بعدما سقطت لسنوات عديدة في فخاخ استيراد نصف حاجياتها الغذائية، تريد الجزائر إحياء صناعاتها الغذائية عبر مخطط عمل استراتيجي لربح رهان الأمن الغذائي، وتحاشي تبعات الصعود الصاروخي للواردات المرشحة لملامسة سقف الـ15 مليار دولار سنويا. quot;إيلافquot; بحثت مع مسؤولين ومتعاملين تفاصيل هذه الاستيراتجية وانعكاساتها المرتقبة.


الجزائر: يوضح محمد بن مرادي وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار أنّ مخطط العمل الجاري تنفيذه يمتد إلى العام 2014، ويهدف إلى رفع هوامش تطوير المؤسسات الناشطة في سائر الشعب الغذائية من الحبوب والزيوت والسكر والألبان والمخبوزات والمشروبات وصولاً إلى الطماطم والتمور والأجبان والفواكه وغيرها.

ويشرح محمد باشا المدير العام للذكاء الاقتصادي والدراسات الاستشرافية أنّ التركيز سيكون على دعم براغماتي للموارد الإنتاجية المحلية عبر اختيار فروع مُهيكلة ومثمرة قابلة للترقية، ومنح تشجيعات مغرية للاستثمار فيها، وتطوير الهياكل القاعدية إلى جانب إعادة تأهيل الكوادر، بما ينعش هذه الصناعات ويرسّخ الفعالية والتنافسية والجودة، مراعاة لأهداف الجزائر في مجال التصدير.

عليه، يلفت بن مرادي إلى اهتمام بلاده بالتحول إلى قطب لإنتاج الغذاء يدرّ القيمة المضافة، على أن يبقى دور الدولة قائمًا على التخطيط من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام خارج المحروقات المهيمنة على الميزان التجاري.

في أولى الإجراءات العملية، يجري التحضير لإعادة بعث إنتاج الخمائر في الجزائر، بعدما ظلّ المردود صفريًا منذ بعض الوقت، وهو ما يعترف به المسؤول الأول عن قطاع الصناعة، في هذا الشأن، يكشف بن مرادي عن إعادة تشغيل وحدتي إنتاج الخميرة في كل من منطقتي بوشقوف ووادي السمار (شرق البلاد ووسطها)، علمًا أنّهما توقفتا منذ فترة بسبب ما قيل إنّها quot;مصاعب تسويقيةquot;.

ويؤكد عبد الكريم بودراع الخبير في إستراتيجية التسويق، إمكانية تعميم نموذج إنتاج المشروبات الغازية والمعصرات، اعتبارًا لكونها أحد القطاعات الأكثر ديناميكية في سوق الصناعة الغذائية في الجزائر، إذ تنتج خمسمائة مؤسسة مهنية ما يربو عن العشرين مليون هكتولتر سنويا، برقم أعمال قدّر بـ45 مليار دينار خلال السنة الأخيرة، ما يجعل السوق الجزائرية تمثل وحدها، 43 % من السوق المغاربية. ورصدت الخزانة العامة خلال العام الأخير مخصصات زادت عن 1100 مليار دينار (16 مليار دولار) لإعادة هيكلة القطاع الصناعي العام، وتأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

شراكة غذائية زراعية للارتقاء بالصناعات التحويلية
يرى ولد الحسين الشيخ الرقم الثاني في الجمعية الجزائرية للمصدّرين أنّ إعطاء دفعة لآلة التصنيع الغذائي في الجزائر، مربوط بإقامة شراكة فعالة مع المزارعين، معتبرًا أن قيام حركية مدمجة بين القطاعين، بوسعها تعزيز استغلال الحبوب التي تعد اختصاصًا رائدًا محلياً، ويمكن الوفاء بذلك بحسبه، عبر استحداث مناطق زراعية متخصصة وإعادة تأهيل هياكل التكوين في مهن الزراعة وتبسيط الإجراءات الجبائية وإنشاء فروع مستقلة للبذور مع استحداث بنك لتمويل سائر فروع الاستثمار الغذائي.

ويدعو الخبير الاقتصادي عبد الغفور الحسين إلى استغلال المواد الأولية المُنتجة محليا في الصناعات التحويلية، في صورة الحبوب واللحوم والحليب ومشتقاته والزيوت والتمور والطماطم الصناعية، سيما بعد إغلاق عشرات الوحدات قبل سنوات. وعلى سبيل المثال، يبرز نموذج صناعة الأجبان التي ظلت تراوح مكانها، رغم كونها أداة فعّالة لإيقاف تبعية الصناعات الغذائية هناك لآلة الاستيراد تمامًا مثل شعب الحليب واللحوم والتمور وغيرها، لكن لعنة الإمكانات المغيبّة جعلت نجاح الصناعات الغذائية المحلية مُرتهنا.

ويبدي جمال مديني، وهو أحد المنتجين، استغراباً للإهمال الذي يطال قطاعًا يعدّ بمثابة مصدر لثروة مهمة وفضاء لامتصاص البطالة المتفاقمة في البلاد، علمًا أنّ بيانات حديثة تشير إلى استيراد مفرط للأجبان الفرنسية، والإيطالية، والهولندية والألمانية، هذه الأخيرة جرى جلب 784.6 طن من أجبانها بقيمة 38 مليون يورو بنهاية العام الأخير، في وقت تمتلك البلاد رصيدًا هائلاً من الأجبان التقليدية، التي لا تزال تنتظر الاستغلال الأمثل على غرار الجبنة المسماة (بوحزة).

إلى جانب الأجبان، هناك أيضًا شعبة الطماطم الصناعية التي تعاني ركودًا بفعل غلق العديد من وحدات التصبير، وضياع كميات كبيرة، بسبب عدم وحدات التحويل من امتصاص الفائض جرّاء مصاعب مالية، وزاد الطين بلّة قرار الدولة وقتها باللجوء إلى الاستيراد مع تعليق الرسم الجبائي الذي يحمي الإنتاج المحلي.

بحسب ناصر لوراري، وهو صاحب معمل للطماطم، فإنّ تقديم صندوق دعم الإنتاج الزراعي لدعم تقني ومالي لعموم المشتغلين في شعبة الطماطم، خطوة أعادت الثقة إلى زملائه من المنتجين والمزارعين بعد الأزمة التي ظلت تعانيها هذه الصناعة.

إلى ذلك، يقترح متابعون بعث زراعات غير موسمية لدعم المخزون المحلي وتحاشي زوابع ظرفية كتلك التي هزتها في الشتاء الماضي، فضلاً عن إيقاف تحمل تبعات الهزات الارتدادية للأسواق الخارجية، في وقت ارتفع إجمالي الاستهلاك في الجزائر بـ60 بالمائة شهريًا، وهو واقع مختلف عما يشهده بلد مثل فرنسا، التي يتراوح معدل استهلاك مواطنيها بين 15 و17 % فقط.