد بنسبة 5.4% للربع الأول من العام الحالي. كما واصلت أسواق الأسهم عموماً صعودها مدعومة بالنتائج الإيجابية لتقرير العمالة الأميركي، والمتمثلة بانخفاض معدل البطالة لأدنى مستوياته عند 8.8%، وإرتفاع عدد الوظائف الجديدة بنسبة فاقت التوقعات مع إضافة 219 ألف وظيفة خلال الشهر الماضي. ولكننا نعتقد أن هذه الأنباء الإيجابية هي آخر ما سنسمعه من أخبار طيبة خلال الشهر أو الشهرين القادمين، وذلك مع احتمال حدوث نشاطات لجني الأرباح في الأسواق.

ولا بد من الانتباه إلى أن بيانات الأسابيع القليلة الماضية تعكس واقع الحال قبل وقوع زلزال اليابان. وتكمن أبرز المخاوف التي تعتري الاقتصاديين حالياً في درجة تأثير زلزال اليابان على النمو العالمي. ويتمثل التحدي المستقبلي الأكبر بالنسبة للأسهم في مدى قدرتها على امتصاص التدفق المحتمل للبيانات الاقتصادية الضعيفة. وستفضي تبعات زلزال اليابان وارتفاع أسعار النفط إلى ضعف الإنتاج الصناعي العالمي وتراجع الثقة الصناعية، وسط توقعات بتعرض الإنتاج الصناعي الياباني لوحده إلى هبوط بنسبة تفوق 15% خلال شهري مارس وأبريل، وستطال هذه الآثار بقية الدول الآسيوية. وسيؤدي توقف إنتاج اليابان للعديد من السلع إلى عرقلة مستوى الإنتاج في أنحاء شتى من العالم. وقد جاءت البيانات الاقتصادية الأخيرة بمثابة صدمة حقيقية مع تراجع عمليات تسجيل السيارات بواقع 30% على أساس شهري خلال شهر مارس، مسجلةً أدنى مستوياتها منذ عام 1980. ولا تزال مشكلة انقطاع التيار الكهربائي تسبب أزمات كبيرة في طوكيو التي تدوم فترة الانقطاع فيها لأكثر من ثلاث ساعات يومياً؛ علماً أن طوكيو تسهم بحوالي 40% من الناتج الإجمالي المحلي لليابان.

وسيتعين على الأسواق المالية خلال الأشهر المقبلة امتصاص آثار عمليات رفع أسعار الفائدة التي ستقوم بها مجموعة من البنوك المركزية. وعلى سبيل المثال، ثمة تكهنات بأن quot;البنك المركزي الأوروبيquot; سيلجأ في الأسابيع المقبلة إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتبلغ 1.25%، وستكون هذه الزيادة الأولى منذ التخفيض الأخير الذي أجري عقب وقوع الأزمة الاقتصادية العالمية في مايو 2009. ومن المتوقع أن تتفق كندا والبرازيل والهند والمملكة المتحدة على رفع أسعار الفائدة خلال شهري أبريل ومايو.

ومن ناحية أخرى، نجحت أسواق الأسهم الناشئة خلال الأسابيع الأخيرة في تعويض بعض خسائرها قياساً مع نظيراتها في الأسواق المتقدمة، ولكن من المحتمل أن يكون هذا الانتعاش النسبي الأخير هشاً إلى حد ما. وقد يتوقع المرء أن تحظى آسيا بقدر جيد من الثقة الاستثمارية في المستقبل بعد النمو القوي المسجل في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك كان نقيض ما لمسته شخصياً أثناء جولتي في هونج كونج خلال الأسبوع المنصرم. وفي الواقع، يبدي المستثمرون تردداً وريبةً حيال صورة الوضع في المستقبل القريب؛ فبالرغم من تأكيد الكثيرين على متانة الأسس الاقتصادية القوية في السوق على المدى الطويل، إلا أن شؤون تراجع معدلات النمو والتضخم ما زالت من أبرز القضايا التي تثير تردد ومخاوف المستثمرين. وفي هذه الأثناء، تشهد الصين تغييراً متسارعاً يدفع الصينيين أنفسهم للتساؤل حول الطبيعة التي آل إليها اقتصاد بلادهم اليوم. وقد أوضح أحد المحللين أن تضخم الأجور بشكل كبير سيؤدي إلى تراجع في القوة التصديرية التي لطالما كانت الصين تتمتع بها سابقاً؛ حيث أن معدل النمو الحالي لأجور العمال- البالغ 20% سنوياً على مدى العامين الماضيين والعام الجاري- لم يكن مترافقاً بنمو مواز في الإنتاج، وهو ما أفضى إلى تراجع القدرة التنافسية لقطاع التصنيع الصيني ضمن الأسواق العالمية. وبالتالي، ستتجه الصين في نهاية المطاف نحو قطاع الخدمات بهدف المحافظة على نموها الاقتصادي.

وتعاني آسيا من مشكلة التضخم؛ حيث يتبدى ذلك من خلال مطالبة الصين لشركة quot;يونيليفرquot; بالتوقف عن رفع أسعار مجموعة من المنتجات، الأمر الذي يشير إلى أن الأمور ليست على ما يرام. ورغم أن الضغط الشعبي يبدو محدوداً في آسيا مقارنة بنظيره في شمال أفريقيا، إلا أن هذا الضغط يجبر السلطات على محاولة كبح جماح التضخم. فعندما سمع المستهلكون الصينيون باحتمال رفع أسعار الشامبو ومنتجات العناية الشخصية الأخرى، شهدت المتاجر موجة شراء هائلة هدف الناس من خلالها إلى تموين هذه السلع الأساسية، والتي شملت أيضاً منتجات أخرى مثل الأرز وزجاجات المياه المعبأة. ويتوقع الاقتصاديون استمرار تعرض تضخم أسعار الغذاء لضغوط تصاعدية خلال منتصف العام، علماً أن معدل التضخم الحالي في آسيا يبلغ 9.5% مقارنة بالعام السابق (مع استثناء اليابان).

ويتوقف مستقبل الصين الاقتصادي على الخطوات التي ستتخذها الدولة لتشجيع الطلب المحلي والمنهجيات التي ستتبعها في الاستثمار الخارجي. وستتركز الفرص الاستثمارية في الصين على مجالين؛ الأول هو الشركات التي قد يتم الاستحواذ عليها من قبل شركات صينية، بينما يتمثل الثاني في الشركات التي تحرّك الطلب المحلي القوي. ومن المتوقع أن تستثمر الصين مبالغ ضخمة في الأصول الخارجية؛ حيث قامت البلاد برفع استثماراتها الأجنبية المباشرة ضمن الأسواق الخارجية إلى حوالي 60 مليار دولار أمريكي سنوياً. ومن المحتمل أن تصل قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة للصين إلى 200 مليار دولار سنوياً بعد 10 سنوات من الآن. وكمقياس آخر لحجم الاستثمارات المحتملة، يتعين الأخذ في الحسبان بأن الولايات المتحدة تمتلك إجمالي استثمارات خارجية بقيمة 4.3 تريليون دولار، في حين تبلغ حصة الصين من هذه الاستثمارات 118 مليار دولار فقط وذلك حتى نهاية عام 2009.

وستتوجه الصين إلى الاستثمار في قطاع التكنولوجيا، ومصادر سلع الطاقة، وقواعد التصنيع الخارجية. وسيتجسد النمو بالنسبة للأسواق المالية الصينية في الشركات التي تستفيد من الطلب المحلي القوي، إذ غالباً ما يتم إغفال حقيقة أن الصين تحظى بسوق داخلية ضخمة توفر لقطاع التصنيع الصيني فرصاً مجزية للغاية. وعلى سبيل المثال، تقتصر نسبة التصدير للخارج في قطاع إنتاج السيارات الصيني على 5% أو أقل. علاوة على ذلك، سيشهد الاستثمار المحلي في الصين نمواً هائلاً، وسرعان ما ستدرك الصين- مثل دبي- ضرورة الاستثمار في البنية التحتية من أجل الحفاظ على النمو طويل الأمد وتحقيق قدرة تنافسية عالية. وسيصل إجمالي الاستثمار في مشاريع خطوط مترو الأنفاق الصينية إلى 1.2 تريليون يوان بحلول عام 2015، و4 تريليونات يوان في مشروعات الموارد المائية والمرافق بحلول عام 2020، بينما ستكون استثمارات مشاريع السكك الحديدية للقطارات عالية السرعة الأكبر قياساً مع بقية دول العالم مجتمعة بحلول عام 2015.